مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار بالمرحلة الأولى من خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء حرب غزة، حيز التنفيذ بدأت أفواج النازحين بالعودة إلى القطاع عبر شارع الرشيد الساحلي، الذي فُتح خصيصا لتسهيل عودتهم، وذلك بالتزامن مع انسحاب قوات الاحتلال إلى ما يُعرف ب"الخط الأصفر"، ضمن بنود اتفاق السلام. ورغم تأكيد حركة حماس التزامها بتسليم الأسرى خلال الفترة المحددة وإصرارها على نجاح المرحلة الأولى من اتفاق خطة الرئيس ترامب التي تتمسك بها من أجل إنهاء الحرب ، إلا أن المرحلة الثانية من الاتفاق تواجه تحديات معقدة تتجاوز الإطار السياسي إلى العمق الأمني والميداني خصوصًا في ظل غياب اتفاق واضح حول قضية تسليم سلاح المقاومة الفلسطينية . فى المقابل أعلن ترامب خلال لقائه بأعضاء إدارته في البيت الأبيض ، أن المرحلة الثانية ستكون "نزع السلاح"، وذلك بعد توقيع كافة الأطراف في شرم الشيخ على المرحلة الأولى من الاتفاق. يُشار إلى أن خطة ترامب تضمنت في نقاطها العشرين نزع سلاح حماس وتشكيل إدارة دولية انتقالية باسم مجلس السلام برئاسته الشرفية لإدارة غزة، على أن يُبحث ملف السلاح في المرحلة الثانية من الخطة. كان مسئول في حركة حماس قد أكد أن مطلب نزع سلاح الحركة الوارد في خطة ترامب بشأن غزة "خارج النقاش تمامًا"، مشددًا على أن موضوع تسليم السلاح غير وارد. وقال المسئول، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، إن الحركة ترفض إدراج هذا البند ضمن أي تسوية سياسية.
الشعب الفلسطينى
فى هذا السياق أكد الكاتب والمحلل السياسي عمرو حسين، أن تسليم سلاح المقاومة يعد النقطة الأخطر وقد تحدد مصير أي تهدئة أو تسوية نهائية، مشددا على أن أي فلسطيني لن يقبل بتسليم السلاح لأن الشعب الفلسطينى أحوج ما يكون للسلاح والمقاومة . وقال حسين فى تصريحات صحفية ان الضمانات الدولية الفعلية لنجاح اتفاق السلام ما زالت محدودة الطابع، إذ تعتمد حتى اللحظة على آليات رقابية سياسية دون وجود قوة تنفيذية أو تفويض دولي ملزم، لافتًا إلى أن التجارب السابقة في مناطق النزاع تُظهر أن غياب آليات الردع والمراقبة الميدانية الفعّالة يجعل من أي اتفاق هشّا وقابلا للانهيار في أي لحظة. وأعرب عن اعتقاده بأن التهديد الأكبر للسلام يتمثل في استمرار الخلاف حول ملف السلاح وإعادة الإعمار، مشيرًا إلى أن جدية التزام دولة الاحتلال ترتبط بعوامل داخلية وضغوط دولية، وأن الكيان الصهيونى كثيرًا ما يتعامل مع الاتفاقات بمرونة تكتيكية وفق مصلحته الأمنية، وليس من منطلق التزام استراتيجي طويل المدى.
قوة أممية
وعن احتمال تدخل قوة أممية للتصدي لدولة الاحتلال في حال محاولتها إفشال اتفاق السلام، أكد حسين أن فشل تنفيذ الاتفاق قد يدفع المجتمع الدولي للتفكير في إرسال بعثة مراقبة أممية أو قوة محدودة التفويض، لكن احتمال تدخل قوة أممية قتالية للدفاع عن أهالي غزة يظل ضعيفًا للغاية، نظرًا لحساسية الموقف داخل مجلس الأمن وصعوبة الحصول على تفويض جماعي يسمح بنشر قوات ذات صلاحيات قتالية، مشيرًا إلى أن السيناريو الأقرب هو بعثات رقابية وإنسانية، وليس قوات مواجهة مباشرة. وشدد على أن الأطراف الإقليمية، تلعب دورًا محوريًا في ضمان تنفيذ الاتفاق ومتابعة بنوده على الأرض، لكن ذلك يجب أن يتكامل مع مظلة دولية تشمل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة لتأمين التزامات طويلة الأمد. وقال حسين إن الطريق إلى سلام حقيقي في غزة لن يُبنى على وعود أو تفاهمات مؤقتة، بل على آليات تنفيذية واضحة ومراقبة دولية صارمة على دولة الاحتلال، وربط كل بند من بنود الاتفاق بمكافأة أو عقوبة محددة، محذرا من أنه بدون ذلك تبقى كل التسويات حبرًا على ورق، ويظل السلام مؤجلًا إلى إشعار آخر.
رؤية صهيونية
وقال المحلل السياسي محمد الأخرس: من المخزي أن يتبنى أي فلسطيني أو عربي مطالب الاحتلال بشأن سلاح المقاومة، مشيرا إلى أن الاحتلال نفسه كان قد عرّف هذا السلاح – منذ بداية الحرب – بأنه يشمل الأنفاق الهجومية، وصواريخ الكورنيت المضادة للدروع، والصواريخ التي تستهدف عمق الأراضى المحتلة . وأضاف الأخرس في منشور على حسابه ب"فيسبوك" أن الاحتلال زعم في منتصف عام 2024 أنه حيد هذا السلاح ودمّر كتائب المقاومة، لا سيما عندما أعلن في 12 سبتمبر 2024 القضاء على "لواء رفح"، متسائلًا: إذا كانت دولة الاحتلال تعتبر أنها أنجزت هذه المهمة، فلماذا يصرّ البعض على مطلب نزع السلاح؟! واعتبر أن الحديث عن نزع سلاح المقاومة هو تبنٍّ واضح للرؤية الصهيونية وشرعنة للعدوان، مؤكدًا أن السلاح ليس قرارا تنظيميًا، بل حق لشعب يقاوم الاحتلال.
غير قابل للتطبيق
وأكد الباحث العراقي لقاء مكي أن مطلب نزع السلاح ليس هدفًا حقيقيًا لدولة الاحتلال، بل وسيلة لاستمرار الحرب ومواصلتها فى أى وقت تحت هذه الذريعة . وقال مكي في تغريدة على منصة "إكس" (تويتر سابقاً): مشكلة دولة الاحتلال ليست في المقاومة، بل في غزة ذاتها. ولأن البحر لن يغرقها كما تمنى رابين، فلماذا لا يتم إفراغها من سكانها؟ . وأضاف: دولة الاحتلال تعرف أن نزع السلاح غير قابل للتطبيق، بل وتُدرك أنه سيقود إلى مقاومة أشدّ. ما تريده فعلًا هو تشتيت الشعب الذي صنع المقاومة واحتضنها، وخلق واقعا جديدا في غزة .
المقترح المصري
وأعرب المحلل السياسي ياسر الزعاترة عن استغرابه من تضمين البند المتعلق بالسلاح في المقترح المصري، رغم غيابه عن وثيقة "ويتكوف" الأمريكية، متسائلًا: هل يُعقل أن يضغط كل قادة الكيان على نتنياهو لوقف الحرب دون التطرق لسلاح المقاومة، ثم يأتي السيسي ليُهديهم هذا الشرط على طبق من ذهب؟!. وقال الزعاترة في تغريدة على منصة "إكس" (تويتر سابقاً)، أن نتنياهو لا يزال يتحدث عن سلاح الجيش المصري نفسه، ويتوسع في عدوانه على الضفة وسوريا ولبنان، ثم يُطلب من حماس أن تُسلّم سلاحها، كأنها تملك قنابل نووية!.