•المقاومة هدمت نظريات الأمن الإسرائيلي واحدة بعد الأخرى •المقاومة الإسلامية أصبحت رأس حربة للربيع العربي وتمثل المشروع المقاوم •الوطنية الزائفة للحكم العسكري تبرر كل أشكال القتل وتبيح كل أشكال العدوان •لا يمكن أن يكتمل تحرر الأمة إلا بتحرير فلسطين وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي
أعدها للنشر: الحرية والعدالة رصد المفكر والباحث السياسي د. رفيق حبيب أن الاحتلال الإسرائيلي عاد لشن حربه على قطاع غزة، متصورا أنه يمكن أن يحقق نصرا في ظل توسع الثورة المضادة وتراجع الربيع العربي، ولكن حرب الاحتلال على غزة فتحت صفحة جديدة في سجل الربيع العربي، فأصبح ربيعا للثورة والمقاومة معا. في مسار مراحل التغيير الكبرى، تتشكل ملامح التغيير تدريجيا، حتى تنضج صورة البديل الجديد، وتتحدد ملامحه.
•مع استمرار قدرة المقاومة على البقاء والصمود وتطوير أسلحتها بإمكانيات محلية، يواجه الاحتلال تحديا وجوديا وهذا ما حدث مع الربيع العربي، الذي بدأ في شكل احتجاج على الحاكم المستبد، وأصبح مع مرور الوقت، ومع النضال المستمر ضد الثورة المضادة، يتحول فعليا إلى مشروع مستقبلي. وأضاف في دراسة حديثة له عنوانها "غزة تقاوم. . ربيع العرب يتجدد" أنه مع لحظة بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، كانت كل الخطوط تتشابك، وكانت المسارات تترابط، فأصبح مسار الاحتلال يترابط مع مسار الثورة المضادة، ومسار المقاومة يتشابك مع مسار الربيع العربي. ففي لحظة الحرب الكاشفة ضد قطاع غزة، تأكد أن الربيع العربي في مصلحة المقاومة، وأن الثورة المضادة والانقلاب العسكري في مصلحة الاحتلال الإسرائيلي. وتأكد من جديد أن كل أنظمة الحكم المستبدة تحقق مصالح العدو الإسرائيلي، وأن تحرر الشعوب ليس في مصلحة الاحتلال الإسرائيلي. وفيما يلي عرض لأهم القضايا التي تناولتها الدراسة:
هو الفرز مرة أخرى أوضح "حبيب" بداية أنه منذ الانقلاب العسكري في مصر، وعملية الفرز تمضي بشكل مستمر ومتراكم، لتفرز المنطقة العربية والإسلامية إلى فرقين، فريق الربيع العربي، وفريق الثورة المضادة، ومع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، أصبح الفرز بين فريق التحرر وفريق التبعية للمحتل. ومع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، انكشف التحالف بين الانقلاب العسكري في مصر والاحتلال الإسرائيلي، وهو لم يكن مخفيا عن الحراك الثوري الرافض للانقلاب، وأصبحت السلطة العسكرية في مصر تحشد مؤيديها لمناصرة الاحتلال الإسرائيلي والوقوف ضد المقاومة الفلسطينية. لافتا إلى أنه رغم التضليل والخداع، فإن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة فرزت بين جماهير تؤيد المقاومة وحق فلسطين في التحرر، وجماهير أخرى تؤيد الاحتلال تحت مبررات شتى. وأصبح جمهور الثورة المضادة، يحتاج للتضليل والخداع حتى يبرر موقفه، أما جمهور الربيع العربي، فالحقيقة تؤيده.
•حرب الاحتلال على غزة فتحت صفحة جديدة في سجل الربيع العربي ربيعا للثورة والمقاومة مشيرا إلى أنه لم يعد الفرز فقط على أساس سياسي، بل امتد الفرز إلى البنية الاجتماعية للمجتمعات العربية والإسلامية، وأصبح المجتمع يفرز من داخله، بين من يقف مع المقاومة، ومن يقف مع الاحتلال الإسرائيلي، أيا كانت مبرراته الخادعة.
الحرب الشرسة وأشار "حبيب" إلى أنه في ظل الحرب الشرسة على الربيع العربي، وأيضا الحرب الشرسة على المقاومة الفلسطينية، تحولت المواقف في المنطقة العربية، فغاب ما كان يسمى بمحور الممانعة، بعد أن أصبح منخرطا في مشروعه الطائفي، مما يعني نهاية هذا المحور. وتابع: غابت إيران وحزب الله والنظام السوري عن حرب الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، وكأنهم خرجوا من محور المقاومة، وبقيت المقاومة الإسلامية في صدارة المشهد، تمثل رأس حربة في المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، وخلفها الجمهور العربي والإسلامي، الحامل لمشروع النهضة والتحرر. وأكد "حبيب" أن المقاومة الإسلامية أصبحت تمثل المشروع الإسلامي وتمثل المشروع المقاوم، وتمثل أيضا مشروع التحرر بكل جوانبه، فأصبحت رأس حربة للربيع العربي، تخوض عنه معركة مهمة، ويخوض الربيع العربي عن المقاومة معارك مهمة أخرى. مضيفا: وغابت كل الحركات المتطرفة المسلحة عن المعركة، فهي ما زالت منشغلة بمعاركها الخاصة، والتي تعطي لها أولوية، ولم تدرك أن أولوية المعارك بحسب أهميتها بالنسبة لمصير الأمة. وأن هناك معارك مصيرية، إذا لم تخضها الأمة وتغيبت عنها، ربما تهزم في كل معاركها الأخرى.
محور التحرر والمقاومة ويرى "حبيب" أنه رغم تعدد المواقف والأطراف في صراعات المنطقة العربية والإسلامية، فإن مشهد حرب الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، يدفع نحو تشكل محورين في نهاية المطاف، محور التحرر والمقاومة، ومحور الاستبداد والاحتلال، وكل طرف ثالث لا ينتمي لأي من الطرفين، ربما يغيب في النهاية. فمعركة قطاع غزة في وجه الاحتلال، ليست من معارك السياسة التي يختلف حولها، ولكنها من المعارك المصيرية التي تحدد مصير الأمة كلها، لذا فإن الموقف من الحرب على غزة، يشكل واقعيا تيار التحرر وتيار التبعية، وبينهما سوف تكون المعركة النهائية.
•الاحتلال الإسرائيلي يريد نزع سلاح المقاومة حتى لا يصبح أمن سكانه رهنا بقرار المقاومة واعتبر "حبيب" أن كل من يقف مع تيار التحرر، ولكن لا يريد أن يكون معه، ولا يريد أن يؤيده أو يشاركه، قد يكون وجوده ودوره مؤقتا، وكل من يقف مع تيار التبعية دون أن يدري، أو يتصور أن بين التبعية والتحرر موقف ثالث، سيجد مصيره مرتبطا بمصير تيار التبعية.
الوطنية الزائفة كشف "حبيب" أن الثورة المضادة حملت العديد من الشعارات، وكان شعار الوطنية هو الغطاء الذي تتستر به، وفي حرب الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، تكشفت تلك الوطنية الزائفة التي يتستر بها الانقلاب العسكري في مصر، والثورة المضادة في بلاد الربيع العربي. وأن وطنية الثورة المضادة، ليست أكثر من نظرة سياسية استسلامية للأمر الواقع الذي يفرضه الغرب على المنطقة، وهي نظرة تعتبر إسرائيل أيضا أمرا واقعا يجب الاستسلام له. وسياسة الاستسلام، تفترض أن قبول الأمر الواقع هو الخيار المتاح والممكن. وحذر من أنها هي نفس الوطنية الزائفة، التي تقوم على التعصب، وتفصل الدول عن محيطها، في محاولة لتكريس الاستبداد والتبعية، وهي نفس مدرسة الاستسلام، التي دشنها الاستبداد العربي، حتى يؤمّن بقاءه في السلطة. فأصبحت الثورة المضادة تتبنى سياسة الاستسلام، حتى تحصل على الدعم الغربي والدعم الإسرائيلي. لذا فإن شعارات الوطنية التي حملها الانقلاب العسكري في مصر، لم تحمل أي مضمون، بل ظلت مجرد شعارات، تنشر حالة من التعصب والكراهية والنزاع في المجتمع، وأصبحت الوطنية الزائفة للحكم العسكري، تبرر كل أشكال القتل، وتبيح كل أشكال العدوان.
عملية الخداع وأوضح أنها هي نفس عملية الخداع التي يمارسها كل مستبد، فنجد شعارات وطنية براقة، ولكنها تحمي الاحتلال وتصادر حق المقاومة، وتؤسس لتبعية كاملة للقوى الغربية المهيمنة. تلك الوطنية الزائفة، ليست إلا شعارات فقط، بلا مضمون، وبلا مشروع، فهي غطاء يخفي حقيقة السلطة التابعة للغرب والاحتلال الإسرائيلي. وفي مقابل تلك الشعارات الجوفاء، تستمر المقاومة حاملة مشروع التحرر الحقيقي، وتستمر ثورات الربيع العربي، تحمل مشروع التحرر، وتصبح المقاومة والثورة معا، صورة متكاملة لا تتجزأ، فكلاهما جزء أصيل من مشروع تحرر أمة.
القضية المركزية وشدد "حبيب" على أن قضية فلسطين هي القضية العربية والإسلامية المركزية، وبعد الربيع العربي، أصبح لها موضع مهم في مسار حركة التحرر. فالاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، ليس إلا عنوانا للهيمنة الغربية على المنطقة، واستمرار هذا الاحتلال يستهدف إبقاء المنطقة العربية والإسلامية تحت الهيمنة الغربية. وأوضح "حبيب" أنه رغم أن العديد من الأنظمة العربية هي أنظمة تابعة للغرب، إلا أن الغرب خاصة الإدارة الأمريكية، تعتبر أن الاحتلال الإسرائيلي هو الحامي الأول لمصالحها في المنطقة، والذي تستطيع الاعتماد عليه، وتضمن عدم تغير موقفه التابع للغرب، فالاحتلال الإسرائيلي ليس إلا كيانا غربيا في الأساس. ولا يمكن للربيع العربي أن ينتصر إلا بالخروج من حالة التبعية للغرب، فالثورة هي تحرر من كل أشكال الاستبداد والاستعمار، لذا فثورات الربيع العربي لن تكمل مسارها إلا بالتحرر من الاستبداد الداخلي والاستعمار الخارجي.
المعركة مترابطة
•مع استمرار قدرة المقاومة على البقاء والصمود وتطوير أسلحتها بإمكانيات محلية، يواجه الاحتلال تحديا وجوديا مضيفا والعلاقة القوية بين كل أشكال الاستبداد الداخلي والهيمنة الخارجية، تجعل المعركة مترابطة، وتجعل كل تحرر داخلي يؤدي إلى التحرر من القوى الخارجية. كما أن كل موجات الثورة المضادة، لم تأتِ إلا بسلطة تابعة للغرب، بل وتابعة للاحتلال الإسرائيلي. محذرا من أن كل محاولات تجديد الأنظمة المستبدة السابقة على الربيع العربي، أدت إلى سلطة أكثر تبعية للغرب، وأكثر تبعية للاحتلال الإسرائيلي، مما يعني أن الاحتلال الإسرائيلي أصبح يمثل رأس حربة ضد الربيع العربي، وأنه الشرطي الحامي للمصالح الغربية، والمسيطر على الأنظمة العربية التابعة للغرب. ونبه "حبيب" إلى أن قضية المقاومة الفلسطينية هي نفس قضية الربيع العربي، أي التحرر. وكل خطوة في اتجاه التحرر تخدم القضية الفلسطينية كما تخدم مسار الربيع العربي، فكل انتصار لطرف يضيف لرصيد الطرف الآخر، كما أن كل تراجع لطرف، يسحب من رصيد الطرف الآخر. ولم يكن من الممكن أن يستكمل مسار الربيع العربي، دون أن تكون قضية فلسطين هي قضية مركزية لموجة الثورة، حتى وإن كانت أزمات الداخل، تؤجل أي دور فعلي في القضايا العامة. فمن غير الممكن أن يتحرر مجتمع من الاستبداد، وفي نفس الوقت يؤيد الاحتلال الإسرائيلي.
ميادين الحرية والمقاومة وكشف "حبيب" أن كل القوى أو الكتل التي لا تحمل قضية التحرر بمعناها الكامل، لم تبقَ في مسار الثورة، بل أصبحت مع الثورة المضادة والانقلاب العسكري، أي أصبح لها ثورة خاصة بها، ثورة لا تحرر مجتمعا، ولا تحرر أمة، وهي لهذا ليست ثورة. لقد كان مشهد ميادين الحرية في بداية الربيع العربي مرتبطا بمشهد مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، ولكن البعض لم ير هذه الصورة، وهذا الفريق لم يبق في صف الثورة، وأيد الانقلاب عليها. ومن كان يرى رابطا بين ما يحدث في ميادين الحرية ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي، بقى في صف الثورة. مؤكدا أن الثورة تتكشف وتنضج أكثر مع استمرار المعركة مع الثورة المضادة، فهي حركة تحرر للأمة، تحمل قضية التحرر بكل جوانبها، ولا يمكن أن يكتمل تحرر الأمة، من دون تحرير فلسطين وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي. ولا يمكن إنهاء التبعية للغرب، إلا بإنهاء دور شرطي الغرب في المنطقة، أي إسرائيل.
•المقاومة تغلبت على حصار السلطة العسكرية في مصر والحفاظ على قدراتها وتطويرها ورصد "حبيب" أن الاحتلال الإسرائيلي شن حروبه المتتالية على قطاع غزة، بهدف القضاء على قدرات المقاومة، وبالطبع منعها من تطوير تلك القدرات، وأيضا القضاء على البنية التحتية لحركات المقاومة، خاصة حركة حماس. وفي كل حروب الاحتلال الإسرائيلي، فشل في تحقيق أهدافه. والمقاومة الفلسطينية، ومنها حركة المقاومة الإسلامية حماس، تعمل على بناء بنية تحتية قوية للمقاومة، وتطوير سلاح المقاومة تدريجيا، حتى تظل المقاومة فاعلة في التأثير وقادرة على منع الاحتلال الإسرائيلي من تأمين احتلاله للأرض. مشيرا إلى أن حرب الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة بعد الانقلاب العسكري وحصار القطاع من قبل السلطة العسكرية، قامت على افتراض أن المقاومة يمكن أن تستسلم، مما يمكن الاحتلال بمساعدة حلفائه في السلطة العسكرية في مصر، من نزع سلاح المقاومة والقضاء عليها.
عبقرية المقاومة يرى "حبيب" أن المقاومة استطاعت أن تقلب المعادلة، عندما أظهرت قدرات نوعية جديدة، واستطاعت القيام بعلميات نوعية لها أثر عسكري مهم، مما يعني أن المقاومة الفلسطينية استطاعت التغلب على حصار السلطة العسكرية في مصر، والحفاظ على قدراتها وتطويرها. مع استمرار قدرة المقاومة على البقاء والصمود، وقدرتها على تطوير أسلحتها بإمكانيات محلية، يواجه الاحتلال الإسرائيلي تحديا وجوديا، فقد يجد نفسه أمام مقاومة تملك صواريخ لها قدرة توجيهيه أفضل، وقدرة نيران أفضل، فتصبح كل الأرض المحتلة تحت صواريخ المقاومة. لذا لفت "حبيب" إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يريد نزع سلاح المقاومة، حتى لا يصبح أمن سكانه رهنا بقرار المقاومة، والتي استطاعت هدم نظريات الأمن الإسرائيلي واحدة بعد الأخرى، فأصبح الاحتلال الإسرائيلي غير قادر عمليا على تحقيق الأمن. وسر نجاح المقاومة، وكل مقاومة في التاريخ، أنها تتمكن من تحقيق حالة ردع مع محتل يملك أسلحة متطورة وإمكانيات أكبر من المقاومة بكثير. فعبقرية المقاومة، هي في قدرتها على تحقيق الردع بإمكانيات أقل بكثير من الإمكانيات التي تتوفر للمحتل.
تحقيق الردع ويؤكد "حبيب" أن المقاومة تتمكن من تحقيق الردع، ثم تحقيق انتصارات، لأنها تحمل قضية، أما الاحتلال فليس لديه قضية، قدر ما يعمل على استعمار أرض الغير ونهب ثرواتهم، فجيش الاستعمار، يريد أن يحقق أهدافه ويحظى بالغنيمة التي نهبها ثم يعيش في أمان. والمقاومة تحمل قضية، وتحمل إرادة وقدرة على الصمود والبقاء والاستمرار، لذا فإن سلاح المقاومة الأساسي يكمن في إرادتها، فالمقاومة هي إرادة شعبية، وهي أيضا طاقة شعبية وحاضن اجتماعي، ومن خلال الإرادة يصبح سلاح المقاومة قادرا على ردع سلاح الاحتلال الذي يتفوق عليه عسكريا. ووصف "حبيب" الربيع العربي بموجة احتجاج شعبي تطلب التغيير، وهو موجة تعتمد أساسا على الإرادة الشعبية، كما أن الحراك الثوري بعد الانقلاب العسكري، يستند أساسا على الإرادة الشعبية، ويهدف لتحقيق توازن الردع مع آلة القمع الأمني، حتى يوقف تلك الآلة، ويمنع تأثيرها. وكل حركات التحرر، تعتمد على الإرادة الشعبية، وتنجح بالإصرار والعزيمة، وكل تحرر هو نتاج نضال شعبي مستمر، يحقق انتصارات متتالية، ثم يحقق لحظة توازن الردع مع المستبد أو المحتل، ثم يراكم الانتصارات التي تمكنه من هزيمة المستبد أو المستعمر.
استعادة الإرادة الشعبية ويرى "حبيب" أن الاحتلال الإسرائيلي في حربه على قطاع غزة، مثل كل حروبه، يستهدف المدنيين، وهو استهداف متعمد. والسلطة العسكرية بعد الانقلاب استهدفت المتظاهرين السلميين، وهو أيضا استهداف متعمد. هي حرب على المدنيين، لأن قوة الشعوب في قوة إرادتها الحرة. فالاحتلال الإسرائيلي يريد كسر إرادة أهالي قطاع غزة، حتى يكسر المقاومة، ويحطم حاضنها الاجتماعي، ويدفع الرأي العام ضد المقاومة. والانقلاب العسكري قام بعملية تضليل واسعة، حتى يجعل بعض عامة الناس تكره الثورة، وتفضل عودة الحكم العسكري، فهي حرب على إرادة الشعب. المستهدف إذن برأيه هو الإرادة الشعبية، وهي التي تبني المقاومة، كما تبني الثورات. والتحدي الذي يواجه المنطقة العربية والإسلامية، يتعلق أساسا بقدرة الشعوب على استعادة الإرادة الشعبية، لتصبح هي القادرة على تحديد المستقبل، وتتمكن الشعوب من تحديد مصيرها بنفسها. وكل الربيع العربي، هو محاولة لاستعادة الإرادة الشعبية للمعادلة السياسية، بحيث تكون الإرادة الشعبية هي صاحبة القرار، ويصبح للشعوب حق تقرير المصير. وكل فعل المقاومة، هو من أجل تحرير الإرادة أولا، حتى يتم تحرير الأرض.
•عبقرية المقاومة في قدرتها على تحقيق الردع بإمكانيات أقل بكثير من إمكانيات المحتل مؤكدا أن هذا ما تفعله غزة في قلب معركتها مع الاحتلال الإسرائيلي، وقلب معركة الثورة مع الثورة المضادة، فهي تعيد الإرادة الشعبية للمعادلة الإقليمية برمتها. فالربيع العربي وموجاته، وفعل المقاومة معا، يمثلان مسارا واحدا لاستعادة الإرادة الشعبية مرة أخرى. وعندما تمتلك الإرادة الشعبية القدرة على الردع، سواءً في المقاومة أو في الحراك الثوري، تصبح الشعوب رقما مركزيا في الحسابات الداخلية والخارجية. فمشكلة المنطقة العربية والإسلامية، أن الشعوب غيبت من معادلات السلطة والترتيبات الإقليمية لعقود طويلة. كل استعمار يعمل على تغييب الإرادة الشعبية وقهرها، وكل استبداد يعمل على تغييب الإرادة الشعبية وقهرها، لذا فكل تحرر هو استعادة للإرادة الشعبية، لتغيير معادلة القوة والتوازن، وتغيير معادلة الحكم، ومعادلة الوضع الإقليمي والدولي.
الخلاصة خلص "حبيب" إلى أن مقاومة عزة الصامدة هذه المرة، ليست مثل المرات السابقة، فقد جاءت في لحظة تراجع للربيع العربي، فإذا بغزة الصامدة تحمل راية التحرر، وتعيد تجديد الحالة العربية المقاومة، وتعيد أيضا تجديد حالة التحرر والثورة. فالمقاومة الإسلامية في قطاع غزة، استطاعت تأكيد أن إرادة المقاومة من إرادة الشعوب، وأنها إرادة فاعلة وناجزة. مما جعل المقاومة رقما مهما في المعادلة الإقليمية، أضعفت حضور الثورة المضادة لصالح الثورة. وبرأيه سوف تظل نجاحات الربيع العربي تتكامل مع نجاحات المقاومة، لتمثل مسارات متكاملة لعملية التحرر الشامل، التي أصبحت الأمة العربية والإسلامية في حاجة ماسة لها. فكل فعل على الأرض، يفكك من منظومة الاستبداد والهيمنة الخارجية، يضيف رصيدا جديدا للربيع العربي. فإذا كانت الحرية لا تتجزأ، فإن عملية تحرر الأمة العربية والإسلامية لا تتجزأ أيضا، فهي حلقات نضال تستمر، حتى تراكم انتصاراتها، وتحقق التحرر في النهاية.