يختزل مخيم الزعتري بالأردن معاناة حقيقية لآلاف اللاجئين السوريين الفارين منالقتل والعنف في بلادهم حيث يعيشون بداخله في ظروف حياتية قاسية بالغة السوءتفتقد للحد الأدنى من الكرامة الإنسانية، خاصة وأن المخيم افتتح على عجل في التاسعوالعشرين من شهر يوليو الماضي وبدون إعداد مسبق لبنيته التحتية مع ارتفاع معدلتدفق اللاجئين الأردن في الفترة الأخيرة والذي يصل عددهم حاليا إلى نحو 200 ألفيعيشون في مناطق متعددة بالمملكة. وداخل مخيم "الزعتري" للاجئين السوريين بمحافظة المفرق الأردنية (75 كم شمالشرق عمان) توجد معاناة حقيقة لنحو 31 ألف لاجئ سوري يعيشون بداخله حاليا، نصفهممن الأطفال حيث يعيش الكثيرون منهم داخل خيام أعدتها الهيئة الخيرية الأردنيةالهاشمية بالتعاون مع المفوضية العليا للأمم المتحدة لشئون اللاجئين وبالتنسيق معالحكومة الأردنية في بيئة صحراوية قاسية وأرض رملية ناعمة يشهد خلالها المخيمرياحا محملة بالغبار والأتربة على مدار الساعة لتضيف قسوة أخرى للظروف الحياتيةالتي لا تقل ضراوة عن مشاهد القتل والتدمير التي يرتكبها النظام السوري بحق شعبهالذي اختار الآلاف منهم الفرار إلى الأردن للنجاة بحياتهم بعد أن فقدت الغالبيةمنهم المعيل أو الأب أو الأم أوالأخ أو الأخت أوالزوجة أو القريب ومن قبلها الأمنوالأمان والحق في الحياة. هناك مجموعة أخرى من العائلات بالمخيم تعيش داخل بيوت جاهزة (كارافانات) همأحسن حالا نسبيا ممن يفترشون الأرض داخل الخيام حيث يتسع الكارفان الواحد لنحوستة أفراد وتخطط إدارة المخيم إلى استبدال المخيمات بتلك الكارفانات خاصة معإعلان السعودية عن التبرع ب2500 كارفان وكل من الإمارات 100 وسلطنة عمان 100والهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية 100 أخرى إلا أن عددها غير كاف مع وجود 5 آلافخيمة داخل المخيم خاصة مع قرب قدوم فصل الشتاء والذي سيشهد أمطارا غزيرة ستنذربكارثة حقيقة داخل المخيم الذي يوجد في بيئة صحراوية صعبة للغاية. في جنبات المخيم تلاحقك عيون الأطفال السوريين وأسرهم المليئة بالحزن والأسىوالذل على ما آلت إليه حياتهم داخل مخيم للاجئين بحثا عن لحظات الأمان بعيدا عنملاحقة قوات النظام السوري وشبيحته الذين عتوا في سوريا فسادا وقتلا وتدميرا.. لكن رغم الظروف الصعبة تجد علامات النصر مرفوعة من خلال أيدي الأطفال الصغار فيكل مكان يمكن أن تصل إليه داخل المخيم وكأنهم يرسلون رسالة للعالم بأن النصر قادملا محالة وسيكون حليفهم يوما ما حتى وإن طالت الأزمة وسيعودون إلى بلادهم مرةأخرى. وتقول أم خالد (40 عاما) من أمام خيمتها"نريد دعم الجيش الحر بالسلاح للقضاء على النظام القاتل في سوريا حتى نعود إلىبلادنا سريعا".. وينضم إليها زوجها أبو خالد (50 عاما) بالقول "نحن نعيش هنا فيظروف حياتية صعبة للغاية تفتقر للكرامة الإنسانية بينما العالم يتراخى تجاه حلالأزمة في سوريا فليأتي أي مسئول ليعيش يوما واحدا داخل مخيم الزعتري حتى يرى حجمالمعاناة والذل التي نحياها يوميا". الكثيرون يرفضون التقاط الصور خوفا على حياتهم، حيث روت إحدى اللاجئات السورياتبالمخيم وهي من مدينة درعا جنوب سوريا أن إحدى الفضائيات العربية جاءت لتصوريهمداخل المخيم وما أن بثت القناة تقريرا أعدته من داخل مخيم الزعتري حتى تعرضت درعالقصف عنيف من جانب قوات النظام السوري وكأنها تقول "أن النظام يعاقبهم من خلالقصف درعا حتى ونحن خارجها وبعدين عنها". ودفعت قسوة الحياة داخل مخيم الزعتري حيث البيئة الصحراوية الصعبة والبنيةالتحتية الصعبة للمخيم رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها الحكومة الأردنية لتحسينهايوما بعد يوم بالتعاون مع المنظمات الدولية والدول المانحة ومن خلال المساعداتالقادمة من دول عديدة.. اللاجئ السوري أبو بسام (60 عاما) والذي رسمت تجاعيد وجهقساوة الحياة والمعاناة التي عانها ويعانيها داخل المخيم يقول "أريد العودة إلى سوريا حتى لو تعرضت للقتل من قبل الجيش النظامي والشبيحة على أن أعيش داخلمخيم الزعتري".. هي عبارة تلخص المعاناة الحقيقية لآلاف اللاجئين السوريين داخلالمخيم. البنية التحتية والمرافق بمخيم الزعتري بالغة السوء حيث يشترك كل 150 لاجئا فيدورة مياه واحدة مما يؤدي إلى الإصابة بالإسهال والأمراض المعدية الأخرى فضلا عنالتربة الرديئة والتي تصيب اللاجئين وخاصة الأطفال منهم إلى الأمراض الصدرية معهبوب الرياح المحملة بالغبار والتي تهب على مدار الساعة تقريبا، فضلا عن رداءةالمياه وخدمات الصرف الصحي غير الكافية وهو ما ينذر بمضاعفات خطيرة عديدة لآلافاللاجئين السوريين بالمخيم. مخيم الزعتري بمحافظة المفرق الأردنية والذي يبعد عن المنطقة الحدودية بينالأردن وسوريا بنحو سبعة كيلو مترات هو أول معسكر رسمي في الأردن للاجئينالسوريين الفارين من العنف في بلادهم وقد افتتح المخيم رسميا في 29 يوليو الماضيبعد أن أصبحت إقامته أمرا ضروريا من أجل استيعاب الأسر التي روعها العنف فيبلادهم واستمرار الأردن في استقبال الآلاف منهم.. وكان مخططا للمخيم أن يستوعب130 ألف لاجئ سوري إلا أن السلطات الأردنية حددت طاقته القصوى بنحو 80 ألفا فقط، وذلك لاعتبارات أمنية وإحكام السيطرة عليه، حيث يحاط المخيم بسياج من السلك الشبكيحيط به من كل جانب ولا يتم الدخول إلى داخل المخيم إلا بتصريح أمني أو الخروجمنه إلا بكفالة للاجئين السوريين.. وسوف تبدأ السلطات الأردنية في إقامة مخيم ثانبجانب مخيم الزعتري لمواجهة موجات التدفق والنزوح للاجئين السوريين. وقال مدير مخيم الزعتري للاجئين السوريين محمود العموش في عمان من داخل المخيم "إن مساحة المخيم الإجمالية تبلغ 7كيلو مترات مربعة ويوجد بداخله 5 آلاف خيمة ويبلغ عدد اللاجئين المتواجدين بداخلهحتى الآن نحو 31 ألف لاجئ نصفهم من الأطفال. وأضاف إن هناك جهودا أردنية وطلب معونات خارجية لاستبدال الخيم ببيوت جاهزة (كارفانات) من خلال تبرع السعودية والإمارات وسلطنة عمان والهيئة الخيريةالأردنية الهاشمية، موضحا أن هناك حاجة ماسة حاليا للمزيد من الكارفاناتلاستبدالها بالخيم أي أن هناك حاجة لنحو 5 آلاف كارفان وهي أولوية قصوى خاصة معقرب قدوم فصل الشتاء وما يصاحبه من تساقط كثيف للأمطار مما يجعل الحياة فيه مسألةشبه مستحيلة، لافتا إلى أن تكلفة "الكارفان" الواحد تبلغ نحو ألفي دينار أردني (حوالي 2825 دولارا أمريكيا) ويتسع لستة أشخاص. وأشار إلى أن مملكة البحرين تبرعت بإقامة مجمع مدارس بالمخيم حيث تم توقيعاتفاقية بين الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية والمؤسسة الخيرية الملكيةالبحرينية لبناء مجمع مملكة البحرين العلمي للاجئين السوريين بمخيم "الزعتري"بتكلفة تبلغ مليوني دولار أمريكي، مشيرا إلى أن المجمع سيستوعب حوالي أربعة آلافطالب سوري ويشمل أربع مدارس متنقلة في مختلف مناطق المخيم تشرف عليها وزارةالتربية والتعليم بالتعاون مع الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية بحيث تكون خاضعةلمواصفات وزارة التربية والتعليم الأردنية. وكان وزير التربية والتعليم الأردني فايز السعودي قد أشار إلى وجود 17 ألف طالبسوري داخل المملكة قدرت السلطات الأردنية الرسمية التكلفة السنوية لتعليمهم بنحو70 مليون دينار (حوالي 100 مليون دولار أمريكي). وقال مدير مخيم الزعتري للاجئين السوريين محمود العموش إن هناك ثلاثة مستشفياتداخل المخيم الأول ايطالي يدار من خلال أطباء أردنيين والثاني مستشفى مغربيبأطباء مغاربة والثالث فرنسي بأطباء فرنسيين إلى جانب عيادة سعودية وأخرى منمنظمة أطباء بلا حدود وغيرها، مؤكدا عدم وجود أمراض سارية داخل المخيم، كما تتوافرالأدوية بكميات وفيرة. وأضاف إن هناك متبرعا كويتيا يتولى توفير مياه الشرب مجانا للمخيم يوميا، كمايتولى برنامج الأغذية العالمي إعداد وجبات جاهزة للاجئين بمعدل وجبتين لكل لاجئيوميا (إفطار وغذاء) أي ما يزيد على 60 ألف وجبة يوميا، مشيرا إلى أنه يجري العملحاليا على إنشاء 220 مطبخا داخل المخيم لإعداد الطعام وتنويع الوجبات المقدمةللاجئين السوريين. وأشار إلى أنه يجري العمل حاليا على بناء مسجدين بالمخيم وافتتاح محلينللبقالة لخدمة ساكني المخيم من اللاجئين والذي يخضع لإشراف الهيئة الخيريةالأردنية الهاشمية والمفوضية العليا للأمم المتحدة لشئون اللاجئين، كما يوجدمركز أمني داخل المخيم من قوات من الأمن العام والدرك إلى جانب طوق أمني خارجيتشارك فيه القوات المسلحة الأردنية لحماية المخيم ومنع الخروج منه أو التسللداخله من غير اللاجئين السوريين. ورغم الجهود الكبيرة التي تبذلها الأردن لتحسين الظروف الحياتية للاجئينالسوريين بالمخيم من مياه وإنارة وتعبيد للطرق وغيرها فإن اللاجئين بمخيم الزعترييشتكون من تردي الأوضاع المعيشية الصعبة داخل المخيم وعدم توفر البنية التحتيةالملائمة من حمامات ومياه نظيفة وغيرها من الخدمات الحياتية لهم حتى أصبح يمثللهم عنوانا للذل والتشرد الحقيقي كما وصفه الكثيرون من اللاجئين. هناك قصص كثيرة تحكي الواقع المأساوي في مخيم "الزعتري" للاجئين السوريينوالذي يشهد محاولات متعددة لهرب اللاجئين من داخل المخيم نظرا لقسوة الحياةبداخله إلى جانب تظاهرات وأعمال شغب أدت إحداها إلى إصابة 28 من عناصر قوات الأمنالعام والدرك الأردنية منذ قرابة ثلاثة أسابيع مما دفع السلطات الأردنية إلىترحيل مائتي لاجئ مؤخرا إلى سوريا مرة أخرى وهناك من يكتب تعهدات على نفسهبالترحيل الطوعي إلى سوريا هربا من قسوة حياة اللجوء. وهناك تخوفات لدى الأردن من دخول المزيد من اللاجئين السوريين إلى أراضيه خلالالأيام المقبلة في ضوء تواتر الأنباء باستمرار القصف العنيف من جانب الجيشالنظامي السوري للمدن الحدودية الموجودة في جنوب سوريا والمتاخمة للحدود معالأردن وهو ما دفع الحكومة الأردنية إلى التفكير في فتح المزيد من مخيماتاللاجئين حيث تنسق حاليا مع المركز الجغرافي الأردني بخصوص تحديد عدد من قطعالأراضي الملائمة للشروط الدولية لإقامة مخيمات أخرى للاجئين السوريين، حيث يؤكدالأردن دائما على استعداده لاستقبال اللاجئين السوريين رغم الظروف الاقتصاديةالصعبة التي يمر بها داعيا المجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم له لتحمل أعباءاستضافة هؤلاء اللاجئين. ومع التوقعات بإطالة أمد الصراع في سوريا بين الجيشين النظامي والحر ونذرالحرب الأهلية التي دخلت سوريا في أتونها بالفعل حاليا تبقي التوقعات مفتوحة علىكل الاحتمالات بشأن الأزمة السورية.. إلا أن مشكلة اللاجئين السوريين مرشحةللتفاقم، خاصة مع قدوم فصل الشتاء والذي ينذر بكارثة حقيقية ما لم يتم استبدال"الخيم" داخل مخيم الزعتري بكارفانات لإيواء آلاف اللاجئين السوريين وتحسين أوضاعهم المعيشية. وقد فرضت أزمة اللاجئين السوريين نفسها بقوة على الأردن على المستويين الرسميوالشعبي وأصبحت تمثل في الآونة الأخيرة عبئا كبيرا على موارده المحدودة وبنيتهالتحتية الضعيفة والتي لا تتحمل المزيد من الأعباء، خاصة المياه والطاقة لاسيما معارتفاع تدفق اللاجئين السوريين بأعداد كبيرة في الفترة الماضية رفعت خلالهامعدلات التدفق لهؤلاء اللاجئين بالآلاف وليس بالعشرات أو المئات كما كان يحدث منقبل وهو ما تزامن مع القصف العنيف للمناطق الجنوبية داخل سوريا والقريبة منالحدود الأردنية- السورية. وكانت الحكومة الأردنية قد وجهت في أول سبتمبر الجاري نداء إغاثة عاجل للمجتمعالدولي ومنظمات الإغاثة الدولية لمساعدتها في تحمل التكاليف الناجمة عن استضافةاللاجئين السوريين والمقدرة بحوالي 360 مليون دولار خلال العامين الجاريوالمقبل، متوقعة أن تصل تكلفة استضافة اللاجئين السوريين إلى 700 مليون دولار فيحال وصلت أعدادهم إلى 250 ألف لاجئ.