سجن "العقرب" أحد أكبر قلاع الظلم فى دولة العسكر، يعود تاريخ إنشائه إلى العام 1993، داخل مجمع سجون طره، حيث يكابد فيه الأحرار صنوف العذاب خلف أسوار بارتفاع 7 أمتار وبوابات مصفحة، وهو نموذج أمريكي يماثل جوانتانامو وبات يحمل اللقب ذاته فى نسخة مصرية قمعية تجسد فاشية الانقلاب، لكن ما ينبغي أن يعرفه جنود السيسي هو أن جرائم التعذيب والقتل والقمع والانتهاكات والاغتصاب لا تسقط بالتقادم ولا بد من يوم للحساب.
يقول مدير مركز شهاب لحقوق الإنسان خلف بيومي إن هناك إصرارا وخطة للتخلص من قيادات رافضي الانقلاب عبر سوء المعاملة والإهمال الطبي ومنعهم من تناول أدويتهم، مما أدى إلى تدهور حالتهم الصحية.
وأشار إلى أنهم بصدد الانتهاء من توثيق أسماء الضباط المتورطين في هذه الجريمة، مضيفا أن التعذيب الممنهج في سجن العقرب لا يسقط بالتقادم، وأن ما يجري هو قتل عمد.
مقبرة العقرب
هو المصطلح الأكثر دلالة على هذا البناء الفاحش الذي توارثه العسكر من أجل إبادة كافة أشكال المعارضة، وعلى رأسها تيار الإسلام السياسي، واعتبره المأمور السابق ل”جونتامو مصر” بأنه أقرب إلى لدغة تلك الحشرة شديدة السمية لأن من وطأه تضاءلت حظوظه فى النجاة منه حيث لا هواء ولا شمس، فقط تعذيب ممنهج وموت بطيء.
مأساة سجن العقرب “مقبرة 992” لم تتوقف عند حدود معتقليه من رموز الثورة المصرية وما يكابدونه خلف الأسوار شديدة الحراسة من ويلات وجرائم إبادة لا تسقط بالتقادم، وإنما تمتد لتشمل كذلك أسر وذوي نزلاء تلك البناية القاتمة وما يعانونه على عتبات تلك المقبرة من مهانة واعتداءات وتحرش وتعنت بل وتلفيق اتهامات قد تكلف الزائر مقعد إلى جوار صاحبه خلف الأسوار.
يقول الناشط "بدر أبو علي": "واقعٌ مرير يعيشه أكثر من ستين ألف معتقلٍ في سجون الانقلاب لكن يبدو أن سجن طره رقم 992 والذي يعرف باسم العقرب بات له وضعٌ خاص بعدما تحول لمقبرةٍ لمن يسجن به".
مضيفاً:"بعد انقلاب الثالث من يوليو عام 2013 تم وضع قيادات الإخوان وتحالف دعم الشرعية وآخرين من رافضي الانقلاب داخله ، انتهاكاتٌ عديدةٌ رصدها أهالي المعتقلين نقلاً عن ذويهم في السجن ووثقتها منظماتٌ حقوقيةٌ عديدة".
معاناةٌ أدت إلى تدهور حاد في صحة بعض المعتقلين ومع هذا رفضت سلطات السجن السماح لهم بالانتقال للمستشفى للعلاج وكانت الوفاة هي النتيجة الطبيعية لهذا الإهمال الطبي، قائمة الذين لقوا حتفهم في العقرب قد يصعب حصرها على وجه الدقة فهي تضم القيادي في جماعة الإخوان فريد إسماعيل ورئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية عصام دربالة وقد ينضم إليهم آخرون بسبب الإهمال الطبي، أما استغاثة أهالي المعتقلين في العقرب وغيرها لا تقابل باكتراثٍ كبير لدى سلطات الانقلاب التي تنفي صحة تلك الانتهاكات وتقول إنها محض افتراء.
نفاق دولي
لم تعد معتقلات جوانتانامو وأبو غريب تحتل موضع الصدارة في تعذيب النزلاء بعد أن أقصاها العقرب عن عرش التعذيب الذي تفنن في طرائقه، صعقا بالكهرباء، أو ضربا بآلات حادة، أو حبسا انفراديا لمدد طويلة، أو إهمالا طبيا وحرمانا من الرعاية الصحية والأدوية وترك السجناء يموتون ببطء، وهذا ما تشهد به أرواح الشيخ عصام دربالة رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية، وفريد إسماعيل وطارق الغندور ومحمد الفلاحجي والشيخ نبيل المغربي، ومرجان سالم وزكي أبو المجد، وابو بكر القاضي، وعماد حسن، وهو ما دفع 16 منظمة حقوقية مصرية لوصف هذا السجن بالمقبرة الجماعية.
من جانبه، وصف عضو رابطة الدفاع عن المعتقلين المصريين عمار البلتاجي ما يجري في سجن العقرب بعملية قتل بطيء ممنهجة من خلال الإهمال الطبي للمعتقلين، وقال إن هناك حالة من النفاق الدولي والمحلي بالسكوت عما يجري في السجون المصرية من انتهاكات.
ويرى أن هناك نوعا من التسويغ والتبرير الحقوقي لهذه الجرائم من قبل جمعيات حقوق الإنسان، وكذلك المؤسسة الدينية في مصر.
من جانبه يقول "خلف بيومي"، مدير مركز شهاب لحقوق الإنسان:" الوضع داخل سجن العقرب أسوأ مما يتصور الجميع، هناك حالة من الإصرار على التخلص من قيادات ورافضي ومناهضي الانقلاب بأي صورة من الصور وهو نوع من أنواع القتل الممنهج، القتل البطيء الذي يمارس ضد هؤلاء، منذ فترة تصل إلى أربعة أشهر تم وضع خطة وأمامي القرار الصادر من إدارة السجن في 1-7-2015 بتضييق الخناق على مناهضي الانقلاب قرار صادر موجود على صفحة مصلحة السجون، قرار رسمي صادر بالتضييق على القيادات المناهضة للانقلاب منذ هذا التاريخ وبدأت خطة للتخلص منهم".
وتابع: "بدأت هذه الخطة بمنع زيارات الأهالي ومنع زيارات المحامين ومنع دخول الأدوية ومنع إحالة المرضى منهم إلى المستشفى، ثم بعد ذلك الزج بهم في زنازين انفرادية زنازين عتمة لا يسمح لهم بالرؤية ولا يسمح لهم بالتريض ولا يسمح لهم بالتشمس ولا يسمح لهم بتناول الأدوية خاصةً وأن معظمهم من كبار السن، أدى ذلك إلى تدهور الحالة الصحية لعدد كبير منهم فتدهورت الحالة الصحية لعصام دربالة وتوفي، قتل عمد بصورة من صور أنواع القتل العمد، ثم وسبقه قبل ذلك الحج سالم مرجان..يعني القتل العمد".
فتح باب الإرهاب
قضية سجناء العقرب وغيره من السجون كفيلة بتوحيد القوى الثورية الحقيقية، خاصة أن هذا السجن يضم رموز تلك القوى جنبا إلى جنب، فهذا الدكتور محمد بديع المرشد العام للإخوان المسلمين كان معه أحمد ماهر رئيس حركة 6 إبريل قبل الافراج عنه، وهذا عصام سلطان وذاك علاء عبد الفتاح، وهذا صفوت عبد الغني وذاك أحمد سعيد، وهذا محمد البلتاجي وذاك محمد عادل، وهذا هاني صلاح الدين وذاك يوسف شعبان، وهذا مجدي أحمد حسين وذاك إسماعيل الإسكندراني، وهذا هشام جعفر وذاك محمود شوكان، وهذه الحاجة سامية شنن وتلك ماهينور المصري، وهذه كريمة الصيرفي وتلك آية حجازي قبل الافراج عنها، هؤلاء الذين جمعتهم ثورة يناير وفرقتهم الثورة المضادة توحدهم الآن أقبية السجون، وسياط الجلادين، وآهات الزوجات والأمهات المعذبات انتظارا لزيارة لا تتم في الغالب بعد طول سهر أمام بوابات السجون في شتاء القاهرة القارس.
ويرى مراقبون أن اعتقال رموز العمل السلمي والشرعية، يحقق غاية وغرض في نفس سلطات الانقلاب، وهو نشر التطرف واليأس والإرهاب ودفع الشباب للكفر بالمسار السلمي، ومن ثم أن يجد العسكر من يرفع عليهم السلاح ، وهو المبرر لاستمرار القمع والانتهاكات تحت مظلة الحرب على الإرهاب.
يقول "خلف بيومي" :"دعني أقول أن دولة العسكر لا تعترف بقانون ولا دستور فالدستور الذي وضع في جنح الظلام دستور 2014 حبيس الأدراج وألغي دستور 2012 ومصر الآن لا يحكمها دستور ولا يتعامل الناس فيها بقانون فالقانون ليس هو المسيطر على الوضع في مصر المسيطر على الوضع في مصر هي عصا العسكر وذراع العسكر الغليظ وهي وزارة الداخلية لا تحترم قانونا ولا تحترم مواثيق وإنما الذي سيحاكم هو الشعب والذي سيسجن هو الشعب والذي سيلقي بهؤلاء الناس في غياهب السجون هو الشعب، كنا لا نتخيل أبداً أن أحمد نظيف وفتحي سرور وزكريا عزمي ومحمد إبراهيم سليمان وأحمد عز وجمال مبارك ومبارك نفسه سوف يدخلوا السجن ودخلوا بيد الشعب ولم يدخلوا بيد القانون فالآن العسكر يدوس على دستور بحذائه".