آلاف القصص منذ اندلاع ثورة يناير تكشف عن الملف الأخطر في الثورة المصرية، وهو ملف المفقودين، فآباء وأبناء انقطعت أخبارهم وأصبح غياب اليقين عن مصيرهم هو الأمر الأكثر ألما، فالشهداء أحياء عند ربهم، والجرحى في المستشفيات يعالجون، أما المفقودين فهم جرح الأسر النازف. فعندما تتواصل مع أهالي ليس لهم حلم سوي أن يعرفوا أين ذويهم أو ابنهم حتي وإن كان مجرد جثمان ليدفنوه، أو معتقلا أو مسجونا حينها يتم الإدراك حجم التراجع عن دولة القانون والعدل، والارتهان لشريعة الغاب آلاف المفقودين وحول إحصائيات هذا الملف، فهناك صعوبة في الوصول إلي رقم حقيقي مطلق، ولكنها جميعها دلائل ومؤشرات، بدء من أرقام مفقودي "ثورة يناير" ثم مفقودي ما بعد مذبحة "رابعة". وتشير بعض الإحصائيات إلي أن عدد مفقودي ثورة يناير قد بلغ 1200 حالة، فيما أكدت إحدى المطلعات –للحرية والعدالة- إنه بعد رحلة بحث مضنية عن ابنها في الأروقة الأمنية أن الرقم الذي وصل إليها هو 3400 مفقود بينهم 400 فتاة وسيدة وذلك في أحداث ثورة يناير وما لحقها من أحداث لعدة أشهر. أما عقب الانقلاب فصعوبة توثيق رقم للمفقودين أشد بكثير؛ خاصة مع التهديدات والضغوط التي يتعرض لها أهالي المفقودين، وكذلك لغرابة الوقائع والأحداث التي تم فيها الكثير من حالات الفقد، وأيضا هناك الكثير من الحالات تعاني صعوبات مادية شديدة يصعب عليهم معها التواصل أو التوثيق، ومع ذلك فمؤشرات بعض الباحثين أكدت أنه يزيد عن 1800 حالة مفقود منذ أحداث مذبحة رابعة إلي الآن، وهو رقم مرشح للزيادة. وعن نمط المفقودين أو توجهاتهم فقد ثبت أن الحالات ليست من فصيل أو توجه واحد، بل إن منهم الكثير من الحالات ليس لها علاقة بأي شيء بل إنها حتي غير ملتزمة دينا أو بحسب تعبير شقيقة أحد المفقودين "لا يصلي من الأساس"، وهو ما يعني أن الاختطاف وإعاقة الوصول إلي مكان المعتقلين إنما هو سياسة ممنهجة تحاك بالجميع لا تفرق بين توجه وآخر. إنشاء رابطة للمفقودين وحول "رابطة المفقودين" ونشأتها تقول منسقة رابطة أسر المفقودين"حنان بدر الدين" زوجة المفقود"خالد محمد حافظ" في تصريحات خاصة للحرية والعدالة:"فُقد زوجي منذ أحداث المنصة في 27 يوليو 2013، فلم يكن من المنتظر أنه سيبيت في الميدان في تلك الليلة، ولكن بعد أن بدأ الاعتداء والضرب المباشر علي المعتصمين السلميين لم يستطع مغادرة المكان، وظللت علي متابعة معه عبر الهاتف يطمئني علي نفسه، وبعد قليل كنت أتابع قناة الجزيرة فرأيته أمامي وقد أصيب، فاتصلت علي هاتفه فرد أحد الأشخاص وقال لي أن صاحب الهاتف أصيب وتم نقله إلي المستشفي الميداني، ثم انقطع التواصل تماما، وبعد أشهر وبعد أن توصلت إلي أطباء من المستشفي الميداني أكدوا لي أنه خرج يومها من المستشفي في سيارة اسعاف لإجراء أشعة علي مكان الإصابة في حين أنهم لم يتمكنوا من معرفة الجهة التي ذهب إليها، ثم أخذت من يومها في السير خلف كل كلمة وكل بارقة أمل، فمنهم من قال مثلا أنه تم نقله إلي مستشفي عسكري، ثم قالوا أن اسمه في سجن الخليفة، ثم كلاما آخر أنه تم نقله إلي مستشفي سجن طرة، وفي كل مرة أذهب ولا أجده، أما آخر معلومة وصلتنا هي أنه متواجد في "العزولي"". وحول الرابطة ونشأتها تقول:"بعد أن وجدت نفسي أسير في دائرة مغلقة، قررت أن أبحث عن الحالات المشابهة لي، وبالفعل وجدت حالات كثيرة، بعضها من أحداث الحرس أو المنصة أو مجزرة رابعة، ثم تزايدت الحالات وتعددت أنواعها فالبعض اختفي أثناء حظر التجوال، والبعض تم اختطافه من أمام بيته، وهكذا لم تعد الحالات حكرا علي أوقات المذابح فقط، ثم بدأنا معا نبحث في سجن العازولي عن طريق سؤال أهالي معتقلين هناك، أو عن طريق معتقلين خرجوا منه، وكذلك كلما علم أحدنا بوجود سجن غير معلوم أو أماكن خفية في أي سجن أو مكان غامض مثل سجن "المغولي" في طريق السويس وآخر في الفيوم، نبعث من يسأل فيه أو يتواصل مع أهالي معتقلين هناك". وتتابع "أشار لنا البعض أن "المغولي" هذا أقرب ما يكون لسجون الأساطير من حيث كونه مدقات في الجبال، ولذا فمن الواضح أن هناك نوعيات من السجون الغامضة والغير معلومة". وتشير "حنان" أنه من بين ما وصلهم من معلومات أن هناك من بين محتجزي العزولي فتيات ونساء. وتطالب "حنان" باسمها وباسم كافة أعضاء الرابطة وكافة أهالي المفقودين بظهور ذويهم، حتي وإن كانوا يخضعون لتحقيقات أو عليهم أحكام فقد كان يجب من أول يوم أن يعلم أهلهم بهذا ويأخذوا حقهم في توكيل محامين أو علي الأقل الاطمئنان عليهم، في حين تؤكد "حنان" أنهم لن يصمتوا وسوف يستمرون في البحث حتي نهاية العمر. من جانبها ولأنهم من فجّر القضية مؤخرا تقول"عائشة الشاطر"-عضو المكتب التنفيذي للتحالف الثوري لنساء مصر-:"اهتممنا بهذا الملف لأنه من أكثر القضايا المؤلمة، بل إنه أبشع أنواع الإجرام وأقسي علي الأهل من الاعتقال والاستشهاد، فلو أنهم مجرمين فلماذا لا يتعرضون للقضاء والمحاكمات لماذا يتغيبون هكذا بلا أية ذريعة واضحة، وبالطبع فقد رأينا في التحالف الثوري أن أشد من يعاني خلف المفقودين هي المرأة المصرية، فهي الزوجة والابنة والأخت والأم، وبالتالي فهي التي يقع عليها عبء هذا الاختفاء سواء في تحمل مسئولية الأسرة واعالتها ماديا، أو في رحلة البحث عن المفقود في المعتقلات والسجون والمستشفيات، وقد رأينا كيف وصلت بعض حالات النساء إلي الأمراض العصبية والنفسية نتيجة هذا الفقد". وحول ما تم التوصل له في هذا الملف تضيف:"الحقيقة الظاهرة التي توصلنا لها هي أننا نعيش في دولة الغابة، فلا وجود للقوانين ولا للعدالة، بل الجميع يعاني حتي دون أن يعرف ما هو جرمه أو يتعرض لقضاء، ومع ذلك فما ضاع حق وراءه مطالب، فنحن سنظل نحمل أصواتهم ونساعدهم في توصيلها إلي كافة المحافل والأروقة حتي يتوصلون إلي ذويهم بإذن الله ولدينا أمل أن يشترك معنا الجميع في تبني هذه القضية التي لا تفرقة فيها بين توجه وآخر، فالجميع فيها يعاني دون تفرقة". وحول الأرقام تضيف: "لا نستطيع أن نقول أن هناك رقما حصريا حتي الآن، خاصة أن هناك الكثير من الحالات لا تريد التواصل نظرا لتعرضها لتهديدات أو ضغوط، وهناك حالات من الأساس لا تملك قوت يومها حتي تتعدي ذلك بالبحث عن الجهات أو المحامين أو توثق الحالة، حتي أننا تواصلنا مع احدي الحالات التي أكدت أنها لا تملك حق تكلفة تحليل DNA حتي تستطيع الحسم بأن المتغيب كان من بين الجثامين المتوافرة أم لا، ومن ناحية أخري فعن طريق بعض المحامين المتواصلين داخل السجون والمعتقلات، أكدوا أن هناك سجونا بها معتقلين غير مسجلين وليست لهم أوراق، من ذلك مثلا طابق بسجن العزولي به ما يقرب من 400 حالة، وفي سجن المغولي بطريق الإسماعيليةالسويس قالوا أن به 600 حالة، وتقريبيا هناك مؤشرات تقول أن لدينا ما لا يقل عن 1800 حالة مفقود فقط منذ مذبحة رابعة وحتي الآن، وهو بالطبع عدد مرشح للزيادة نظرا للكثير من الدلائل الأخري وصعوبة التواصل مع الحالات".