يضع الاقتصاديون عدة تعريفات لحالة الاقتصاد المصري ولكنها جميعًا لا تخرج عن التصنيفات السلبية له سواء كانت (نكسة اقتصادية) أم (انهيارًا) أم (سقوطًا) أو (انحدارًا)، ومع الذكرى الثانية لاستيلائه رسميًا على السلطة، والأولى لسرقته طموح "شعب" اختاره، ومنحه 64 مليار جنيه، وصدق كذبته قبل عام من أن المشروع استرد 20 مليار جنيه قيمة الحفر فقط من اليوم الأول لتدشينه. ومن أطرف علامات "نكسة 2016"، أنا أحد أطرافها الرئيسيين المصرفي طارق عامر ابن شقيق عبد الحكيم عامر مساعد عبد الناصر بطل "نكسة 1967"، غير أن الأخير فبرك تنحيًا يرفضه "شعب" كفلق الشبه مع "شعب" الانقلاب، والمستعد للخروج للميادين رافضًا تنحي النحنوح!.
وفي أحدث الأرقام، سجل سعر الدولار اليوم الجمعة، ارتفاعًا طفيفًا في السوق السوداء 12.75 جنيهًا للبيع، بينما وصل سعر البيع ل12.90 جنيهًا، وسط ندرة في المعروض تجتاح الأسواق بعدما كثفت مباحث الأموال العامة حملاتها على شركات الصرافة لظبط المتلاعبين بسعر الدولار في السوق السوداء.
وقال متعاملون في السوق السوداء: إن سعر الدولار الحالي يعتبر أقل من قيمته الحقيقة التى قد تتجاوز ال13 جنيهًا ونصف، مشيرًا إلى أن كافة المضاربين ينتظرون انتهاء الحملات الأمنية لإعادة المضاربة على الورقة الخضراء.
وتوقع متعاملون، ارتفاع الدولار خلال الساعات القليلة المقبلة بنحو 5 قروش، بالتزامن مع زيادة الطلب ونقص المعروض.
نيران صديقة
ومن أقرب التقارير التي رصدت الأوضاع التي أدت إلى النكسة الاقتصادية الحالية وملمحها الرئيسي انفراط سعر صرف الدولار واقتراب الانقلاب من تعويمه والاستعانة ب12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي رغم أخطاره والإجراءات المجحفة التي يفرضها على الشعوب الفقيرة بحسب شبكة بلومبرج الاقتصادية للأنباء، رصد تقرير البنك المركزي الأخير مجموعة من الأسباب وهي: تفاقم واستمرار عجز الموازنة العامة ليصل إلي 279.4 مليار جنيه مصري للسنة المالية 2015/2014 مقابل 255.8 مليار جنية مصري للسنة المالية 2013/2014، وفجوة ميزان المدفوعات الحقيقية تفوق 24 مليار دولار في العام حيث إتضح أن الاستيراد ليس 60 مليار دولار، وإنما 80 مليار دولار في العام.
وأوضح التقرير أن السبب الثاني يتمثل في ارتفاع عجز الميزان التجاري ليصل خلال الفترة يوليو/مارس من السنة المالية 2016/2015 إلي نحو 14.5 مليار دولار (مارس 2016) مقابل نحو 8.3 مليارات دولار لنفس الفترة من العام السابق مارس 2015.
وأشار إلى أن زيادة في الإنفاق المحلي دون إنتاج حقيقي؛ ما يؤدي إلى زيادة الواردات من السلع.
عوامل رئيسية
كما لم يفت التقرير الإشارة إلى أن موارد النقد الأجنبي من السياحة نتيجة الأحداث الأمنية الأخيرة، تدنت بمقدار 60% على الأقل.
وأن المنافذ الجمركية بها حالة من الإنفلات وعدم السيطرة علي عمليات تهريب العملة إلي الخارج.
كما ضعفت الثقة في تعاملات النقد الأجنبي من خلال الجهاز المصرفي نتيجة للقيود التي فرضت علي البنوك والقطاع الخاص في فبراير 2015.
علاوة على الالتزام بسداد التزامات مصر من أقساط وفوائد الديون الخارجية، وتدبير النقد الأجنبي اللازم لتلبية احتياجات الدولة من السلع الأساسية ومستلزمات الإنتاج والأدوية والأمصال.
وأوضح التقرير أن من ضمن الأسباب أيضا انخفاض تحويلات المصريين العاملين بالخارج، وانتشار ظاهرة شراء التدفقات الدولارية بالخارج بأسعار مرتفعة تتجاوز السوق الموازية، إضافة لتراجع الاستثمار الأجنبي المباشر، العالمي والإقليمي.
وأكد التقرير تراجع الاستثمار في المحافظ نتيجة تراجع التصنيف الائتماني وضعف الثقة في القدرة علي تدبير النقد الأجنبي اللازم.
أصدقاؤه يتخلون عنه
حتى الصهاينة الذين يتودد إليهم السيسي منذ إنقلابه، أكدوا عبر إعلامهم أنه "لن يستطيع إنقاذ مصر من الانهيار الاقتصادي"، فصحيفة "هآرتس" العبرية وعلى لسان محللها الاقتصادي "تسفي برئيلي" أكدت ذلك وقال "السيسي هو المسؤول ليس فقط عن الحرب المستمرة على الإرهاب، ولكن أيضًا عن الخدمات العامة".
وأشار "برئيلي" إلى أن سبب توقعاته المملكة العربية السعودية تعهدت بتقديم 1.5 مليار دولار من أجل ذلك، لكن المال لم يصل لأن خطط التنمية لم يتم صياغتها بعد.
وفي سياق متصل نشرت شبكة بلومبرج تقريرًا في 24 مايو الماضي، كشفت فيه عن قرب حلول نكسة اقتصادية في بلدان الخليج العربي بدأت معالمها في الوضوح مطلع العام الجاري بتراجع أسعار البترول لأدنى مستوياتها وحالة العجز الشامل في موازنات هذه الدول، غير أن الوكالة قالت إن "أجواء النكسة اقتصادية التي تهز الخليج حاليًا، تؤرق طموحات السيسي في البقاء"، ملمحةً إلى أن التهديد المباشر لأحلام السيسي في الاستمرار في الحكم يأتي في ظل عجز حلفائه عن تمويله في ظل ظروف صعبة تضرب بلدانهم.
التداعيات ال33
وفي مقال له بعنوان "ماذا يعني ارتفاع الدولار إلى 12 جنيهًا في مصر؟" كتب مصطفى عبد السلام المحلل الاقتصادي، بتاريخ 21 يوليو الماضي: إن "تداعيات خطيرة سواء على مستوى اقتصاد البلاد، أو موازنة الدولة، أو مناخ الاستثمار والتصدير، أو سوق الصرف الأجنبي والقطاع المصرفي، والأهم من ذلك تداعياته على المواطن العادي"، ورصدها في 33 نقطة، ليس أقلها؛ ارتفاع مضاعفة للأسعار، السلع والسيارات وتكاليف البناء والوحدات السكنية ومصروفات المدارس، والدروس الخصوصية وتأكل الجنيه، وارتفاع العملات الأجنبية الخليجية وغيرها.
وتوقف تحويل المصريين مدخراتهم للداخل، وزيادة المضاربات على الدولار وعلى الذهب، وتحولها إلى وظيفة على غرار السوق السوداء، فضلا عن إغلاق المصانع ووقف المشروعات والاستثمارات عربيًا ومحليًا، التي تعتمد على الاستيراد.
وأضاف أنه متوقع زيادة البطالة، وهروب الاستثمارات الأجنبية، وتوقف ضخ استثمارات جديدة، وارتفاع الديون العامة للدولة، وحدوث عجز إضافي في موازنة الدولة عن 319 مليار جنيه.