فى الوقت الذي يشن فيه الانقلاب هجوما حادا على "الجهاز المركزي للمحاسبات" ورئيسه المستشار هشام جنينة؛ لكشفه ملفات فساد أجهزة سيادية وأمنية على رأسها قيادة الانقلاب والمخابرات والداخلية، حققت مصر خلال شهر يونيو الماضي رقما قياسيا جديدا في الفساد الحكومي ب 71 واقعة قاربت 3 مليارات جنيه ونصف المليار. وبحسب «مبادرة "ويكى فساد"، التابعة لمركز هردو» تم رصد 71 واقعة فساد بمصر خلال شهر يونيو 2015، موضحة أن ذلك هو الرقم الأكبر على الإطلاق مقارنة بالتقارير السابقة التى أصدرتها المبادرة.
فى تقريرها الصادر، اليوم الأربعاء، كشفت المبادرة أن حجم الفساد بلغ فى مجمله 3.496.823.672 جنيها من أموال الدولة، مشيرة إلى أن أشكال الفساد تنوعت داخل الدولة، بشكل أكبر وأضيف إليها أنواع جديدة كغسيل الأموال والنصب واستغلال المنصب الوظيفى.
ولفت التقرير إلى أن وقائع الاختلاس بلغت 816.364 جنيها، كان أهمها واقعة اختلاس بالشهر العقاري, كما بلغ الاستيلاء على المال العام 1.103.603.356 جنيها منها 500 مليون فقط من تموين العياط, أما إهدار المال العام فكان 1.855.676.352 أهمها كانت وزارة التطوير الحضاري التي أنشئت منذ عام فقط وتم إهدار 887 مليون جنيه منها بالإضافة إلى 345 مليون جنيه من الجهاز التنفيذي للمنطقة الحرة.
وعن التلاعب والفساد المالي والإداري بلغ حجمه 517.628.000 مليون منهم 500 مليون في شركة بولفارا للغزل والنسيج بالإسكندرية, أما وقائع الرشوة فقد وصلت 11.099.600 مليون بالإضافة إلى 8.000.000 مليون غسيل أموال ونصب واستغلال منصب.
وجاءت وزارة التموين فى صدارة قطاعات الفساد بعدد 10 وقائع شهدتها المخابز والجمعيات التعاونية ومستودعات السلع التموينية. والمرتبة الثانية حصلت عليها المحليات بجدارة واستحقاق، وذلك ب 7 وقائع ثم جاءت بعد ذلك وزارتا الزراعة والتربية والتعليم ب 5 وقائع لكل منهما. أما وزارة الداخلية فحصلت على المرتبة الرابعة فى الفساد ب4 وقائع كلها داخل أقسام الشرطة، ثم وزارة النقل في هيئة الطرق والكباري ومكاتب البريد، فوزارة الإسكان في الإدارات الهندسية وقطاع مياه الشرب، بالإضافة إلى وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة وأيضا الهيئات المستقلة. وأضاف التقرير أن وزارتي الإعلام "ماسبيرو" والتعليم العالي جاءتا فى المرتبة الخامسة ب 3 وقائع، ثم جاءت في المرتبة السادسة كل من وزارة الصناعة والاستثمار ووزارة الأوقاف التي انضمت مؤخرا لقطاعات الفساد بعدد واقعتين لكل منها. وتذيلت القائمة كل من وزارة المالية والقوى العاملة ووزارة العدل والتطوير الحضري بالإضافة إلى الخارجية ووزارة الصحة متمثلة في نقابة الأطباء، وأيضا وزارة التنمية الإدارية ووزارة الشباب والرياضة.
الحرب على جنينة يأتي هذا التقرير بعد أيام قليلة من إصدار قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي مرسوما بقانون يتيح له إقالة رؤساء والأعضاء الهيئات المستقلة والذي أكد خبراء ومراقبون أنه يستهدف فى المقام الأول المستشار هشام جنينة الذي كشف بتقاريره بعض الفساد فى الأجهزة السيادية وعلى رأسها جهاز الشرطة والقضاء.
وكان جنينة قد أكد فى تصريحات صحفية أنه يتعرض يوميا ورجاله للتضيق من طرف من اعتبرهم رموز الفساد فى الدولة، وهو ما دفعه لأن يتحدى سلطات الانقلاب أن تقيله من منصبه، معلنا رفضه محاولات الابتزاز التي يتعرض لها، قائلا: "حاكموني أو حاكموا رموز الفساد".
وأبدى جنينة استعداده لتقديم استقالته من منصبه، في حالة استشعاره عدم التعاون معه أو إعاقة عمله، على حد قوله.
وعلق على قانون إعفاء رؤساء الأجهزة الرقابية، قائلا إنه لا يحتاج لتغيير قانون بغض النظر عن دستوريته من عدمه. وأعرب عن حزنه الشديد من الحملة الإعلامية التي يتعرض لها، وتستهدف اغتياله معنويا، حسبما قال.
وأكد أن رجل أعمال معروفا ومشهورا يمتلك مجموعة قنوات فضائية وراء هذه الحملة الضارية، مشيرا إلى أن لدى الجهاز ملفا أحيل بسببه إلى جهاز الكسب غير المشروع، وأنه سبق وجرى التحقيق معه أمام الجهاز بسبب ارتكابه مخالفات تم رصدها في ملفه. وكشف رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات تقدمه بتسعين بلاغا للنائب العام ضد جهات رسمية بعضها جهات رسمية وبعضها سيادي، كشف فيها انحرافاتهم مما أدى إلى تحالفهم ضده، وإشعال النار تحت أقدامه، على حد وصفه.
وأعلن تحديه لكل الفاسدين، وأصحاب ملفات الفساد الذين كشفهم الجهاز. وقال: "حاكموني أو حاكموهم".
وطالب جنينة بتشكيل لجنة محايدة من أشخاص مشهود لهم بالنزاهة والشرف للتحقيق في كل قضايا الفساد التي كشفها. وتابع: "أطالب بمحاكمتي لو ثبت عدم صحة اتهام واحد فيها". وكشف جنينة أن اتهامات الأخونة التى تلاحقه يقف وراءها تحريات من أمن الدولة؛ لأنه كشف انحرافات عديدة للجهاز لم يتم التحقيق فيها منذ سنتين، الذي يرفض المحاسبة والمراقبة على أعماله وأنشطته.
السيسي يحمي الفساد ويتهم جنينة قائد الانقلاب بالتستر على الفساد أو على الأقل عدم الرغبة فى مواجهته والتصدي له متسائلا: لو أراد السيسي التحقق من هذه الاتهامات فما أسهل أن يطلبني تليفونيا، ونجلس سويا.. فهل أنا بعيد عنه؟!.
وردا على تساؤل عن التهديدات التي يواجهها، قال: "كل يوم أنا ورجالي في الجهاز نتعرض لتهديدات من فاسدين كبار.. وللأسف من أجهزة سيادية، تقف في طريق عملنا، وتمنع اقترابنا من فسادهم، وعلى رأس هؤلاء مسؤولون في وزارات سيادية".
وكان السيسي قد أصدر قرارا بقانون نشرته الجريدة الرسمية، ينص على حقه فى إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية، إذا توفرت بشأنه دلائل جدية على ما يمس أمن الدولة وسلامتها، وإذا فقد الثقة والاعتبار، وإذا أخل بواجبات وظيفته، بما من شأنه الإضرار بالمصالح العليا للبلاد، أو أحد الأشخاص الاعتبارية العامة".