أكد المفكر والباحث السياسي د.رفيق حبيب "أنه يظل سؤال الوقت ملحا على طرفي المواجهة بين الثورة والانقلاب العسكري، وقدرة الحراك الثوري على تجاوز سؤال الوقت، تتيح له القدرة على الوصول إلى هدفه النهائي، أي إسقاط الانقلاب، أما سلطة الانقلاب، فإن مسألة الوقت تصبح حاسمة لها، فكلما تأخر انتصارها، أصبح سقوطها حتميا. والانقلاب العسكري يسقط عندما تتحقق شروط معينة، والتي تمثل نهاية سلطته الفعلية على الأرض، مما يجعل مسألة الوقت تدور حول الظروف والعوامل التي تمكن الحراك الثوري من الإمساك بزمام الأمور، والتي تفقد سلطة الانقلاب قدرتها على الإمساك بزمام الأمور. * اعتماد الانقلابيين على البلطجية سبب تفشي الجريمة وغياب الأمن وأضاف في دراسة حديثة له عنوانها "متى يسقط الانقلاب..معالم لحظة الحسم" أن وهناك العديد من العوامل التي تؤخر سقوط الانقلاب، كما أن هناك عوامل أخرى تجعل الحراك الثوري قادرا على إسقاط الانقلاب، رغم تأخر سقوطه. فكل من الحراك الثوري وسلطة الانقلاب، لديهما مصادر قوة مختلفة، تحدد مراحل السقوط، ثم تحدد شروط لحظة نهاية المواجهة. لماذا لم يتحقق السقوط السريع؟ أوضح "حبيب" أنه في المرحلة الأولى من المواجهة بين الحراك الثوري والانقلاب العسكري، لم يتمكن الحراك من حصار سلطة الانقلاب سريعا لإسقاطها لعدة أسباب أهمها أنه كان انقلابا عسكريا بدعم شعبي وإشعاله النزاع الأهلي، والهروب من مرحلة السقوط الاقتصادي السريع، بسبب الدعم المالي الخليجي، والدعم الدولي الغربي المباشر أو المستتر، وعملية التضليل الإعلامي الواسعة، وإعلان الحرب على الإرهاب. لكنه سوف يسقط! في الوقت نفسه قال "حبيب" إن عدم سقوط الانقلاب العسكري في الأسابيع والشهور الأولى، لا تعني أنه قادر على البقاء والاستمرار، فقد استطاع الحراك الثوري تحقيق أسباب القوة في مواجهة سلطة قمعية أمنية، مما مكنه من تأسيس عوامل النجاح والانتصار عليها ووضع أسس بناء قاعدة ثورية غير قابلة للإجهاض. وتعد قدرة الحراك الثوري على التصعيد بعد كل موجة من موجات القمع الأمني، جعلته ليس فقط مستمرا، بل وقادرا على الحفاظ على قدرته التصعيدية وأصبح قرار التصعيد والاستمرار فيه، هو قرار الميدان الثائر، ولا تستطيع سلطة الانقلاب التحكم فيه. ورصد "حبيب" أنه رغم توافر عوامل القوة لدى سلطة الانقلاب، متمثلة في أدوات القمع، إلا أن الحراك الثوري استطاع تحقيق نقطة التعادل في القوة. فموجة التصعيد الثوري بين 27 ديسمبر 2013 و7 فبراير 2014، أكدت أن الحراك الثوري، أصبح يمتلك القدرة على فرض الحالة الثورية على المشهد السياسي، مما أوصله لتعادل القوة مع سلطة الانقلاب. تآكل قوة سلطة الانقلاب وناقش "حبيب" أن الانقلاب العسكري اعتمد على توفير دعم شعبي له، حتى لا يبدو أنه انقلاب عسكري متكامل الأركان. ولكن الدعم يتآكل ولا يمنحه شرعية. ونبه "حبيب" إلى أنه رغم أن النزاع الأهلي تعمق، وحرب الكراهية الأهلية انتشرت، إلا أن الاقتتال الأهلي لم ينتشر، وظل محدودا ومدفوعا من السلطة، وتحت حماية تنظيم البلطجية. مما أكد أن المجتمع غير مهيأ للدخول في مرحلة الاقتتال الأهلي، وهو ما أفقد سلطة الانقلاب، أهم عامل يمكن أن يحقق لها النجاح.
فمنذ اليوم الأول للانقلاب وغطاؤه الشعبي يتآكل، فلم يتمكن من إضافة شرائح جديدة تؤيده، ولم يتمكن من الحفاظ على الشرائح التي أيدته في اللحظة الأولى. مما جعل الغطاء الشعبي للانقلاب يتآكل بشكل مستمر، أيا كانت درجة التآكل ونوعه. والتآكل بالصمت، أو بالانسحاب من العملية السياسية. فزيادة الأعداد التي تعود إلى مربع السلبية السياسية، بعد أن تركته بعد ثورة يناير، يزيد مساحة الكتلة الصامتة، ويحرم سلطة الانقلاب من قطاعات يمكن أن تؤيده. استنزاف إعلام الانقلاب ويرى "حبيب" أن كتلة الحراك الثوري تتزايد، أيا كان المعدل، كما أن المنتمين لها لا ينسحبون من الاهتمام السياسي، فلديهم دافع سياسي متجدد. ومع تقلص كتلة الانقلاب، وتوسع كتلة الحراك الثوري، وتزايد الكتلة الصامتة، تصبح المواجهة بين الكتل الفاعلة فقط، وهو ما يجعل كتلة الحراك تتفوق. وأشار "حبيب" إلى أن وسائل إعلام الانقلاب تعرضت لعملية استنزاف ذاتي هائلة، بسبب تماديها في التضليل والتغييب، وفي سياسة الصوت الواحد، مما جعلها تفقد تأثيرها نسبيا، بعد أن أصبحت تكرر نفسها بصورة لم تعد مقنعة لبعض من تأثر بإعلام الانقلاب.
*تعرضت وسائل إعلام الانقلاب لعملية استنزاف ذاتي هائلة بسبب تماديها في التضليل والتغييب وفقدت تأثيرها وأوضح "حبيب" أنه مع تحول إعلام الانقلاب، إلى بوق للترويج للسلطة، والحاكم الإله، أصبح مثل إعلام ما قبل الثورة، مما يجعل صورته تنكشف لمن لا يؤيد الاستبداد. واستمراره في سياسة الترويج للتضليل والخداع تجعل جمهوره ينحصر في من يريد تصديق ما يقال، وينفر منه من يريد معرفة الحقيقة.كذلك الحملة الإعلامية الواسعة، للحض على الكراهية مع حملة التشويه والتضليل ونشر الأكاذيب، تمادت بدرجة كبيرة، جعلتها بعد ذلك ليس لها أي تأثير جديد. وقال "حبيب" إن سلطة الانقلاب استنزفت الدعم المالي الخليجي بسرعة كبيرة، مما وضعها في موقف صعب، خاصة وإنها استنزفته في حل المشاكل اليومية. وليس خدمة الاقتصاد مستقبلا، مما يعني أنها استهلكت فرصتها في الهروب من السقوط الاقتصادي. تآكل الداعم الغربي وكشف "حبيب" أنه مع تمادي سلطة الانقلاب العسكري في سياسة القمع الأمني، أصبحت تعرض الداعم الغربي لها للحرج، خاصة أمام الرأي العام الغربي. مما يجعل السلطة تتحول إلى عبئ على الداعم الغربي لها. كما أن استخدام القمع الأمني كوسيلة وحيدة، جعل البلاد معرضة لخطر الانزلاق للفوضى، وهو ما يهدد مصالح الغرب الداعم للانقلاب. لم تتمكن سلطة الانقلاب من تمرير أي تحول ديمقراطي مقيد أو موجه، كما كان يريد الداعم الغربي منها، مما جعلها تتجه لبناء سلطة مستبدة أمنية خالصة، وهو ما يهدد المنطقة العربية كلها بالدخول في مرحلة فوضى، تهدد الاحتلال الإسرائيلي والمصالح الغربية. فأصبح الداعم الغربي -خاصة الأمريكي- مرتبكا، لأنه لا يستطيع السماح بسقوط سلطة الانقلاب، ولا يقدر على حمايتها من السقوط، كما أنه لا يملك أي تأثير على الحراك الثوري. فأصبحت الدول الغربية بعد الانقلاب، في موقف حرج، لا تملك أي مخرج منه، ولا تعرف كيف تحمي مصالحها. أيضا أوضح "حبيب" أنه بسيناريو الإرهاب والحرب الأهلية، حاولت سلطة الانقلاب إضعاف المجتمع، حتى تفرض سلطتها، وقد نجحت نسبيا. ولكن مناخ العنف والإرهاب والكراهية، الذي يضعف المجتمع، سرعان ما يضعف الدولة، ويفكك حضور الدولة وفاعليتها. بدايات السقوط ورصد "حبيب" أن فحص طبيعة سلطة الانقلاب، يكشف عن مقومات فشلها الداخلي، ويتحول القمع إلى منهج عمل ضد المواطن العادي من قبل أجهزة الأمن، ثم كل أجهزة الدولة.
*أصبح قرار تصعيد الحراك الثوري والاستمرار فيه قرار الميدان الثائر ولا تستطيع سلطة الانقلاب التحكم فيه وتعتمد سلطة الانقلاب، على تعميق الشعور بالتفوق لدى أجهزة الجيش والقضاء والشرطة، على حساب المواطن العادي. ومع تمادي السلوك القمعي، تغيب دولة القانون، وينتشر قانون الغابة. فيحل منطق القوة محل منطق العدل، وهو ما يؤدي إلى انهيار المنظومة السياسية برمتها. وبين "حبيب" أن سلطة الانقلاب اعتمدت على شبكات المصالح، في الإعداد للانقلاب ثم في حمايته وفرض سلطته، والاعتماد على شبكات نظام ما قبل الثورة، يؤدي إلى تفشي الفساد بمعدلات ربما تفوق ما كان حادثا قبل الثورة، مما يعرض الدولة والاقتصاد، لنزيف حاد، لا يمكن وقفه. ومع تفشي الاستبداد والقمع والفساد، يصبح المسرح معدا لسقوط سلطة الانقلاب، لأنها تغيب وجود الدولة والنظام السياسي، وتفتح الباب أمام الفوضى. ويصبح الحراك الثوري هو الطريق الباقي للتخلص من سلطة الاستبداد والفساد، مما يجعله المخرج الوحيد. مرحلة السقوط ولفت "حبيب" إلى أنه مع استمرار الحراك الثوري، تتباين مواقف المجتمع، بين من يؤيد الثورة والتحرر، ومن يؤيد الاستبداد والعسكرة، ومن لا يهتم بأمور السياسة ويركز اهتمامه على تحسن أحواله المعيشية. وبين من يطلب الحرية، ومن يتنازل عن الحرية، ومن يبادل الحرية بالخبز، فيصبح المشهد معدا للحظة الحسم.
*اعتماد الانقلاب على شبكات نظام ما قبل الثورة يؤدي إلى تفشي الفساد بمعدلات ربما تفوق ما كان حادثا قبل الثورة وعندما يجد من تنازل عن الحرية من أجل الخبز، أنه فقد كل شيء، يكتشف أن الخبز لا يأتي دون حرية، ومع فشل سلطة الانقلاب في تحقيق تحسن في أحوال المعيشة، مع تفشي الفساد والمحسوبية والواسطة، تفقد السلطة أهم مبرر لبقائها. فالسلطة المستبدة تعتمد على مقايضة حرية عامة الناس، بتوفير سبل الحياة، فإذا فشلت في توفيرها، تكون قد سلبت من عامة الناس كل شيء. وكل سلطة مستبدة، تعِد الناس بالأمن، وتحاول أن تربط بين الحرية والفوضى، كما تحاول ربط الحراك الثوري بالفوضى. مما يعني أن السلطة المستبدة، تعتمد على توفير الأمن، حتى تكون هي البديل عن الفوضى. وتفشي النهج القمعي لا يمكن أن يحقق الأمن، لأن أجهزة الأمن تتفرغ للأمن السياسي فقط. وأكد "حبيب" أن اعتماد أجهزة أمن الانقلاب، على تنظيم البلطجية، يعد من أهم أسباب تفشي الجريمة وغياب الأمن. وعندما تفشل سلطة الانقلاب في تحقيق الأمن، تفقد من أيدها وتنازل عن حريته مقابل الأمن. وعندما يغيب الاستقرار، بعد غياب الأمن، تفقد سلطة الانقلاب كل من أيدها رغبة في تحقيق الاستقرار. ومجمل الظروف التي تحيط بسلطة الانقلاب، خاصة مع عودة شبكات المصالح، وغياب الأمن والاستقرار، يهدد بسقوط الاقتصاد، ومع سقوط الاقتصاد يسقط الانقلاب العسكري. ومع غياب أي تحسن في أحوال المعيشة وغياب الأمن والاستقرار، تفشل السلطة في تحقيق رغبات أغلبية المجتمع. ومع تزايد ضحايا السلطة مرة بعد مرة، يصبح الحراك الثوري هو المخرج من تلك الأزمات التي تسببت فيها السلطة. الخلاصة وانتهى "حبيب" إلى أنه يرتبط سقوط سلطة الانقلاب العسكري، بسقوط أوراقها واحدة بعد الأخرى، وسقوط مصادر قوتها، وأيضا سقوط وعودها، واحدا بعد الآخر. فلأنه انقلاب عسكري تم بدعم شعبي، واستخدم هذا الدعم كغطاء يحميه، لذا فإنه يسقط مع تقلص الغطاء الشعبي، وتقلص فاعلية التأييد الشعبي.
*بناء سلطة مستبدة أمنية خالصة يهدد بالدخول في مرحلة فوضى تهدد الاحتلال الإسرائيلي والمصالح الغربية ويظل الحراك الثوري حاملا حلم كل من يريد الثورة والتحرر الكامل، حتى يصبح أيضا المخرج الباقي لكل من تنازل عن الحرية من أجل الخبز أو الأمن أو الاستقرار، بعد فشل سلطة الانقلاب في تحقيق أي إنجاز. بسبب القبضة الأمنية، تكون القاعدة الشعبية للحراك الثوري، هي أول ضحايا سلطة الانقلاب، حتى يصبح غالب المجتمع من ضحايا تلك السلطة. وكلما توسعت دائرة المتضررين من سلطة الانقلاب، ينكشف عنها أي غطاء شعبي، مما يمهد لسقوطها. فلحظة سقوط الانقلاب العسكري، هي لحظة فشله في أن يكون سببا في تحقيق مطالب أغلب المجتمع، فيصبح الحراك الثوري هو المخرج الوحيد.