ضرورات الحياة الإنسانية، لا مقومات من مقومات الحضارة فقط، بل أصبح شيئا من لزوم ما يلزم من الناحية الفكرية والاجتماعية والوقائية. بل من الناحية المادية كذلك ووسائل الإعلام قديمة قدم العالم على اختلاف فى الوسائل والأساليب وفق تطورات الحياة الإنسانية". ولقد عشت فترة الخمسينيات فرأيت فيها أن الإخوان المسلمين أعدوا رجالا إعلاميين بحق جمعوا بين الإيمان والعلم، وكان الواحد منهم يكتب المقال أو يؤلف الكتاب أو يطرح تمثيلية أو يكتب قصة. إن كل ما كانوا يسجلونه كان غاية فى الإبداع، بل والعطاء؛ فقد كانوا بحق فى هذه الجوانب هداة وقادة وروادا، وفى محنة 1954 امتدت إليهم يد الغدر والحقد والعمالة والإجرام، كما امتدت إلى غيرهم فاضطروا إلى الخروج من مصر وشغلوا مناصب إعلامية مهمة فى هذه البلاد وأصلحوا ما كان فاسدا وجددوا جوانب الحياة بعلمهم وإيمانهم وأخلاقهم وهكذا يكون الإعلامِىُ الحقيقى مصدر خير ودليلا على طريق الله. ومن هنا فلا بد لرجل الإعلام أن يكون صادقا أمينا حريصا على أمته، يهتم بها، ويحرص على مصالحها، تُذكر رؤيته بالحق الذى يحمله وبالأخلاق التى يتحلى بها، وماذا تصنع الأمة برجل يزعم أنه إعلامى لكنه يحتاج إلى الأدب العالى وإلى الأخلاق وإلى أولويات العلم التى تؤهله حقيقة لذلك إنه يصبح شرا لا خير مفسدا لا مصلحا، ضارا لا نافعا، يزيف الحقائق ويقلب الموازين ويدعو للشر ويسميه خيرا، ويعبد الدينار والدرهم، والرسول -صلى الله عليه وسلم- حذرنا من عبادة الدنيا فقال: "تعس عبد الدرهم تعس عبد الخميصة تعس عبد القطيفة تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتفش". فلا بد إذًا من التعهد بالتربية على الإسلام للنفس وللغير، واتخاذه ميزانا لكل أمر فى كل الظروف والمناسبات والأحوال والجهات.. فالإسلام ليس مفروضا من هيئة أو مؤسسة، ولا يقتصر على الوعظ النظرى وإظهار الموافقة والرضا بالظواهر والوجود فى المواسم العامة. ورفع الصوت به وبشعاراته.. وكم وقع هؤلاء -إهمالا واستجهالا واستحلالا- فى تحليل حرام وتشويه حقيقة وتعطيل قاعدة وإثارة قضايا لشغل الرأى العام مثل الحجاب أو النقاب والجرأة على الله ورسوله والإمعان فى السفور والسير وراء الهوى ومهاجمة المصلحين والعاملين ومحاولة تعطيل كل ما يتصل بالشريعة الإسلامية فإذا قيل الإسلام هو الحل بدأ فحيح الأفاعى يُسمع فى كل مكان لمحاربة هذا الأمر والخوض فى دين الله بسوء قصد وبلا أدب ولا احترام لمنهج الله عز وجل. فقد قاست الحركة الإسلامية وما زالت تقاسى من هؤلاء الذين لا يتوبون إلى الله ولا يستغفرونه ولا يتقون الله فى القلم الذى فى أيديهم ولا يستحيون من الأباطيل التى يرددونها، هذا ينطبق على البعض لا على الجميع، ولا بد أن تنمو الشجرة التى تورق وتثمر وتظلل وتجد الأمة تحتها راحتها واستقرارها بدلا من الأباطيل التى تتردد من البعض كل يوم وهى مخزية يتألم الرجل العادى من سماعها ويحزن البعض من الهُوة التى تردَّوا فيها؛ مثل دفاع البعض اليوم بلا أدنى حياء عن العهد السابق الذى طغى وبغى وقهر عباد الله وأودعهم فى السجون ورمل نساءهم ويَتم أطفالهم وسرق أموالهم وأقواتهم وأسكن الناس فى القبور أحياء وهذه الظاهرة ننفرد بها عن بقية العالم. يدافع البعض عن المجرمين العتاة الذين نهبوا كل شىء وزوروا كل شىء وتطاولوا على كل شىء، وحين يمن الله علينا بمن يحاول أن يرد الظلم عنا وأن يضع البغى والباغين تحت التراب وأن يطهر الأمة من الشرور والآثام وأن يدفعها إلى العمل وأن ينهض بها، قام هذا البعض -للأسف الشديد فى أجهزة الإعلام بلا حياء ولا أخلاق- يصدُ عن الحق ويدافع عن الباطل وهو هزل ما بعده هزل. اشغلوا أقدامكم وبرامجكم فى الدفاع عن أهل سوريا الشقيق الذين ذبحهم حزب البعث جهارا نهارا بلا سبب سوى التهور والعدوان المقصود على الإسلام وأهله وعلى العلماء والفقهاء معركة يطاح فيها بالألق ويشرد فيها الباقون ولا يجدون مكانا يلجئون إليه، أليس فى برامجكم وصُحفكم كلمة واحدة أو عدة دقائق تطالب بوقف هذه المجازر، إنى أتهم هؤلاء بالصمت عن عمد وما هو موقفكم من قضية فلسطين وما يفعل بها التزمتم طريق المخلوع الذى يستقبلهم ويقبلهم ويقبلونه يا للتعاسة ويا للألم كيف وصلنا إلى هذا الحد، أما شبعتم من كلام تنشرونه وتقولونه يفضى بكم إلى الهاوية حرب العاملين للإسلام حرب لرجال الدين {مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ ومِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ومَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23)} [الأحزاب]. حقيقة أحب أن أسأل ما هو الجرم الذى ارتكبه العاملون للإسلام قديما وحديثا شرقا وغربا دُلونا عليه حتى نجتنبه ماذا فعل العاملون للإسلام سوى الدفاع عن الأمة بأموالهم وأنفسهم والسهر من أجل راحتها واستقرارها وصيانتها إنهم ينفذون ما أمرهم به رسولهم «من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم». وقد فتح العاملون للإسلام من قديم المدارس والمستشفيات والمستوصفات وجعلوها شبه مجانية لإنقاذ الطبقة الفقيرة وتهيئة المجال لتعليم البعض وتثقيفه، تركتم كل هذا وشُغلتم بالباطل ورددتم كلمات مهلكة وأكثرتم من ترديدها: الدين لله والوطن للجميع، فهل صار الوطن شريكا لله فالدين لله والوطن لله والجميع لله كلهم عبيد {وكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَرْدًا (95)} [مريم] رددتم كلمات باطلة لا دين فى السياسة ولا سياسة فى الدين كلمة قالها مخمور جاهل لا يعرف عن الإسلام ولا غير الإسلام شىء. أجعلتموها أنتم نظما وقوانين وقلتم عن الذين يعملون للإسلام ويدينون بالحق عملاء ومرة أدعياء أما تستحون أما تعقلون أما تفكرون ولو لحظة فيما تقولون؟! إنها محنة الإعلام الذى سيطر الباطل على أكثره وقاده الشيطان إلى الهاوية يُسئل بعضهم هل أنت على علاقة بإسرائيل فيقول بكل فخر نعم، فهل بعد هذا من استهتار، إن الذى يسير فى هذا الطريق سيندم. إن عاش عاش كئيبا حزينا تافها ولو كانت معه كنوز الأرض إن هؤلاء وأمثالهم لهم يعملون ليل نهار لا لصالح هذه الأمة، بل يعملون لحساب الشيطان ويبذلون كل ما فى وسعهم من وسائل لإبعاد هذا الحق وسيطرة أى شىء آخر علمانية أو شيوعية أو مدنية أى شىء إلا الإسلام إنهم ساء ما كانوا يعملون إن هؤلاء هدفهم واضح مطاردة الدين فى أى مكان ووضعه فى عالم النسيان وإهماله وحرف الأمة عنه. ولقد أراد الله عز وجل لهذا الدين رغم أنف المعاندين له أن يستقر فى النفس عقيدة، والضمير عبادة، وفى التصور شريعة، وفى الحياة سلوكا، وفى المجتمع واقعا وبين الناس رباطا وثيقا وصلة عميقة ومع غير المسلمين مواقف محددة، واضحة نظيفة، سلكا وحربا قال تعالى {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ بِإذْنِ رَبِّهِمْ إلَى صِرَاطِ العَزِيزِ الحَمِيدِ (1)} [إبراهيم]، وقال تعالى {اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ ولا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ (3)} [الأعراف]. إنه دين سماوى إلهى ينبع من الداخل لا يباع فى سوق ولا يشترى من حانوت إنه وحى الله الخالد ودستوره الذى لا دستور بعده ولا قبله. ولذلك فإن الملتزم لا يرضى بغيره بديلا حتى ولو كانت كنوز الأرض. ولذلك فهو يقف عند حدوده حاملا لأعلامه، سائرا فى موكب جنوده، يعض عليه بالنواجز فى أقسى الأحوال والظروف. قال صلى الله عليه وسلم: «ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يأتيك الموت وأنت على ذلك» ففى الالتزام بهذا الحق صلاح الدنيا ونعيم الأخرة وفى التمسك به سمو فى الأخلاق وشرف فى المقصد والغاية من ذلك الله جل جلاله. الله أكبر ولله الحمد.