من المؤكد أن موجة الغضب العارمة التى انتابت مصر والعالم ضد الإساءة لرسول الله كانت فى معظمها طبيعية فى ظل تكرار همجية البعض فى دول تدعى امتلاكها الحضارة المتقدمة واحترامها المعتقدات. وإذا دققنا النظر سوف نجد أن جميع الإساءات للإسلام تأتى من دول الغرب التى تربى مواطنيها على كره الإسلام والمسلمين، ومن هذه الدول التى خرجت منها الإساءات هولندا والدنمارك وأمريكا. ولا تتخذ هذه الدول أى إجراءات حاسمة لعدم تكرار مثل هذه الجرائم، بل تقوم بحماية من يقوم بهذه الأعمال بحجة حرية التعبير وعدم وجود قوانين لتجريم هذه الأفعال.. فلا يجد المسلمون سوى الرد على هذه الجرائم بالإدانة والمظاهرات السلمية الغاضبة والمقاطعة الاقتصادية لهذه الدول وإنتاج أعمال تدافع عن الإسلام والرسول وغيرها من الوسائل السلمية.. وهذا شىء جيد. ولكن إذا تطور الأمر إلى الحرق والاعتداء على السفارات بل القتل كما حدث مع السفير الأمريكى فى ليبيا فإن هذه التصرفات تحتاج إلى وقفة. فالغضب فى الإسلام له ضوابط، وأهمها امتلاك الإنسان لنفسه فى وقت الغضب حتى لا يرد الخطأ بخطأ والجريمة بجريمة.. فالغضب نوعان.. غضب لله يجب أن يلتزم الإنسان فيه بالضوابط الشرعية التى تعلمناها من رسولنا الكريم. أما النوع الثانى، فهو الغضب للنفس وهو ما يفعله البعض الآن بالاعتداء على من أعطيناهم الأمان، مثلما حدث مع السفير الأمريكى فى ليبيا.. وما حدث حول السفارة الأمريكية فى مصر وفى العديد من الدول الإسلامية. ولعل ما حدث حول السفارة فى مصر يؤكد أن الذين ذهبوا ليعبروا عن آرائهم من بعض السلفيين والألتراس فى أول يوم كان غضبا طبيعيا دفاعا عن الحبيب.. ولكن بعد ذلك استغل بعض الحضور الحدث وغضبوا لأنفسهم فى الأيام التالية، فمنهم من قام بإلقاء الحجارة والمولوتوف وحرق سيارات الشرطة والمواطنين من أجل الانتقام لنفسه لا من أجل الرسول.. وقام هؤلاء بحرب شوارع ضد جنود، كل ما ارتكبوه هو قيامهم بمهمة وطنية، وهى حماية سفارة أجنبية على أرضنا. ولا أعرف لماذا يصر البعض على تحميل أجهزة الأمن أكثر مما تطيق.. فهل من المعقول أن يلقى هؤلاء المتظاهرون المولوتوف والحجارة على الجنود لمجرد أنهم يطلبون منهم الابتعاد عن السفارة، خاصة بعد ما حدث فى ليبيا. تحية إلى الداخلية التى قامت بواجبها، وألقت القبض على هؤلاء المتهمين وقدمتهم للنيابة، فهذا تطور جيد فى أداء الأمن، حيث أخلت منطقة السفارة دون استخدام الرصاص الحى والخرطوش أو وقوع قتلى.. كما كان يحدث سابقا. ولكن أجهزة الأمن تحتاج إلى تدريب لكى تواجه هذه المواقف دون الاستخدام المفرط لقنابل الغاز والرد بإلقاء الحجارة كما تابعنا فى وسائل الإعلام المختلفة. أيها الغاضبون لأنفسهم اهدءوا قليلا فوطننا الغالى لا يحتمل المزيد، والتعبير عن الغضب للرسول له وسائله المشروعة، مثل التظاهر السلمى، والمقاطعة الاقتصادية، وإنتاج أعمال فنية، وابتكار وسائل حديثة للتعريف به، ونشر إسلامنا الجميل بدلا من زيادة تشويه صورتنا المشوهة.