مع تصاعد الأزمات وانهيار الوضع الاقتصادي في ظل التميز الذي يمارسه النظام بين فئات (الجيش والشرطة والقضاء) وبقية أفراد الشعب موظفين وعمال وأصحاب مهن أخرى، أخذت وبشكل مطرد حملات العصيان المدني في التزايد، بحملات اقتصادية ووقفات نقابية ومهنية، باعتبارها إحدى وسائل المقاومة الشعبية اللاعنفية، احتجاجًا على تردي أحوال المعيشة، أو استهداف فئات بعينها كانت تحظى في السابق بمكانة اجتماعية تم الانتقاص منها. ويدعو نشطاء إلى دعم العصيان المدني في إطار موجة ثورية جديدة "ثورة الغلابة في 11/ 11"، باعتباره أحد الحلول الممكنة التي تساعد الشعب المصري في التخلص من الانقلاب وعصابة العسكر، مؤكدين أن الشعب ما زال بإمكانه القيام بأدوار، ولكن عليه أن يختبر قوته من خلال محاولة إنجاح عملية العصيان المدني في أحد مظاهره أو أحد تجلياته.
ويعتبر نشطاء أن العصيان المدني؛ عمل سلمي مدني يطبق لإحداث تغيير في القانون، ويعني أيضا رفض الخنوع أمام نظام أو قانون جائر أو لائحة تجبر يعد في عين من ينتقده ظالم.
ويرون أن العصيان المدني هو تطور جماعي لإضراب مهن بعينها عن العمل فتنجح وتتطور لتشمل جميع فئات الشعب الذين يعيشون في ظروف غير إنسانية حتى يدخل الجميع فيه.
حملة "مش دافع"
ومن أبرز الحملات التي خرجت من كونها حملة إلكترونية عبر هاشتاج معين إلى حملة فعلية ينتج عنها إجرءات موجعة كوقفات احتجاجية ومنها حملة "خد حقك" في يناير الماضي، و"مش هنشحن" خلال سبتمبر الماضي و"قوم هات حقك" إضافة للحملة المتجددة من بداية الانقلاب إلى الآن "بلاها لحمة".
وفي 3 سبتمبر الماضي أطلق "المجلس الثوري المصري" حملة بعنوان "مش دافع" كخطوة أولي للعصيان المدني، دعا فيها إلى الامتناع عن دفع الفواتير في البلاد، مؤكداً أنه "لم يعد أمامنا سوى طريقين، إما المقاومة الشعبية السلمية ضد السلطة العسكرية، أو الاستكانة والاستسلام حتى يفقد الشعب كل مقومات الحياة".
وأضاف المجلس أنه "يوجه الدعوة والنداء لشعب مصر الحر، للقيام بكافة الإجراءات والوسائل المتاحة، للتمهيد وتنفيذ العصيان المدني على مراحل، من أجل تقويض وشل النظام في خطوة أولى لتحرير مصر"، على أن يكشف عن خطوات تالية لاحقا.
وقالت مها عزام رئيسة المجلس، إن "الوضع يزداد سوءا يوما بعد يوم، والحالة الأمنية والاقتصادية والعسكرية في مصر بخطر، الشعب يزداد فقرا وتعذيبا، فيما النظام في نعيم ورفاهية، هو والنخبة الفاسدة التي حوله".
وكشفت أن "الخطوة الأولى (بالعصيان) هي عدم دفع الفواتير، والمراحل التالية ستكون مقاطعة كل انتاجات الجيش، ورجال الأعمال الفاسدين، وبعدها عدم دفع الضرائب".
عصيان مبكر
وفي يونيو 2015، دعت حركة 6 أبريل إلى تنظيم عصيان مدني، مما دعا الجهات الأمنية إلى شن حملة اعتقالات موصعة بشأن أعضاء الحركة، وعن تلك الحملة اعتبر القيادي طارق الزمر بحزب البناء والتنمية إن "دعوة 6 إبريل للعصيان المدني نجحت قبل أن تبدأ"، موضحا أن "الاعتقالات الموسعة والاستنفار الأمني، يعتبر شهادة نجاح لدعوة 6 إبريل للعصيان المدني".
وفي 27 أغسطس الماضي، دعت الصفحة الرسمية للحرة ولحركات أخرى مناهضة للإنقلاب للمشاركة في حملة بعنوان "مش دافعين"، في إشارة متكررة للتصدي لغلاء الأسعار.
إضراب الأطباء
وأعلن الأطباء عن أنفسهم بتنظيمهم اضرابا ناجحا وجمعية عمومية قوية كانت نموذج مصغر لما يمكن أن يقوم به العصيان المدني لو استمر لفترة، ففي 12 فبراير الماضي، شهدت دار الحكمه ملحمة قادها أطباء وطبيبات مصر، في جمعية عمومية قوية، استدعت بسببها الشرطة تواجدا أمنيا مكثفا أمام دار الحكمة تزامنا مع دعوة النقابة العامة لجمعية عمومية طارئة اليوم، وأخلت شارع القصر العيني ومنحت الموظفين إجازة في هذا اليوم، ودبرت بعدها أحداث الدرب الأحمر للتغطية على الرد القوي من الأطباء على تجاوزات الشرطة في حقهم (المطرية نموذجا)، فضلا عن الأكاذيب التي يرددها الإنقلاب وحكومته بشأن الكادر الوظيفي.
وأطلق الأطباء ورافضو حكم العسكر هاشتاج (#إدعم_إضراب_الأطباء) لمساندة الأطباء، إلا أن الإضراب الجزئي الذي كانوا يعدون له أفشله القائمون على النقابة ب"تسقيع" الغضب الكامن لدى الأطباء.
الخدمة المدنية
كما كانت وقفة الموظفين سببا في عدم موافقة "برلمان" العسكر على قانون الخدمة المدنية، وإحداث الهجمة الالتفافية مرة ثانية لتطبيقه بعدما انطفأت جذوة الغضب ضد القانون.
ففي 10 أغسطس 2015، نظم موظفون في مؤسسات حكومية مختلفة في مصر، وقفة أمام نقابة الصحفيين بوسط القاهرة للمطالبة بإلغاء قانون العاملين بالخدمة المدنية الذي صدر في مارس 2015.
وقدم الموظفون من محافظات عدة للمشاركة في التظاهرة فئات من الموظفين من مؤسسات ودوائر الضرائب العامة والضرائب على المبيعات والجمارك والإداريين في وزارة التربية والتعليم وهيئة النقل العام والآثاريين.
ورغم إفشال الانقلاب لتحركهم، فإن المراقبين اعتبروا حركة الموظفين تعد الأولى من نوعها منذ 3 يوليو.
وكان أهم ما لفت أنظار الموظفين ودعاهم للإضراب في هذا اليوم؛ استثناء بعض المؤسسات من القانون كالجيش والشرطة والقضاء، رغم سلسلة الترقيات والزيادات المالية التي طالتهم مؤخرًا!.
حركة عصيان
وفي يناير الماضي، أصدرت حركة "عصيان" بيانا صحفيا عبر صفحتها الرسمية على "فيسبوك"، قالت: "غبنا عنكم كثيرا ولكن لكثرة الاعتقالات في صفوف حركتنا بعد فعاليات الحركة المؤثرة على الانقلاب.. لكننا ما زلنا موجودين في الميادين ندافع عن حقوق هذا الشعب وعن إرادته".
واختتمت الحركة تصريحها قائلة، تعلن حركة عصيان أن ما يحدث الآن في مصر هو عصيان مدني كامل بكل معانيه ووسائله و أن علي الانقلاب المصري الرضوخ لمطالب هذا العصيان والتراجع للوراء".