كشفت أزمة سد النهضة عن أزمات كامنة لسلطات الانقلاب العسكري مع السودان، الدولة العربية الشقيقة، حيث اتضح أن حلايب وشلاتين ما زالت جرحًا مفتوحًا، منذ الخمسينات حتى هذه اللحظة بين مصر والسودان، ولكن التعنت العسكري حوَّلها من أزمة يمكن تجاوزها إلى أزمات بجوارها، وهو ما أكدته تصريحات وزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور، الذي قال إن "السودان لن تتنازل عن منطقة حلايب"، مضيفا "نقترح على الأشقاء في مصر إما إعادتها بقرار سيادي إلى السودان على غرار إعادة تيران وصنافير إلى السعودية، أو بالتحكيم الدولي كما استعادت مصر طابا"، متابعا "للأسف يرفض المصريون المقترحين"، موضحًا "نحن والمصريون حبايب إلى أن نصل إلى حلايب". واعتبر "غندور"- الذي جاءت تصريحاته لقناة "روسيا اليوم"- أن موقف مصر من سد النهضة يتعارض مع مصالح السودان، مؤكدا أن مصر كانت على مدى السنوات السابقة تأخذ حصة السودان من مياه النيل. وأضاف إبراهيم غندور أن هناك اتفاقًا بين مصر والسودان يقضي بأن نسبة المياه السودانية التي تذهب إلى مصر أثناء الفيضان "دين"، مضيفًا "الآن ربما يتوقف الدائن عن إعطاء الدين للمدين، والمدين لا يريد هذا". وأوضح الغندور "إشارة مصر إلى أن السودان تتفق مع الإثيوبيين في ملف سد النهضة الذي يتعارض مع مصالحها، صحيحة من وجهة النظر المصرية، وغير صحيحة من وجهة النظر السودانية.. السودان لم يكن يستخدم كل نصيبه من مياه النيل بحسب اتفاقية 1959، وسد النهضة يحفظ للسودان مياهه التي كانت تمضي إلى مصر في وقت الفيضان، ويعطيها له في وقت الجفاف، وبالتالي من الممكن مع بناء السد أن تخسر مصر نصيب السودان الذي كان يذهب إليها خارج الاتفاق". وأشار وزير الخارجية السوداني، في هذا السياق، إلى كلمة المتحدث الرسمي باسم الخارجية المصرية التي قال فيها: "إننا ننظر إلى موقف السودان بحساسية زائدة". وقال: "السودان يقف مع مصالحه، والسد فيه مصالح كثيرة للدولة، وهناك خط أحمر أعلنه الرئيس البشير بنفسه عدة مرات، حين قال إن اتفاقية مياه النيل بين السودان ومصر لعام 1959، والتي تحفظ حصة مصر من المياه خط أحمر، ما يؤكد أن الأمن المائي لمصر محفوظ". رد الفعل غير أن تصريحات وزير الخارجية السوداني جاءت بعد أن وجهت مخابرات عباس كامل، وخالد فوزي، والصحفي مكرم محمد أحمد رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، لمهاجمة الرئيس السوداني عمر البشير، واتهامه بالوقوف إلى جانب إثيوبيا في ملف سد النهضة الإثيوبي؛ انتقامًا من مصر بسبب ملف حلايب وشلاتين"، ولهذا كان الرد السوداني حول هاتين النقطتين. وقال "مكرم": إن "البشير" يرى تمسك مصر بحدودها الجنوبية يسبب له إحراجًا، متابعًا "البشير بطبيعته يحب الانتقاد وغير متسامح، ولا يعترف بأن هذا حقك تأخذه، وهو غير مخلص وفيه مراوغة". التحالف الثلاثي وفي سياق متصل، كشفت تقارير صحفية عن تحالف ثلاثي يضم القاهرةوجوبا وكمبالا لإسقاط الخرطوم وأديس أبابا، عبر دعم المعارضتين السودانية والإثيوبية، وتسليحهما واستبدال حكومتيهما. وأضاف مراقبون أن تدخل مصر السلبي في جنوب السودان، بدعم سلفاكير بالسلاح علنًا، تسبب بإحداث إشكال مع مصر؛ فجنوب السودان واجه اضطرابات، ولم تعد حكومة سلفاكير تحظى بأي شرعية، كما أرسلت مصر أطنانًا من السلاح والذخيرة ومدربين إلى جنوب السودان بحجة تدريب جيشها الوطني. وقبل أسبوع، أرادت المخابرات لعب دور في إطار ذلك، بتوفير المصالحة داخل شقي "حركة تحرير السودان التاريخية"، التي أسسها جون قرنق، التي من شأنها توحيد جنوب السودان خلف سلفاكير، الذي تدعمه القاهرة بقوة، لتحقيق مآربها. العقوبات والأسلحة وتستدعي الصحافة السودانية في أوقات الهجوم من أذرع السيسي الإعلامية على السوادان، الاتهامات التي كانت وجهتها السودان لمندوب مصر في مجلس الأمن في أبريل الماضي، بتقديمه طلبًا لإبقاء العقوبات المفروضة على الخرطوم طبقًا للقرار 1591 الذي يحظر بموجبه بيع الأسلحة للسودان. وعلق وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور، أثناء اتهامه لمصر، قائلًا: إنّ الموقف المصري "غريب لدينا، ونتمنى ألا يكون انعكاسًا لخلافات طفيفة بين البلدين؛ لأنه في هذه الحالة سيكون موقفًا شاذًا عن الموقف الإفريقي والعربي والمصري الثابت والداعم للسودان". ونفت مصر لاحقا اتخاذ هذا الموقف، عبر بيان من وزارة الخارجية، قالت فيه "إنها تتبنى المواقف الداعمة لمصلحة الشعب السوداني، سواء بمداولات مجلس الأمن أو لجان العقوبات". وكشف صحفيون سودانيون عن معلومات تفيد بأن الاستخبارات المصرية استضافت شخصيات من المعارضة السودانية ساهمت في عرقلة محاولات إنهاء الخلافات في الداخل السوداني بين حكومتي جوبا (جنوبًا) والسودان.