هل يحاكم البرادعي بتهمة "الخيانة"؟ هناك إجماع بين أطياف الثورة المصرية على ذلك، ذلك الرجل الذي لا يشبع من التهزيء، ويعشق لعب دور سياسي لا يجيده، حتى أنه في تسريب شهير كان ينقل عن إبراهيم عيسى أغلب "التويتات" التي كان ينشرها على مواقع التواصل، وفي مجال إدارة وكالة الطاقة النووية الدولية، كان مثل العلكة في فم الأمريكان وإسرائيل، فلم يوجه للكيان الصهيوني يوماً أي ملامة على إنتاج وتصنيع وتملك آلاف الرؤوس النووية الموجهة لصدور العرب والمسلمين، إلا أنه تم الدفع به مرتين، مرة لتدمير العراق وإسقاط صدام حسين، والثانية لتخريب الربيع العربي في مصر وإسقاط الرئيس مرسي، وقد نجح من يحركه في المرتين. يعشق التهزيء! بعد إتمام مهمته لم ينسحب من مشهد الخراب والدمار في مصر، بل وضعته واشنطن في "الفليزر" ليتجمد بعض الوقت مثلما وضع السفيه السيسي حمدين في المكان نفسه، ومنذ أيام تعرض البرداعي لدش تهزيء خلال قيامه بإلقاء ندوة في العاصمة البريطانية "لندن". حيث فاجأته سيدة وعدد من رافضي الانقلاب وقاطعوا كلمته ووصفوه بالقاتل، وهتفت السيدة الغاضبة المؤيدة للشرعية، أمام البرادعي: "قاتل قاتل"، ما دعا الأخير إلى التوقف عن كلمته حتى تدخل المنظمون للندوة. بينما يدافع البرادعي عن نفسه بما تم تلقينه من الخارجية الأمريكية، فيقول: "رتبت القوات المسلحة المصرية كل شيء ثم استدرجت القوى الوطنية من أجل إعلان انقلاب الثالث من يوليو 2013". هذا ما زعمه البرادعي، أول نائب للطرطور بعد الانقلاب، في شهادة من 13 نقطة سماها التوضيح الموجز، واعتبرها مفيدة لسرد بعض المزاعم التي اعتبرها هو حقائق ووضعها في سياق الإفك والتزوير. وجاء في بيانه أن القوى الوطنية فوجئت بإعلان الانقلاب واحتجاز الرئيس محمد مرسي، كاشفا عن حرص جهات "لم يسمها" ربما حتى لا يجرح مشاعرها على استخدام العنف لفض اعتصام رابعة! دليل تناقض الباحث في الشأن المصري توفيق حميد، اعتبر أن ما نقل عن البرادعي دليل على تناقضه، إذ قال آنذاك إن الانقلاب على مرسي تصحيح لمسار الثورة، وهذا مغاير لما يردده الآن، مما يفقد الثقة فيه، متسائلا: إذا كان ما جرى انقلابا فلماذا دعمه؟ وأضاف "أن تداعيات ما قاله البرادعي لن تكون جسيمة، خاصة أنه لا شعبية كبيرة له في الشارع المصري". بدوره قال المحامي والعضو السابق في مجلس الأمة الكويتي ناصر الدويلة إن "الجريمة المروعة التي حصلت في مصر عقب الانقلاب لا يمكن أن تعبر ويجري لفلفتها في كتاب التاريخ". وتابع "أما بيان البرادعي فالنسبة إليه كلام متأخر لشخص شارك في الحكومة الانقلابية على رجل منتخب من الشعب المصري وليس معينا من انقلابيين". وأضاف "مصر وأزمتها الحالية تعني كل العرب، والخروج من هذه الأزمة لا يكون بتبرير الدماء والقتل والاستيلاء على الحكم بالدبابات". وكان للبرادعي دور بارز في انقلاب 3 يوليو، سواء من خلال استغلال علاقاته لتسويقه خارجيا، أو من خلال القبول بأن يكون ديكورا للطرطور عدلي منصور، فضلا عن صمته على كافة المجازر التي تلت الانقلاب، حتى مجزرة رابعة والنهضة يوم 14 أغسطس 2013. الخوف من ثورة جديدة الهجوم على "البرادعي" من جهة مؤيدي الشرعية ورافضي الانقلاب أمر مفهوم، ولكن المفارقة أن يأتي الهجوم من إعلامي العسكر، وهو ما بات يكشف عن حجم الأزمة التي يعيشها السفيه السيسي، فضيق العسكر شمل الجميع حتى أذرعهم القديمة، ولم يعد يقتصر على جماعة الإخوان المسلمين الذين ألقى بقياداتهم وأعضائهم في السجون، والنشطاء الذين رفضوا القوانين التي تمنع التظاهر كما فعل مع قادة 6 إبريل، وحتى صحفيين في قناة الجزيرة، الذين أطلق أحكامه الجائرة ضدهم، وطلاب مثل الإيطالي جوليو ريجيني الذي قتل تحت التعذيب، وسيّاح مثل المكسيكيين الذين طاردهم وقتلهم لأنه اشتبهت أنهم إرهابيون. القمع هذه المرة طال "البرادعي" ومعه بعض الإعلاميين الذين كانوا منتقدين ساخرين للرئيس المنتخب محمد مرسي، مثل باسم يوسف حين جرّب أن ينتقد السيسي، أو حتى أمثال إبراهيم عيسى الذي كان أحد دراويش السفيه السيسي وأكثر خصوم «الإخوان» شراسة، وتوفيق عكاشة صاحب قناة «الفراعين» أحد أكثر أنصار الانقلاب ابتذالا في الهجوم ضد خصومه. إضافة إلى كل هؤلاء فإن الأساليب التي ينتهجها إعلاميو الانقلاب القادرون على البقاء تزيل الحدود بين الإعلامي الذي يحاجج ويقدم التقارير والحوارات ويجمع الأدلة، والأمنيّ المدجج بتسجيلات لا تكون عادة إلا في حوزة أجهزة المخابرات، ويتحوّل البرنامج التلفزيوني، بالنتيجة، إلى أداة مفضوحة لإيصال رسائل أجهزة الأمن «إلى من يهمّه الأمر». لقد أدّى العصيان السياسي والاجتماعي والاقتصادي الكبير، مع تجمع الغضب الشعبي، والحراك الشجاع للقوى السياسية مثل جماعة الإخوان وعشرات آلاف الناشطين، إلى ثورة يناير 2011، وما العصبيّة التي تجتاح جنرالات السفيه السيسي اليوم، سوى مؤشر على تفاقم الأزمة السياسية، وخوف الانقلاب من السقوط وعودة رياح الثورة من جديد؟!