مع الضغوط الاقتصادية وارتفاع الأسعار وتراجع الدخول وعدم القدرة على تلبية احتياجات الأسر اليومية تصاعدت معدلات الطلاق فى السنوات الآخيرة بصورة تهدد بانهيار الأسرة وتفكك المجتمع المصرى . فى هذا السياق كشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن ارتفاع معدلات الطلاق بنسبة 3.1% فى العام 2024 مقارنة بعام 2023 . وأوضح الجهاز فى تقرير له أن حالات الطلاق أعلى في الفئة العمرية من 35 إلى 40 عامًا، والمطلقات بين 25 – 30 سنة، مشيرا إلى أن هناك ارتفاع واضح لمعدل الطلاق في الحضر مقارنة بالريف. واشار إلى أن حالات الطلاق ارتفعت إلى نحو 274 ألف حالة بزيادة 3.1% مقارنة بعام 2023، موضحا أن معدل الطلاق بلغ 2.6 لكل ألف نسمة على مستوى الجمهورية. وأكد الجهاز أن حالات الطلاق، كانت أعلى في الحضر بواقع 158 ألف حالة، بزيادة 5.1٪، مقابل 116 ألف حالة في الريف بزيادة 0.5٪، مما يعكس التباين بين المناطق الحضرية والريفية في نمط الحياة والضغوط الاجتماعية والأسرية.
تكاليف المعيشة
من جانبها أكدت أستاذ علم الاجتماع الدكتورة هالة منصور، إن ارتفاع نسب الطلاق ترتبط بصورة مباشرة بالأزمات الاقتصادية والضغوط المتراكمة على الأسرة، مشيرة إلى أن الضغوط المادية وارتفاع تكاليف المعيشة وتراجع القدرة على تلبية المتطلبات الأساسية تجعل الخلافات الزوجية أكثر حدة واحتمالات الانفصال عالية. وقالت هالة منصور، في تصريحات صحفية إن العزوف عن الزواج أصبح ظاهرة واضحة بين الشباب، نتيجة عدم القدرة على تحمل تكاليفه سواء ما يتعلق بالسكن أو التجهيزات أو المسئوليات المالية اللاحقة، كذلك لم يعد الأمر مقصورًا على طبقة اجتماعية دون أخرى، وإنما يمتد عبر مختلف المستويات الاجتماعية. وأشارت إلى عوامل اجتماعية موازية، تتمثل في تراجع صورة مؤسسة الزواج داخل المجتمع؛ إذ يتحدث كثيرون عن أعباء الحياة الزوجية وصعوباتها، مما يخلق حالة من النفور وخوفًا عامًا من الالتزام، إلى جانب استقلالية الفتيات وقدرتهن على الإنفاق على أنفسهن، وهو ما يجعل قرار الطلاق في بعض الحالات أسهل وأسرع من من أى وقت مضى.
وأرجعت هالة منصور الفوارق بين الريف والحضر، إلى انخفاض تكلفة الزواج نسبيًا في الأرياف مقارنة بالحضر، خاصة فيما يتعلق بالسكن ومتطلبات المعيشة، بالإضافة إلى قوة الروابط العائلية ووجود مرجعيات اجتماعية تضبط العلاقة الزوجية وتدعم استمراريتها .
مؤسسة الزواج
وشددت على أن الفئة العمرية تلعب دورًا مؤثرًا في معدلات الطلاق، مُوضحة أنه غالبًا ما يكون أعلى في السنوات الأولى من الزواج، حيث يرى بعض الأزواج أن الانفصال المبكر يقلل من التعقيدات المستقبلية قبل وجود أطفال، فيما ترتفع معدلات الزواج عادة بين سن 25 و35 عامًا، وهي الفئة العمرية التي تشهد أكثر درجات النضج والاستعداد لتكوين أسرة . وأوضحت هالة منصور أن التعليم والثقافة والخلفية العائلية جميعها تشكل حزمة من المؤشرات الاجتماعية التي تؤثر بشكل مباشر على الاستقرار الأسري، حيث يلعب مستوى التعليم والمستوى الاقتصادي ومدى الترابط داخل الأسرة دورًا جوهريًا في نجاح أو فشل العلاقة الزوجية. وفيما يتعلق بدعم الاستقرار الأسري، طالبت بضرورة العمل على إعادة بناء الوعي المجتمعي بقيمة مؤسسة الزواج، وتحسين صورتها في الإعلام والدراما، مع التركيز على إعداد الشباب، بنين وبنات، لتحمل أدوارهم المستقبلية كزوجين ووالدين، وليس فقط تجهيزهم مهنيًا، مؤكدة أن مؤسسة الزواج هي الركيزة الأساسية لاستقرار المجتمع . وأشارت هالة منصور إلى ضرورة تنسيق الجهود بين الأسرة والمؤسسات التعليمية والإعلامية والدينية لدعم هذه المؤسسة بشكل متكامل.
تجارب الفشل
وقالت أستاذ علم الاجتماع الدكتورة سامية قدري، إن الارتفاع الكبير في معدلات الطلاق داخل المجتمع المصري ينعكس بشكل مباشر على رغبة الشباب في الزواج، موضحة أن تكلفة الزواج المادية والاجتماعية أصبحت عبئًا ثقيلًا على الزوجين، وهو ما يدفع الكثيرين إلى مقارنة الحياة الزوجية مع الظروف حال عدم وجودها، خاصة في ظل الخوف من تكرار تجارب الفشل. وكشفت سامية قدري فى تصريحات صحفية أن جزءًا من الشباب يجد في الحياة الفردية قدرًا أكبر من الاستقرار، في وقت باتت فيه البدائل العاطفية والشخصية متاحة بشكل واسع خارج الإطار التقليدي للأسرة، مما يقلل من الدافع لتكوين أسرة جديدة لدى البعض. وأوضحت أن وظائف الأسرة تغيرت لدى بعض الفئات، فالوظيفة الإنجابية التي كانت قيمة محورية في الثقافة المصرية بدأت تتراجع أمام ارتفاع تكاليف المعيشة وتربية الأبناء، كذلك التوقعات العالية التي بات الشباب يحملونها عن الزواج، نتيجة التعرض المستمر لصور مثالية عبر الدراما ووسائل التواصل الاجتماعي، تؤدي إلى ما يعرف ب"صدمة ما بعد الزواج"، حيث يصطدم الطرفان بواقع مختلف تمامًا عن الصورة المتخيلة، مما يجعل الانفصال خيارًا أسرع.
تصور واقعي
وأشارت سامية قدري إلى أن تراجع الوصمة الاجتماعية للطلاق سهل من انتشاره، مؤكدة أن التدخل المفرط من الأهل وسوء الاختيار القائم على المظهر لا على التوافق الحقيقي يمثلان أيضًا أسبابًا رئيسية في ارتفاع معدلات الطلاق، خصوصًا في السنوات الأولى من الزواج. وأرجعت الفروق بين الحضر والريف في معدلات الزواج والطلاق إلى اختلاف بنية القيم الاجتماعية؛ موضحة أن الريف ما زال أكثر تمسكا بقيمة الزواج المبكر وباستمرار الحياة الأسرية رغم ارتفاع نسب الطلاق، على الرغم من امتداد تأثير الإعلام والدراما ووسائل التواصل إلى كل المناطق. وقالت سامية قدري إن مواجهة ارتفاع معدلات الطلاق تتطلب عملًا متوازيًا من مؤسسات التنشئة الاجتماعية وعلى رأسها الأسرة والمدرسة والإعلام والمؤسسات الدينية لإعادة بناء تصور واقعي للعلاقات الإنسانية، وتزويد الشباب بمهارات حياتية واجتماعية تمكنهم من التعامل مع الخلافات بصورة ناضجة ومستقرة.