يبدو ان أتباع عبد الفتاح السيسي حمائم الاستقرار هم اول من يصيبهم قائدهم برصاص قرارته التي تخصم من قدرتهم على استكمال الحياة ، وفي أول رد فعل منه على مظاهرات "11/11"، التي حملت شعار "ثورة الغلابة"، شدد قائد الانقلاب على أهمية الانتهاء خلال شهر من تنقية قوائم الحاصلين على بطاقات التموين بشكل كامل ونهائي؛ بزعم ضمان وصول الدعم إلى مستحقيه. وكان رئيس وزراء الانقلاب، شريف إسماعيل، صرح بأن الشعب المصري اختار الاستقرار والبناء والإصلاح، ورفض أي دعوات تخالف ذلك، وفق قوله.
وزعم أن "اهتمامات الحكومة الأساسية الآن تقوم على توفير احتياجات المواطنين من السلع الغذائية الأساسية"، كاشفا عن "العمل على استمرار تنقية بطاقات التموين؛ حتى يصل الدعم لمستحقيه، وأن تتم زيادته للمستحقين"، وهو ما يعني عمليا تقليل مخصصات الدعم للطبقات الكادحة، وفق مراقبين.
حذف مليون مواطن
وكان وزير التموين والتجارة الداخلية في حكومة الانقلاب ، اللواء محمد على مصيلحي، فجر مفاجأة في اجتماعه بلجنة الشؤون الاقتصادية بمجلس نواب ما بعد الانقلاب، وقال أن هناك خطة للتحول إلى الدعم النقدي، وأن هذه الخطة ستمثل المرحلة الثالثة من مراحل تنقية البطاقات التموينية من أجل إيصال الدعم لمستحقيه الفعليين، بحسب زعمه.
وتفاخر الوزير بأنه تمت زيادة المخصصات التموينية لكل فرد على البطاقة التموينية للأسرة إلى 21 جنيها بدلا من 18، على أن يتم تطبيقها مع شهر ديسمبر المقبل، وهو المبلغ الذي أثار استياء وسخرية غالبية المصريين.
لكن الوزير دافع عن هذه الزيادة بقوله إنها تكلف الخزانة العامة للدولة ما قيمته خمسة مليارات جنيه سنويا.
وأضاف مصيلحي أن الوزارة في طريقها لتنقية البطاقات التموينية، وأن المرحلة الأولى سيتم تطبيقها خلال أيام، وستشهد حذف ما يزيد عن مليون مواطن من البطاقة التموينية للأسرة، ثم سيتم بعدها البدء في تطبيق المرحلة الثانية، بوضع عدة معايير وضوابط للأشخاص المستحقين للدعم، ثم المرحلة الثالثة، وهي التحول للدعم النقدي.
وصية السيسي !
ونشرت صحيفة "البايس" الإسبانية تقريرا، تحدثت فيه عن الانخفاض الحاد في قيمة العملة وخفض الدعم على المواد الأساسية، وهي إجراءات أثارت غضب السكان في بلاد الفراعنة، وأصبحت تهدد بتجديد الاحتجاجات الاجتماعية، التي لم يهدأ لها ساكن في هذا القطر المضطرب.
وقالت الصحيفة، في تقريرها إن مخططات التقشف التي أطلقها المشير عبد الفتاح السيسي تضر بالسكان بدرجة أولى، وتثقل كاهلهم. كما أن خفض الحكومة للدعم عن البنزين والكهرباء أدى إلى ارتفاع أسعار هذه السلع بحوالي 50 في المئة في بعض الحالات.
وعلاوة على ذلك، استجابت حكومة السيسي لشروط صندوق النقد الدولي الصارمة، وقامت بخفض قيمة الجنية، كما رفعت من قيمة الضريبة على القيمة المضافة بزيادة تقدر بحوالي 13 في المئة.
صوت الغلاء
ونقلت الصحيفة قول علاء، أحد ساكني ضواحي القاهرة، بأنه "في الأحياء الشعبية، لا يتحدث السكان إلا عن غلاء المعيشة، كما أن أسعار المواد الأساسية ترتفع يوميا، وأحيانا في غضون ساعات. أصبح السكان في مواجهة لهذه التدابير الجديدة، دون معرفة كيفية التأقلم معها".
الصحيفة أشارت إلى أن "علاء" يقطن أحد أحياء ضواحي القاهرة غير المعبدة، والمغطاة بالقمامة. كما أنه في هذه الضواحي الفقيرة المتاخمة للعاصمة، تسببت سياسة التقشف التي يفرضها المشير السيسي في زيادة القلق بين صفوف السكان، كما كانت لها مخلفات سلبية على الطبقة الفقيرة.
وأوردت الصحيفة أن الضوابط الصارمة على رؤوس الأموال، التي فرضتها حكومة الانقلاب في الأشهر الماضية، أصبحت تعيق شركات استيراد المنتجات الغذائية، كما أن انخفاض قيمة الجنيه مقابل الدولار، ونقص العملة الأجنبية، زادا من حدة الأزمة الاقتصادية في مصر.
وتعليقا على هذه الأزمة وتداعياتها، قال المحلل الاقتصادي، ديفيد أمبوديا، إن "الانخفاض في الاستثمار الأجنبي، وعدم وجود دخل من السياحة ومن قناة السويس، اضطر الحكومة إلى خفض قيمة الجنيه؛ من أجل التصدي إلى نقص الدولار".
وأضافت الصحيفة أنه منذ الانقلاب الذي جاء بالمشير السيسي إلى الحكم، توالت الصدمات على الشعب المصري؛ ففي الوقت الذي ما زال فيه الشعب متأثرا بصدمة الانقلاب، استفاق المصريون على خبر آخر محزن مفاده أن الدولة ستسحب دعمها عن الوقود؛ ما ترتب عليه زيادة في أسعار مختلف أنواع هذه المادة بقيمة تتراوح بين 35 و47 بالمئة.
غرق طبقة الفقراء
وبينت الصحيفة أنه في بلد يستورد معظم المواد الأساسية، فإن سياسات تعويم العملة والتخفيضات على الدعم على نحو متزايد، تهدد بغرق الطبقات الشعبية في الفقر في هذا البلد، الذي يعيش فيه أكثر من 40 بالمئة من السكان على أقل من دولارين في اليوم.
وبينت الصحيفة أن فقدان القدرة الشرائية أصبح منتشرا بين جميع الطبقات الاجتماعية، وهو ما أكدته الاحتجاجات الأخيرة لطلاب الجامعة الأمريكية في القاهرة؛ بسبب ارتفاع أسعار التسجيل في هذه الجامعة المرموقة.
ونقلت الصحيفة عن ميكائيل، أحد السكان، والذي ينتمي إلى الطبقة الوسطى في مصر، قوله إن "راتبه هو نفسه، لكن قدرته الشرائية انخفضت إلى النصف؛ لذلك أصبح من الضروري البحث عن مصادر جديدة للدخل، أو محاولة مغادرة البلاد".
وأوردت الصحيفة أن العديد من المحللين يحذرون من توترات اجتماعية جديدة تتسبب فيها سياسة التقشف في هذه البلاد، التي لها تاريخ في الاحتجاجات، مثل "انتفاضة الخبز" عام 1977، في عهد الرئيس أنور السادات.
وفي هذا السياق، قال علاء إن "الشعب المصري تعب من هذه الحالة، وأصبح خائفا جدا، كما أن وزارة الداخلية أصبح لها نفوذ أكثر من قبل، وباتت أشد قسوة؛ لذلك أصبح من الصعب الخروج إلى الشوارع والتظاهر".
وفي الختام، قالت الصحيفة إنه من المتوقع أن تكون الأشهر القادمة صعبة للغاية في بلاد الفراعنة؛ لأنه من المنتظر أن يرتفع التضخم الاقتصادي إلى أكثر من 20 بالمئة، في حين أن نسبته بلغت الشهر الماضي 15 بالمئة.