تزوجت "مها" من فتى أحلامها، ولم يكد تمر 4 شهور إلا واختطفته تلك الأيدي الغليظة التي لا تعرف الرحمة من بين أيديها، لتكمل "شهور العسل" بين الزيارات وانتظار "الفرج". فلم تكد تفرح بزواجها من نصفها الآخر "عبدالله إبراهيم سعيد البرناوي"، وكانت تمني نفسها بقضاء أوقات سعيدة بين "الفسح" والزيارات المتبادلة مع الأهل والأصدقاء.. إلى أن تحولت حياتها إلى إحدى قصص المعاناة التي تدور حلقاتها على أرض مصر منذ وقوع الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013. "الحرية والعدالة" التقت العروس في بيتها الذي أراد الانقلابيون أن يسرقوا منه الفرحة، إلا أنها أبت ذلك.. واستقبلتنا، وهي تحتضن مولودها "عبيدة", الذي لم يتجاوز عمره عدة أيام، تعرفنا به من خلال بطاقة تهنئة مصحوبة بمصحف "هدية" من الدكتور محمد بديع المرشد العام للإخوان المسلمين, أعطاه إياها, خلال جلسة العرض بالمحكمة؛ ليهون عليها بعضا من الآلام التي أصابتها نتيجة اعتقال زوجها. وتبدأ "أم عبيدة" في توضيح بعض التفاصيل عن زوجها وكيفية اعتقاله قائلة: "عبدالله يعمل مراقب جودة فى أحد مصانع الكرتون بحي العبور, اعتقل يوم 6 نوفمبر 2015م, من مطار القاهرة خلال سفره للعمل بالسعودية, حيث احتجز بمكتب الأمن الوطنى بالمطار, ثم عرض على الأمن الوطنى بمدينة نصر, ومنها إلى نيابة أمن الدولة التي أمرت بترحيله إلى معسكر الأمن المركزى ببنها, ليعرض مجددا على النيابة العسكرية بالحى العاشر بمدينة نصر". وتضيف: "أخبرني أخي بتلقيه اتصالا يفيد بأن زوجي محتجز بمطار القاهرة, حاول تهدئتي زاعما بأن سبب الاحتجاز عدم استيفاء إجراءات السفر, خمسة شهور قضيناها فى تلك الظروف, بلا رؤية له أو اطمئنان على صحته, إلى أن تم ترحيله من المعسكر إلى سجن بنها العمومي, حتى صدر قرار بترحيل كل معتقل إلى قسم الشرطة التابع له، ومن ثم من المفترض أن ينقل زوجي لمركز شبين القناطر ولكن هذا لم يحدث, على الرغم من أن جميع المعتقلين معه بالقضية تم ترحيلهم إلى قسم شرطة "الخانكة" التابعين له. وتشرح "مها" بعض صور المعاناة التي يواجهها زوجها بالمعتقل، التي تعانيها الأسرة أيضا قائلة: "وجهت النيابة العامة عدة اتهامات ملفقة لزوجي، وتمت معاملته بطريقة سيئة للغاية، حيث منع رجال الأمن بمعسكر بنها الأهالي من الدخول للزيارة, ولا تسمح المحكمة العسكرية بالحي العاشر بدخولنا القاعة لمتابعة جلسات القضية، وفقدنا التواصل الكامل, حتى إننا كنا نسلم الزيارة للعساكر المتواجدين أمام البوابة ونكتفي بإخبارنا بأن الزيارة قد وصلت. "التكدير" الانفرادي وحول التعذيب الذي تعرض له "عبدالله" في المعتقل تقول أم عبيدة: "في سجن بنها تم إيداع زوجي حجرة مظلمة, لا يوجد بها فرش أو كهرباء, حتى سمحت له الإدارة بالخروج من الحبس الانفرادي والدخول لغرفة حجز أخرى تضم عددا من المعتقلين السياسين والجنائيين". ولا يمكن أن نتخطى مرحلة "الانفرادي" إلا بعد أن نتعرف على بعض تفاصيل الاحتجاز فيها، وهو ما شرحته لنا "مها" قائلة: في الحبس الانفرادى كانت حملات التكدير كثيرة متوالية, يتناوب عدد من الجنود وأمناء الشرطة مداهمة غرف المعتقلين بدعوى التفتيش، حيث يجردون المعتقل من كل متعلقاته، كما يتم التفتيش بطريقة همجية، نتج عنها إصابة زوجي بتشنجات عصبية, بدأت معه بمعسكر بنها ولا يزال يعاني منها حتى الآن. وحول تضييقات الزيارة تقول "أم عبدالرحمن": لا تتعدى مدة الزيارة 5 دقائق, وتتم من وراء السلك, وقبل الزيارة يتكدس الزوار أمام مقر الاحتجاز، ويتعامل معنا أفراد الأمن بشكل سيئ جدا؛ حيث الدخول بالواسطة, لا طابور ولا أسبقية حضور, سباب وتدخين وبلطجة ورشاوى. ومن أمام الباب الرئيس يتم تقسيمنا إلى فريقين, زوار السجن القديم وزوار السجن الجديد, لتبدأ مرحلة تسجيل الأسماء؛ كنت أسجل اسمي أمام بوابه السجن الجديد بانتظار الدخول, وكانت الملابس تفتش قطعة قطعة, وفي بعض الأحيان كانوا يقتطعون من الطعام لأنفسهم. وتقول: "كنت أتحمل ألم السفر إلى المحكمة وأنا حامل فى الشهور الأولى؛ طمعا في أن أسمع صوته من سيارة الترحيلات, قد يراني وهو بداخلها ويفرح, حتى اتصل بي أحد المحامين يعلمني بنقل جلسات المحاكمة إلى "الهايكستب" بطريق السويس، بكيت وأنا في الطريق من شدة فرحتي برؤيته وحضور جلسات محاكمته. وحول معاملة الجنائيين بمعسكر بنها تقول "أم عبيدة": "يتعاملون مع السياسيين بمنتهى الاستغلال؛ حيث يفرضون عليهم إتاوة يومية تقدر ب40 جنيها، فضلاً عن "تقليبهم" أي سرقة ملابسهم، كما أنهم يتعاطون المخدرات كما نشرب الماء، ويصل عدد المحتجزين بالغرفة إلى 70 فردا، أما عن السياسيين بالداخل فهم 4 فقط يعانون من دخان السجاير، ومن المخدرات، والمشاجرات ربما بشكل يعادل التأثير السلبي لحرمانهم من الحرية".