نشرت صحيفة "التحرير" تحقيقا موسعا عن الفساد داخل صندوق "تحيا مصر" الذي أنشأه السيسي للاستيلاء على أموال المصريين من التبرعات، حيث كشف التحقيق عن أن الجهاز المركزي للمحاسبات ممنوع من مراقبة تبرعات الصندوق بأوامر من قائد الانقلاب السيسي. وأضاف التحقق أن الصندوق أهدر 500 مليون جنيه في تطوير العشوائيات من ميزانية "تحيا مصر"، في الوقت الذي أكد المدير التنفيذي للصندوق أن 7 مليارات إجمالي رصيد "تحيا مصر" في عام واحد، بدعوى مواجهة الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها البلاد، ودعم قيم العدالة الاجتماعية، وتمويل المشروعات ذات الجدوى الاقتصادية، التي تحقق التنمية المستدامة. وكشف التحقيق عن وقائع صارخة لإهدار المال العام في أموال التبرعات عبر مشروعات تطوير العشوائيات وعلى أعمال تجهيز مقر الصندوق الكائن بمساكن الشيراتون في حي مصر الجديدة بأحدث التصميمات والديكورات الفنية وأجهزة التكييف المستوردة للغرف الثمانية المخصصة للصندوق، وشراء أرقى أنواع الباركيه للأرضية، "وهو عبارة عن بلاط سيراميك يشبه سطحه الخارجي للخشب، ولكنه مصنوع من نفس مواد البلاط" والحوائط المعلقة للأسقف، وبتكلفة مالية باهظة تتراوح فيه قيمة المتر الواحد ما بين "170- 250" جنيهًا. في الوقت الذي يقوم فيه الصندوق في الأساس على فكرة دعم الفقراء وتطوير العشوائيات والنهوض بالاقتصاد المصري المتعثر وتمويل المشروعات الاقتصادية ذات البعد الاجتماعي التي تحقق التنمية المستدامة، ولكن غياب الرقابة على أموال التبرعات بعد إدخال تعديلات تشريعية على القرار الجمهوري الخاص بإنشائه تقلص من رقابة الجهاز المركزي للمحاسبات وتجعل دوره قاصرًا على إعداد مؤشرات عامة عن الأداء العام بناءً على قوائم مالية رُبع سنوية، في ظل إعفاء عوائد الصندوق والتسهيلات الائتمانية الممنوحة له من كافة الضرائب والرسوم وعدم سريان أحكام قوانين ضرائب الدخل والدمغة عليه بما يفتح المجال أمام شبهات استغلال النفوذ من قبل القائمين عليه وإهدار المال العام في تمويل المشروعات التي يشرف عليها الصندوق. وقال التحقيق إن ميزانية تشطيب مقر صندوق التبرعات الذي يحمل اسم "تحيا مصر" تتخطى 5 ملايين جنيه، حسب أحد موظفي الحسابات والمالية بالصندوق، متحفظًا على ذكر اسمه، رغم أنه كان مجهزًا من قبل لموظفي المركز الذين تم توزيعهم على المقرين الآخرين التابعين لمجلس الوزراء بشارعي قصر العيني والهرم، ولكنه أعيد تجهيزه ليتناسب مع مكانة رئاسة الصندوق التابع بصفة مباشرة لرئاسة الجمهورية، فضلًا عن 4 سيارات ملاكي مخصصة للصندوق وقياداته، يتعدى ثمن السيارة الواحدة المائة ألف جنيه وأجهزة الحاسب الآلي الداخلية مع شراء أحدث أجهزة التكييف المستوردة، وكل ذلك من أموال التبرعات، حسب تعبيره. وفيما يخص المشروعات، فإن الإدارة لا تخصص موظفين لكل مشروع يتم تمويله، ولكنها تبحث عن الجهة الحكومية أو الشركة الخاصة الأقرب إليه كما حدث مع مشروع "الألف تاكسي" الذي تم بتمويل من الصندوق وإشراف من الصندوق الاجتماعي للتنمية وتم تمليك الألف سائق بسيارات الأجرة من إجمالي 10 آلاف تقدموا بطلبات للصندوق وحصلوا في النهاية على تخفيض في السيارات من 115 ألفا إلى 79 ألف جنيه على أن يسدد 25% منها كمقدم والباقي يسدد على أقساط. وكذلك مشروع تطوير العشوائيات في منطقة الدويقة بمنشية ناصر لإعادة تسكين الأهالي عبر ثلاث مراحل بإجمالي 10 آلاف وحدة سكنية ومشروع تطوير عزبتي جرجس والعسال في منطقة شبرا، وأكثر من 17 منطقة عشوائية أخرى بدعم يقرب من 500 مليون جنيه بالاتفاق مع شركة المقاولين العرب وعدد من الشركات المدنية، وذلك لضمان جودة تنفيذ المشروع، على حد قولها. وعن إجمالي الأموال التي تم جمعها خلال الشهور العشرة الماضية ذكر المدير التنفيذي لصندوق "تحيا مصر" محمد عشماوي أنها لا تتجاوز 7 مليارات تم جمع ما يقرب من 6 مليارات جنيه في شهر واحد، موضحًا أن اختيار شخصيات إعلامية وسياسية ورموز دينية وبعض رجال الأعمال ضمن مجلس أمناء الصندوق طبقًا للقرار الجمهوري يأتي على حسب الفكر التنموي لهم، قائلًا: "مش بالضرورة مدير المشروع يكون متخصص بس لا بد أن يكون لديه دراية بالإدارة والتنمية ويحمل رؤية تنموية قومية بغض النظر عن اسمه أو مكانته وطبيعة عمله، وفيه رجال أعمال مصريين كتير جدا يحملون هذا الفكر التنموي". وفرض صندوق "تحيا مصر" نوعًا من السرية شبه التامة على حساباته لعدم كشف إجمالي ما توصل إليه الصندوق من تبرعات، البعض منها تم كشفه على الملأ في حين لم يتم الكشف عن باقي المبالغ المالية الباهظة التي تبرعت بها جهات عربية ورجال أعمال خليجيين للصندوق، وأبرزهم "رجال أعمال سعوديون يحبون مصر" الذين أعلنوا عبر مبادرتهم أن إجمالي ما تم جمعه يتخطى ال500 مليون جنيه. بينما بلغت مساهمات البنوك العربية والأجنبية العاملة في السوق المصرية نحو 300 مليون جنيه وأبرزها بنوك "قطر الوطني والإمارات دبي الوطني وإتش إس بي سي الإنجليزي"، بالإضافة إلى مساهمات بنوك القطاع العام، "مصر، القاهرة، البنك الأهلي" وتبرعات عدد من رجال الأعمال المصريين وعلى رأسهم صاحب مؤسسة "النساجون الشرقيون" محمد فريد خميس، الذي تبرع بنصف دخله السنوي لصالح"صندوق تحيا مصر" على مدار 4 سنوات قابلة للتجديد. كما أسهمت مؤسسة "ايه إف جي هيرميس" للتنمية الاجتماعية التي خصصت 50 مليونًا لتنمية القرى الفقيرة بمحافظات الصعيد، وكذلك شركة المجموعة المالية "هيرمس" التي تبرعت ب 20 مليون جنيه للصندوق فضلًا عن تغير المساهمات والتبرعات من يوم لآخر. وحول سرية أموال التبرعات أوضح المدير التنفيذي لصندوق "تحيا مصر" محمد عشماوي في تصريحاته لصحيفة "التحرير" أن ذلك يرجع بصورة كبيرة إلى توصيات وطلبات خاصة من المتبرعين أنفسهم بعدم ذكر أسمائهم ويطلبون من القائمين على الصندوق أن تكون تبرعاتهم سرية، معقبًا: "الإشاعات المغرضة دي عمرها ما هتتوقف، وفيه ناس كل همها توقف المراكب السايرة وغرضها إننا نفشل وبعدين الريس أعلنها مرتين قبل ذلك في فبراير الماضي أن الصندوق جمع ما يقرب من 7 مليارات". ومن بين تلك الأموال مليار جنيه تم جمعها كمساهمة أولية من مرتبات أفراد وقيادات الجيش المصري، و3 مليارات من شركات أوراسكوم وعائلة ساويرس لتسوية نزاعاتها مع الضرائب، بالإضافة إلى 1.2 مليار جنيه هي "نصف أسهمه في عامر جروب" من رجل الأعمال المهندس محمد الأمين، رئيس غرفة صناعة الإعلام، رئيس شركة المستقبل المالكة لقنوات "سي بي سي". كما تبرع رجل الأعمال صلاح دياب، مؤسس جريدة المصري اليوم ب6.5 ملايين دولار، وتبرع أحمد بهجت، صاحب قنوات دريم ب 30% من الأسهم المملوكة له بشركاته، وكذلك نجل اللواء طيار رفعت الجميل رجل الأعمال المصري أيمن الجميل "الراشي" في قضية فساد وزارة الزراعة، الذي أعلن عن تبرعه ب150 مليون جنيه من أجل مصر. ومعظم هذه الأسماء عليها قضايا ومخالفات مالية تتخطى المليارات تحاول من خلال تبرعها لصندوق "تحيا مصر" إسكات الجهات الرقابية والمحاسبية عنها، وجاء ذلك بعد لقائهم بالرئيس عبد الفتاح السيسي خلال الإفطار السنوي الذي أقامه في شهر رمضان قبل الماضي حين طالبهم بالتبرع بنحو 100 مليار جنيه لدعم الاقتصاد المصري المتردي. وقال التحقيق إنه يلجأ رجل الأعمال مضطرًا إلى أن يتبرع للصندوق بجزء من ماله لحل مشكلاته الاقتصادية وأزماته المالية المتعثرة مع البنوك من ناحية وليبدو في صورة الداعم القوي للنظام السياسي الحاكم من ناحية أخرى، رغم أن تلك الأموال يتم تقنينها بالخارج كنسبة 1% من الأرباح السنوية التي يدفعها رجال الأعمال ضمن المسئولية الاجتماعية للشركات، حيث يلزمهم القانون بالإنفاق على الخدمات الاجتماعية، والشركات يكون لها مطلق الحرية في إنفاق تلك النسبة على تمويل الأبحاث العلمية ومنح الدراسات العليا أو الإنفاق على المستشفيات والمدارس والجامعات والمعاهد التعليمية أو المساهمة في تنمية المجتمع المحلي كما يحدث في جنوب إفريقيا، ولكن تلك المسئولية اختيارية في مصر والبديل المتاح هو جمع تلك التبرعات عبر صندوق "تحيا مصر". ومع مرور الأيام على إنشاء الصندوق غابت الشفافية عن القائمين على إدارته في الكشف عن أرصدة الصندوق ولم يُعلن البنك المركزي المصري أو أحد المكاتب المسجلة لديه عن قوائم المتبرعين الشهيرة أو حجم تبرعاتهم رُبع السنوية وفقًا لمعايير المحاسبة المصرية، ولم تُفصح أي جهة رقابية حتى الآن عن قيامها بمراجعة ومراقبة حساباته، حسبما كانت تنص المادة الثامنة من قرار رئيس الجمهورية السابق بالقانون رقم 139 لسنة 2014 والتي تنص على أن أموال الصندوق تعد أموالًا عامة في تطبيق أحكام قانون العقوبات، ويتولى الجهاز المركزي للمحاسبات أعمال الرقابة ومراجعة الحسابات، ويُعد تقريرًا بذلك كل أربعة أشهر يُعرض على رئيس الجمهورية قبل أن يتم تعديلها دون إشارة لذلك عبر موقع الصندوق الإلكتروني أو صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك". وفي أقل من 8 شهور أصدر عبد الفتاح السيسي القرار رقم 84 لسنة 2015 الخاص بتنظيم عمل الصندوق، وإلغاء صندوق "دعم مصر" الذي أطلقه رئيس الوزراء السابق المهندس إبراهيم محلب، وأعلن رئيس الصندوق فاروق العقدة عن ميزانية الصندوق التي بلغت 827 مليون جنيه وتم التبرع بها من الجيش ورجال الأعمال والمواطنين، وتمت إضافتها إلى صندوق "تحيا مصر". المركزي للمحاسبات ممنوع من المراقبة على أموال الصندوق وحول الرقابة على أموال التبرعات الخاصة بصندوق "تحيا مصر" ذكر مسئول بارز في الجهاز المركزي للمحاسبات، متحفظًا على ذكر اسمه، أنه حتى الآن لم يُسمح لهم بالرقابة على أنشطته أو تقييم الأداء العام له خلال الشهور الثمانية الماضية في ظل حالة عدم التعاون من قبل القائمين على إدارة الصندوق، مضيفًا أنه تم إدخال تعديلات على قانون إنشاء الصندوق للهروب من نطاق المراقبة التي من المفترض أن يقوم بها الجهاز الأبرز في القيام بأعمال الرقابة في مصر. وأضاف المصدر أن دور الجهاز تراجع كثيرا خلال الشهور الأخيرة وتم تحييده تمامًا بعد الخلافات البارزة التي وقعت بين رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات المستشار هشام جنينة وبين الحكومة ممثلة في وزير العدل المُقال المستشار أحمد الزند، إثر اتهامات وبلاغات عديدة ل"جنينة" بسب وقذف "الزند" واتهامات متبادلة بالفساد وإهانة السلطة القضائية. واستبدل القرار الجمهوري الثاني الذي يحمل رقم 84 لسنة 2015 والخاص بتنظيم عمل الصندوق المادة الثامنة من القانون القديم رقم 139 لسنة 2014 بالمادة التاسعة، التي أُلغيت، لإلغاء رقابة الجهاز المركزي للمحاسبات على الصندوق والاكتفاء بإعداد مؤشرات عن الأداء العام بناءً على قوائم مالية رُبع سنوية، فضلا عن إعفاء عوائد الصندوق والتسهيلات الائتمانية الممنوحة له من كافة الضرائب والرسوم وعدم سريان أحكام قوانين ضرائب الدخل والدمغة عليه، مع إضافة مادة ثالثة في القانون الجديد تنص على أن يحدد رئيس الجمهورية بقرار منه أساليب الإشراف على الصندوق وإدارته وتصريف شئونه المالية والإدارية بما يتفق مع طبيعة ونشاط الصندوق ويمكنه من تحقيق رسالته دون التقيد بالنظم الحكومية المنصوص عليها في أي قانون آخر.