• رغم القمع الأمني المستمر استطاع الحراك الثوري التأكيد مرارا أنه صاحب القرار في الشارع • المبادرة المصرية -ذات المضمون الإسرائيلي- عنوان لضعف وضع مصر • الحكم العسكري أدى إلى انهيار كامل لدور مصر الإقليمي
كشف المفكر والباحث السياسي د. رفيق حبيب أن الجغرافية السياسية للمنطقة العربية تتغير بصورة كبيرة بسبب ارتدادات الربيع العربي والثورة المضادة وأنظمة الحكم المستبدة، وأيضا بسبب الاحتلال الإسرائيلي، حتى باتت جغرافية السلطة السياسية في المنطقة العربية، تتشكل بسبب التداعي الحر لنتائج المواجهات السياسية بين الأطراف المتصارعة. وتغير خريطة السلطة السياسية في المنطقة العربية، يكشف عن تحولات مهمة على صعيد مستقبل السلطة والأنظمة السياسية في المنطقة، فمع حرب الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، ظهرت خريطة المنطقة العربية وكأنها كلها في مرحلة بينية تفصل بين ما كان وما سيكون في المستقبل. وأضاف في دارسة حديثة له عنوانها "ارتداد الفوضى. . يضرب الاستبداد والاحتلال" أنه يمكن وصف حالة كل دولة من خلال النظام الحاكم لها، فهناك حكم عسكري مستبد في مصر، وحالة من الصراع والفوضى في ليبيا، ومحاولات لبناء الديمقراطية في تونس، وحالة حرب وثورة في سورياوالعراق، وفي كل دول الربيع العربي لا توجد سلطة تتحكم فعلا في كل أراضي الدولة.
قطاع غزة ويمثل قطاع غزة حالة خاصة، فهو لا يخضع لحكم السلطة الفلسطينية المتحالفة مع الاحتلال الإسرائيلي، ولم يعد تحت حكم حكومة من حركة حماس، فهو يمثل واقعيا فضاء المقاومة بامتياز، والمنطقة التي تقف عليها المقاومة، وكأن قطاع غزة هو قاعدة انطلاق المقاومة الفلسطينية. تصور الاحتلال الإسرائيلي أنه يقدر على توجيه ضربة لحركة حماس، وأعتقد أنها في أضعف حالاتها، لذا أقدم على شن حرب على قطاع غزة من أجل التخلص من المقاومة الفلسطينية وحركة حماس وضرب البنية التحتية للمقاومة. فأثبتت الحرب فشل مخابرات الاحتلال وخطأ معلوماتها. ولكن الحرب على قطاع غزة برأيه كشفت ضمنا عن صورة جديدة، جعلت مركز الجغرافية السياسية ينطلق من خط المواجهة بين المقاومة والاحتلال الإسرائيلي، ثم يستكمل مسار خطوط المواجهة بين الثورة والثورة المضادة، لتصبح الثورة والمقاومة على خط مواجهة واحد. وفيما يلي عرض لأهم القضايا التي تناولتها الدراسة:
ارتدادات سياسية معنوية ورصد "حبيب" أن حرب غزة أعادت تقديم الحركة السياسية الإسلامية بوصفها حاملة لواء المقاومة في وجه الاحتلال الإسرائيلي، فبات مؤكدا أن القوى الإسلامية المعتدلة، والتي تشن عليها الثورة المضادة الحرب، هي رأس الحربة للدفاع عن الأمة، في وجه الاحتلال الإسرائيلي، الذي يمثل وكيل الهيمنة الغربية. أعادت حرب غزة جماعة الإخوان المسلمين للصدارة مرة أخرى، بوصفها تمثل تيارا واسعا من الحركة الإسلامية، التي تحمل مشروع التحرر والنهضة، فكان تصدر حركة المقاومة الإسلامية حماس للمواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، دليلا عن أن مدرسة الإخوان، تمثل طليعة حركات التحرر. الحكم العسكري. . تابع ضعيف ويرى أنه رغم أن الاحتلال الإسرائيلي أراد أن يضرب الحركة الإسلامية، بالتحالف مع الحكم العسكري في مصر، ليحقق نصرا له وللسلطة العسكرية في مصر، إلا أن حرب الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة أصابت الحكم العسكري في مقتل، حيث تأكد أن الحكم العسكري بعد الانقلاب، لا يملك أوراق قوة أو تأثير. محذرا من أنه كانت المبادرة المصرية ذات المضمون الإسرائيلي، عنوانا لضعف وضع مصر، وعدم قدرتها على ممارسة أي دور، حيث تأكد أن الحكم العسكري غير قادر على ممارسة أي دور سياسي، وأنه أدى إلى انهيار كامل لدور مصر الإقليمي، حتى إذا قورن بنظام مبارك. رغم أن الحكم العسكري قدم نفسه بوصفه شرطيا إقليميا لمحاربة الإسلام السياسي كما يسمى غربيا، إلا أن موقفه في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة أكد أن السلطة في مصر لا تتمتع بأي قدرة على القيام بدور إقليمي، أو تمديد نفوذها إقليميا، وأنها مجرد سلطة تابعة لا تقدر على خدمة من تتبع. أما على المستوى المعنوي السياسي، أدت حرب الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة إلى إضعاف موقف حلف الثورة المضادة الإسرائيلي الأمريكي وتقوية حلف الثورة الإسلامي، حيث أصبحت المقاومة هي عنوان الكرامة والتحرر، فأصبحت قوى الثورة مع قوى المقاومة تمثل كرامة الأمة.
ارتدادات جغرافية سياسية وقال "حبيب" إن الناظر لخريطة المنطقة العربية، يجد الاحتلال الإسرائيلي قد أصبح محاطا بمناطق اضطراب وفوضى وفراغ سلطة، بجانب منطقة المقاومة المحررة أي قطاع غزة. ففي سيناء وجنوب لبنانوسوريا مناطق فارغة من السلطة المستبدة، أي سلطة الدول المستبدة المتحالفة مع الغرب والاحتلال الإسرائيلي. لقد باتت حدود الاحتلال الإسرائيلي مع حلفائه أقل من حدوده من خصومه، وباتت المناطق الخالية من السلطة المستبدة المتحالفة مع الاحتلال، أكثر من المناطق التي تشغلها سلطة متحالفة مع الاحتلال الإسرائيلي.
إرادة المقاومة وأكد أن جيش الاحتلال الإسرائيلي بتفوقه العسكري المعروف قادر على تحقيق انتصارات على الجيوش النظامية، ولكنه غير قادر على تحقيق انتصارات على حركات المقاومة التي توظف البيئة الجغرافية التي تعمل فيها، لمقاومة الاحتلال. وجيش الاحتلال الإسرائيلي قادر على إلحاق الضرر بالمدنيين، ولكنه غير قادر على كسر إرادة المقاومة ولا منعها أو نزع سلاحها، أو حتى منعها من تطوير سلاحها. والمقاومة تعمل من خلال حاضن اجتماعي مؤمن بالقضية التي تدافع عنها المقاومة، مما يجعل امتدادها الاجتماعي غير محدود.
• جيش الاحتلال الإسرائيلي قادر على إلحاق الضرر بالمدنيين، ولكنه غير قادر على كسر إرادة المقاومة ولا منعها أو نزع سلاحها ونبه إلى أن الاحتلال الإسرائيلي وقف ضد الربيع العربي، حتى لا تقوم دول ديمقراطية بإرادة شعبية في محيطه الجغرافي، لذا اشترك بدور فاعل في كل الثورات المضادة وفي الانقلاب العسكري في مصر، ولكن الثورات المضادة أصبحت تتسبب في توسع مناطق الاضطراب، أو المناطق الفارغة من السلطة المستبدة.
التقلص المتتالي واعتبر أن الظاهرة الأبرز في تحولات معركة الثورة والثورة المضادة، هي تقلص نفوذ الدولة المستبدة داخل أراضيها، وأيضا تقلص دور ونفوذ الدولة المركزية عموما داخل حدودها. الحكم العسكري في مصر، يحاول فرض قبضة حديدية على البلاد، وفرض حكم عسكري خالص، وعسكرة كاملة لمختلف أوجه الحياة، فكان من نتيجة ذلك، تقلص سيطرة الحكم العسكري على البلاد تدريجيا، رغم مظاهر القوة الباطشة التي تميزه. لافتا لأن كل محاولة لتحقيق الاستبداد الكامل القمعي، تؤدي إلى استنزاف سريع للسلطة المستبدة، مما يجعلها تتقلص معنويا وماديا، وإن كان بشكل تدريجي، مما يفقدها السيطرة الكاملة، ويقلص المساحة التي تسطير عليها، فتصبح الدولة تحت الحكم العسكري، دولة فاشلة لا تسيطر على كل أراضيها، أو كل سكانها. مما يجعل المجتمع في أغلبه خارج سيطرة القانون، والسلطة العسكرية منشغلة بأمنها السياسي.
غياب الأمن الجنائي وحذر من أنه مع تزايد القمع السياسي يغيب الأمن الجنائي، وهو ما يعني ترك مساحات ومناطق لعمل الجريمة بكل أشكالها، ومنها الجريمة المنظمة، لتصبح العديد من المناطق تحت سيطرة العصابات، وليست تحت سيطرة الأمن، خاصة مع تعاقد الأمن مع البلطجية لمساعدته في مواجهة الحراك الثوري. وخلص إلى أنه رغم القمع الأمني المستمر، استطاع الحراك الثوري التأكيد مرارا أنه صاحب القرار في الشارع، مما جعل السلطة القمعية أقل حضورا في الشارع السياسي الفاعل من الحراك الثوري، فأصبح الحراك الثوري هو الفاعل المؤثر في الشارع السياسي، مما قلص الحضور السياسي للسلطة المستبدة.
اختزلت السلطة العسكرية في آلة قمع ودعاية إعلامية مضللة وتحالف طبقة حكم، ولم تعد قادرة على ممارسة أي تأثير سياسي داخلي أو خارجي، لذا فإن الاحتلال الإسرائيلي عندما بدأ حملة القضاء على المقاومة متحالفا مع الحكم العسكري في مصر، وجد أن حليفه غير قادر على القيام بأي دور فاعل لصالحه.
تقلص سلطة الاستبداد رصد "حبيب" أنه بعد موجات الربيع العربي، ثم موجات الثورة المضادة، أصبحت المنطقة العربية أقرب من أي وقت مضى من مرحلة تقلص سلطة الاستبداد، سواء التقلص المعنوي أو المادي أو الجغرافي. فمنظومة الاستبداد الحاكمة قبل الربيع العربي، تغلغلت في كل مفاصل الدول والطبقات الحاكمة، مما مكنها من القيام بالثورات المضادة. سلطة الاستبداد الطائفي في العراق، أدت إلى خروج مساحات واسعة من العراق من سلطة الدولة، وأصبحت واقعيا تحت سلطة شعبية مباشرة. كما تمدد التطرف المسلح في فراغ السلطة في العراق، وأصبح يتمدد في كل فراغ من فراغات السلطة، سوا ء في العراق أو سوريا أو مصر أو ليبيا. ويرى أن كل أشكال الاضطراب أو الفوضى، أدت إلى تقلص نفوذ السلطة المستبدة أو الدولة، وكل محاولات ضرب الثورة بالفوضى والعنف، كما في ليبيا، أدت عمليا إلى غياب مساحة السلطة ووجودها وحضورها، مما يعني أن كل سيناريوهات الفوضى تؤدي إلى غياب السلطة، وتوسع مناطق فراغ السلطة، والتي تضرب بنية منظومة الاستبداد. ورغم أن كل أشكال الاضطراب والفوضى والعنف، استخدمت ضد الربيع العربي، إلا أن كل أشكال الفوضى في النهاية تفكك البنية التحتية لمنظومة الاستبداد في المنطقة. فأصبح تمادي السلطة المستبدة القمعية، وأيضا تمادي حالة الفوضى والعنف، يؤديان إلى تقلص حضور السلطة المستبدة القمعية.
الدولة والسلطة شدد "حبيب" على أن أهم ما يواجه الربيع العربي من تحدي، يتمثل في حالة الاندماج الحادثة بين الدولة من جانب، ومنظومة الحكم المستبد من جانب آخر، مما يجعل مواجهة الاستبداد، تبدو وكأنها مواجهة مع الدولة. وفي مصر بعد الانقلاب العسكري، حشد الحاكم العسكري الدولة في مواجهة الحراك الثوري. • حرب الاحتلال الإسرائيلي على غزة أضعف موقف حلف الثورة المضادة الإسرائيلي الأمريكي وقوّى حلف الثورة الإسلامي وكل حراك ثوري يواجه الاستبداد، يتم مواجهته من خلال أجهزة الدولة، حتى تصبح المواجهة بين الثورة والدولة، مما يؤدي إلى تعريض الدولة إلى خطر السقوط، وهو نهج تستخدمه الثورة المضادة، حتى تحمي الاستبداد من خلال حماية الدولة. وفي كل الأحوال، فإن الثورة لا تستهدف الدولة، لأنها مؤسسة المجتمع، التي يحتاجها المجتمع، بل إن الثورة تستهدف أساسا تحرير الدولة من طبقة حكم الاستبداد والفساد، كما تستهدف تحرير المجتمع. ولكن تغلغل الاستبداد داخل الدولة، هو الذي يعرض الدولة لخطر السقوط، أو تقلص حضورها وغيابها عمليا. ومشاهد معركة الربيع العربي، تؤكد أن سقوط الدولة لا يحدث إلا بسبب المواجهة العسكرية الشاملة مع الثورة، وبالتالي عسكرة الثورة، كما حدث في سوريا. مما يعني أن مشهد تقلص حضور الدولة، هو المشهد الغالب، ومعه يتقلص حضور السلطة المستبدة.