علق الكاتب الصحفي فهمي هويدي على رفض لاعب «الجودو» المصرى إسلام الشهابى مصافحة خصمه الإسرائيلى فى أوليمبياد ريو، بأنه لفت الانتباه إلى حقيقة مشاعر المواطن المصرى العادى الذى لم يشوه ولم ينس. وإذا كان الإسرائيلى هزمه فى المباراة، فإن اللاعب المصرى انتصر أخلاقيا. واستحق الميدالية الذهبية من الضمير العربى الذى لم يمت، في الوقت الذي تزامن مع مشاركة اثنين من الفنانين المصريين (هما خالد النبوى ونسمة درويش) فى فيلم أمريكى باسم «الطاغية»، مع أحد الممثلين الإسرائيليين. وأشار هويدي خلال مقاله بصحيفة "الشروق" اليوم الثلاثاء، إلى بيان المثقفين الخليجيين الذى حمل عنوان «سعوديون ضد التطبيع»، ودعا الدول الخليجية إلى الالتزام بمقاطعة إسرائيل، بعد الزيارة التى قام بها وفد سعودى لإسرائيل واجتماع أعضائه مع بعض المسئولين فى القدس، فضلا عن أن الاتحاد الدولى لكرة القدم (فيفا) ألغى هذا الأسبوع اتفاقا مع ماليزيا عقده عام 2013 لاستضافة مؤتمر دولى فى العاصمة «كوالالمبور» فى العام المقبل (2017). وكانت إسرائيل قد تقدمت بشكوى للفيفا اتهمت فيها ماليزيا بالتعنت فى منح تأشيرات الدخول للإسرائيليين، كما أنها ترفض رفع العلم الإسرائيلى فى المؤتمرات الدولية.
وفى تعليق رئيس الوزراء الماليزى أحمد زاهد حميدى على ذلك، قال إن استضافة وفد إس رائيلى فى ماليزيا يجرح مشاعر الشعب الماليزى المتعاطف مع القضية الفلسطينية. وفى التقرير الذى بثته حول الموضوع وكالة الأناضول للأنباء فى 13/8 أن فريق «الشباب» الإسرائيلى للتزلج الشراعى اضطر للانسحاب من المسابقة الدولية التى نظمت فى ماليزيا خلال شهر ديسمبر 2015، بسبب رفض السلطات منحهم تأشيرات للدخول.
وتابع: "لى تجارب تذكر فى هذا السياق. منها أننى حين كنت أعمل بجريدة «الأهرام» ذهبت إلى مدير قسم المعلومات ذات صباح، وألقيت عليه التحية وصافحته هو وضيفا كان معه. وحين تعارفنا ذكر أن الضيف هو الملحق الثقافى بالسفارة الإسرائيلية بالقاهرة وهو ما فوجئت به، فقلت للرجل إننى لو علمت بذلك لما صافحته وأعتبر أن ما فعلته كان خطأ تمنيت ألا أقع فيه. فوجئ الملحق الإسرائيلى بما قلت فابيض وجهه وتصبب عرقا ثم جلس دون أن ينطق (علمت بعد ذلك أنه نقل القصة إلى جهاز أمن الدولة ووزارة الخارجية المصرية). حدث شىء من ذلك القبيل حين رفضت المشاركة فى الوفد الذى رشح للحوار مع الرئيس الأمريكى باراك أوباما أثناء زياته الشهيرة للقاهرة. وقبل ذلك قاطعت مؤتمرا حواريا فى مدريد بعد وصولى إلى العاصمة الإسبانية، حين فوجئت بأن شمعون بيريز على رأس وفد إسرائيلى (كان وزيرا للخارجية آنذاك).
وقال هويدي إن ملف التطبيع بات يحتاج إلى حديث صريح. أولا لأن المصطلح صار فضفاضا بحيث لم يعد التطبيع موقفا واضحا ولا محسوما، ولكنه صار موضوعا للاجتهاد يحتمل تعدد وجهات النظر، في الوقت الذي نجد الدول العربية تجاوزت فكرة المقاطعة بعد المصالحات التى عقدتها مصر والأردن، فذهبت إلى أبعد فى التعامل مع إسرائيل أمنيا وسياسيا واقتصاديا، خاصة وأن رياح التطبيع صارت قوية هذا العام الذى طرحت فيه فكرة «السلام الدافئ» مع إسرائيل بديلا عن السلام البارد الذى ظل مخيما منذ عام 1979 (تاريخ معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل).
وأضاف أن الموقف الإسرائيلى الأساسى لم يتغير، بل إن السلطة ازدادت تمكينا وشراسة وجرأة فى سعيها للتمدد والاستيطان وقهر الفلسطينيين وحصارهم. كما أن المجتمع ازداد يمينية وعداء للفلسطينيين والعرب. وهو ما تشهد به فتاوى الحاخامات وجرائم المستوطنين وتزايد معدلات حضور الأحزاب الدينية الموغلة فى التطرف فى الحكومة والبرلمان (الكنيست). وفى حين أن الطرف الإسرائيلى ازداد استعلاء واستكبارا، فإن الطرف العربى ازداد تشرذما ووهنا. وهو ما تجلّى فى جوانب عدة كان بينها الموقف من المقاومة ومن التطبيع.
واختتم هويدي مقاله قائلا: " لا مفر من الاعتراف بأن توقيع السادات لمعاهدة السلام مع إسرائيل فى عام 1979 حقق ثلاث نتائج غاية فى الخطورة فى مسيرة الصراع، الأولى: أنه أخرج مصر من قيادة الصف العربى. الثانية: أنه فتح الباب لإضعاف فكرة التحرير لصالح التمهيد للتطبيع. الثالثة أنه حول السلام من رسالة نضالية إلى عملية تفاوضية وهمية بلا هدف أو أجل، ولا ننسى أن السادات الذى وقع اتفاقية «السلام» مع إسرائيل هو من قال أكثر من مرة إن 99٪ من أوراق اللعبة فى يد أمريكا. إذا صح ذلك فهو يعنى أن التحرير الحقيقى لفلسطين لن يتم إلا بتحرير الإرادة العربية من النفوذ الغربى. وذلك يسلط الضوء على الأهمية البالغة لاستعادة الديمقراطية فى العالم العربى، كما أنه يفسر الاحتشاد الذى تم بين عناصر الثورة المضادة وبين القوى الرجعية للانقضاض على الربيع العربى والعمل على إفشاله وكانت نتائج ذلك الانقضاض واضحة فى دفع حركة التطبيع، حتى اعتبر بعض الحاخامات أن ما جرى كان معجزة إلهية أرسلتها المقادير لإسرائيل".