أكد الكاتب الصحفي فهمي هويدي، أنه في ظل الفراغ المخيم على المنطقة العربية يعاد رسم خرائط العالم العربى هذه الأيام تحت أعين الجميع، بجرأة منقطعة النظير، محملا الذين عملوا على إجهاض الربيع العربى حين سعوا إلى قتل الحلم، مسئولية تدمير الأراضي العربية، حينما استبدلوا هذا الربيع بالفراغ الذى تمدد فيه كل من هب ودب. وقال هويدي -خلال مقاله بصحيفة "الشروق" مساء أمس الاثنين- إن إيران تمددت بنفوذها وقواتها العسكرية وخبرائها بحيث صارت أمرا واقعا وجزءا من المعادلة السياسية فى سورياوالعراق واليمن إضافة إلى لبنان، موضحا أن الحاصل فى سوريا ومعركة الموصل كشفا عن التعارض الواضح بين سياسات تركياوإيران، إذ تقف إيران متحالفة مع روسيا إلى جانب نظام الأسد، فى حين تقف تركيا ضده، أما فى معركة الموصل الراهنة فهى تعارض اشتراك الحشد الشعبى المدعوم إيرانيا فى تحرير المدينة من سيطرة داعش حفاظا على تركيبتها السكانية، كى لا تفرغ المدينة من سكانها السنة كما حدث فى تكريت والفلوجة. يأتي ذلك في الوقت الذي قال فيه قائد الحشد الشعبى على الملأ إن قواته ذاهبة إلى الموصل للانتقام من قتلة الحسين، لتصبح العراق تحت السيطرة الإيرانية ويعاد تشكيله من جديد جغرافيا وعرقيا ومذهبيا. وهو ما يحدث الآن بدرجات متفاوتة فى سوريا وفى اليمن، وبعد ترشيح الجنرال عون المؤيد من حزب الله لرئاسة لبنان فإن ذلك يصب فى صالح النفوذ الإيرانى الذى لم يعد ممكنا تجاهله هناك. وأشار هويدي إلى أن النفوذ الإيراني وصل ارسم خرائط المنطقة، الأمر الذى فرض لها مكانا فى المؤتمرات الدولية التى تعقد لذلك الغرض، حتى أنه حين رتب أمر مؤتمر بحث مستقبل سوريا فى لوزان أخيرا «منتصف أكتوبر» فإن إيران هى التى اقترحت على الولاياتالمتحدة إشراك مصر فيه، وذكرت صحيفة الجارديان البريطانية أن وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف نقل الطلب إلى وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى. وقال إن الفراغ الحاصل فتح شهية الأكراد لتحقيق حلم دولتهم بعدما مزقتهم اتفاقية سايكس بيكو فى أعقاب الحرب العالمية الأولى، وإذا كان إقليم كردستان العراق قد صار مهيأ للاستقلال الآن، فإن الفوضى التى ضربت الدولة السورية شجعت أكرادها على إعلان النظام الاتحادى فى إقليم الجزيرة الذى يمثل ثلث الأراضى السورية ويقع شمالى البلاد «يضم ثلاث محافظات هى الرقة ودير الزور والحسكة» وإلى جانب إعدادهم لدستور الدولة الفيدرالية التى يتطلعون إليها، فإنهم شكلوا بدعم أمريكى فصيلا عسكريا باسم قوات سوريا الديمقراطية. وقال هويدي إن تطلعات إقامة الدولية الكردية صارت لها شواهدها على أرض الواقع، ولأن الكتلة السكانية الأكبر من الأكراد فى المنطقة تقيم فى تركيا «عددهم نحو 14 مليونا» فإن الأجواء المحيطة رفعت من معنويات حزب العمال الكردستانى الذى يتعلق بذلك الأمل ويحارب لأجله منذ أكثر من أربعين عاما، الأمر الذى كان له صداه لدى الحكومة التركية، خصوصا أن نشاط الأكراد السوريين يتم متاخما لحدودها الجنوبية، وفى هذه الحالة فإن الحدود الجديدة لن ترسم بغير الدماء الأمر الذى يطلق شرارات فوضى لا يعلم حدودها إلا الله. وأضاف أن الإيرانيين توسعوا أفقيا فى العالم العربى والروس توسعوا رأسيا فى سوريا، وتحت بصر العالم العربى أطلق العنان للطرفين فمارس الإيرانيون كل ما بدا لهم فى ساحات القتال والحسينيات التى انتشرت فى قلب المجتمع ذى الأغلبية السنية، وجربت روسيا أسلحتها الجديدة وعززت قواعدها البحرية والبرية ولم تتردد فى تدمير مدينة مثل حلب وسحق أهلها والمقاومين فيها بغير شفقة ولا رحمة وسط صمت العرب، قائلا: " ومن المفارقات المحزنة أنه فى حين كان الروس يواصلون تدمير حلب فإن قواتهم كانت تجرى مناورات على «مقاومة الإرهاب» فى الصحارى المصرية، وفى الوقت ذاته صادرت الحكومة البريطانية أموال بعض المؤسسات الروسية فى بنوكها عقابا لها على ما فعلته فى حلب. كما أشار للمخطط الإسرائيلي فى إحياء مشروع سكة حديد الحجاز الذى بدأه السلطان عبدالحميد قبل 111 عاما ثم أجضهته بريطانيا، إذ أعلن فى إسرائيل عن مشروع لتطوير السكة الحديد والإعداد لربطها بالمحيط الإقليمى، وبمقتضاها سيتم ربط ميناء حيفا بجسر الشيخ حسين فى الأغوار الشمالية ثم يواصل مسيره إلى الأردن حيث مدينة إربد لينتهى إلى العاصمة عمان. وقيل إن الهدف من ذلك هو خدمة سكان المنطقة، إلا أن أهدافه البعيدة ليست خافية حيث ما عاد سرا أن العودة إلى إحياء خط الحجاز هى مدخل محتمل للدبلوماسية الإسرائيلية إلى شبه الجزيرة العربية، خصوصا بعدما لاحت فى الأفق نذر التطبيع وشواهده.