دعا الخديو إسماعيل أباطرة وملوك العالم وقريناتهم لحضور حفل الافتتاح الأسطورى المهيب لقناة السويس، فى مثل هذا اليوم 16 نوفمبر 1869، وكما يقولون ليس اليوم مثل الأمس والمصائب لا تأتي فرادى، فبعد التراجع الحاد في إيرادات السياحة المصرية من العملات الأجنبية، والانخفاض الكبير في قيمة الجنيه، ها هي قناة السويس تتلقى ضربة موجعة بعد أن أصبحت الكثير من سفن الشحن العالمية تتجنب العبور بها وتفضل الدوران حول أفريقيا للوصول إلى أوروبا والأمريكتين. شق القناة كان حلما تاريخيا طالما راود المصريين منذ الفراعنة، أن يتم وصل البحرين الأبيض والأحمر منذ قناة سيزوستريس وصولا لقناة أمير المؤمنين وبعد ضمّ بريطانيا العظمى الهند لمستعمراتها أصبح طريق رأس الرجاء الصالح حكراً عليها وفى 14 نوفمبر 1799 قام المهندس الفرنسى لوبيير بتشكيل لجنة لدراسة منطقة برزخ السويس وبيان إمكانية حفر قناة تصل بين البحرين إلا أن التقرير قطع بتعذر هذا لاختلاف منسوب البحرين.
فى فترة حكم محمد على باشا عرضت الفكرة عليه لكنه فضل إنشاء قناطر على النيل لمنع إهدار ماء النيل في البحر وفى1840 وضع المهندس الفرنسى لينان دى بلفون مشروعاً لشق القناة ودحض الزعم القائل باختلاف منسوبى البحرين، وفى عهد محمد سعيد باشا، وفى 14 يوليو 1854 حصل دليسبس على فرمان بحفر قناة السويس على أن تكون مدة الامتياز 99 عاما من تاريخ فتحها ثم قام دليسبس برفقة لينان دى بلفون بك وموجل بك، كبيرى مهندسى الحكومة المصرية، بزيارة منطقة برزخ السويس فى10يناير 1855وقدما تقريرهما فى20 مارس 1855 والذى أثبت إمكانية تحقيق هذا وتمكن دليسبس بعدها من تأسيس الشركة.
وفى 25 إبريل 1859 ضرب دليسبس بيده أول معول في الأرض إيذاناً ببدء الحفر الذي الذي بدأ فعليا فى30 نوفمبر 1859 وقام الخديو سعيد في 12 إبريل 1861 بزيارة الميناء الذي حمل اسمه فيما بعد وفى أواخر 1861 قام الخديو إسماعيل بزيارة مناطق الحفر بجوار بحيرة التمساح واختار موقع المدينة التي ستنشأ وحملت اسمه لاحقا (الإسماعيلية)، وفى 15 أغسطس ضربت الفأس الأخيرة في حفر القناة والتى عمل بها مليون عامل توفى منهم أثناء الحفر 125 ألف عامل، ثم دعا الخديو إسماعيل أباطرة وملوك العالم وقريناتهم لحضور حفل الافتتاح الأسطورى المهيب، والذى تم في مثل اليوم فى16 نوفمبر 1869.
وظلت القناة تدر عائدا كبيرا على مصر، حتى جاء الانقلاب العسكري واقترح حفر ترعة لضرب مشروع الرئيس المنتخب محمد مرسي، "محور قناة السويس"، وزعم قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي بأن ترعته الجديدة ستدر دخلا عظيما على مصر يتجاوز 100 مليار دولار سنويا، لبيع الوهم للمصريين وشراء شهادات الاستثمار في القناة لجمع 67 مليار جنيه تم ضياعها هباءا منثورا في فشل تفريعة السيسي بعد خسائرها المعلنة.
مشروع الرئيس مرسي
"تنمية محور قناة السويس" الذي طرحه الرئيس المنتخب محمد مرسي تضمن إقامة منطقة تنمية كاملة صناعية وزراعية وتجارية وخدمية وتكنولوجية عرضها بين 7-10 كيلومترات بطول القناة بالكامل (193 كيلومترا) ويهدف إلى جذب المستثمرين من مصر وجميع أنحاء العالم.
واستهدف المشروع إقامة إقليم متكامل اقتصاديا وعمرانيا ومكانيا ولوجستيا، ما بين مينائي شرق التفريعة في الشمال، ومينائي العين السخنة والسويس في الجنوب، ليمثل مركزا عالميا في الخدمات اللوجستية والصناعية، وتركز خطة التطوير هذه على تنمية محافظات القناة الثلاث، وهي الإسماعيلية وبورسعيد والسويس.
ويتكون المشروع المفترض من أربع مراحل: أولها إنشاء محطات الترانزيت التي تختص بتفريغ الحاويات ثم يعاد تصديرها كما هي، وفي المرحلة الثانية يتم إعداد وإنشاء مراكز التوزيع، حيث يتم فيها تفريغ الحاويات البترولية والسيارات في الموانئ المحورية، ويتم توزيعها كما هي، ولكن لأماكن متفرقة.
وفي المرحلة الثالثة تقام على أطراف هذه الموانئ خدمات لوجيستية، وفي المرحلة الرابعة يتم إنشاء مناطق لوجيستية وخدمية، والتي تستوعب الموانئ المحورية على طول خط القناة، لتنتقل إلى المناطق الصناعية واللوجيستية التي تتمركز على أطراف القناة ليعاد تصنيعها وتوزيعها.
وتصل قيمة العائدات التي كانت متوقعة بانتهاء المراحل الأربع إلى مئة مليار دولار، وهو نفس الرقم الذي روج مؤيدو السيسي إلى تحقيقه بعد إنشاء التفريعة الجديدة.
تأكيد فشل السيسي
وأثبتت الأيام فشل مشروع ترعة قناة السويس الجديدة التي تم افتتاحها في شهر أغسطس الماضي، وروج لها نظام قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي باعتباره أحد أهم المشروعات في تاريخ البشرية، وبأنه سينقل الاقتصاد المصري إلى آفاق أرحب، لكن الأيام أثبتت أن إيرادات القناة لن تزيد، بل قد تتراجع بشكل كبير عما هي عليه الآن.
وكانت حكومة السيسي قد أنفقت نحو 8 مليارات دولار (أي ما يزيد عن 70 مليار جنيه مصري) في حفر تفريعة جديدة لقناة السويس حتى تعمل في الاتجاهين لتخفيض وقت انتظار السفن الذي كان يتراوح بين سبع وثماني ساعات قبل عبور الممر الملاحي.
وقال السيسي في أكثر من مناسبة إن هذا المشروع العملاق الجديد يمثل هدية من مصر للعالم، مؤكدا أن شق التفريعة الجديدة سيؤدي إلى زيادة هائلة في إيرادات قناة السويس.
وياتي فشل مشروع تفريعة الانقلاب ليؤكد أنه ليس المهم الإنجازات عند العسكر، وليس المهم حتى وجود رؤية أقتصادية أو تنموية وليس فى الأجندة مايسمى بالبناء، فلس هذا هو هدف الانقلاب، المهم هو تسويق الوهم وتمرير الخدعة وسط السذج والبسطاء والمخدوعين والموهومين بأن السيسى وأنقلابه جاء ليحمى مصر وشعبها، ويحنو على الغلابة ويحميهم من تقلبات الثورات، ويكفيهم شر القتال ويغرقهم فى النعم والنعيم والمتع والرفاهية.. وقناة السويس!.