قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم : (الحياء شعبة من الإيمان) متفق عليه. و قال الحافظ ابن حجر العسقلاني – رحمه الله – في فتح الباري في تعريف الحياء : (خُلق يبعث صاحبه على اجتناب القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق). و بهذا التعريف نفهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الحياء لا يأتي الا بخير ) متفق عليه. و في رواية أخرى (الحياء كله خير) صحيح مسلم. قد يستغرب البعض كيف الحياء كله خير و قد يمنع صاحبه من الحق أحيانا ؟ أولا : اعلم ان هذا الخبر جاء عن نبينا صلى الله عليه وسلم و هو الذي لا ينطق عن الهوى ان هو إلا وحي يوحى و هو حق و يجب التصديق به. ثانيا : للعلماء كلام جميل في تفسير هذا الإشاكل , و من الذين وضحوا هذا الأمر الإمام النووي – رحمه الله – , قال : (وأما كون الحياء خيراً كله ولا يأتي إلا بخير فقد يُشكل على بعض الناس من حيث إن صاحب الحياء قد يستحي أن يواجه بالحق من يجلُّه ، فيترك أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ، وقد يحمله الحياء على الإخلال ببعض الحقوق ، وغير ذلك مما هو معروف في العادة .وجواب هذا ما أجاب به جماعة من الأئمة ؛ منهم الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله : أن هذا المانع الذي ذكرناه ليس بحياء حقيقة ، بل هو عجز وخور ومهانة ، وإنما تسميته حياء من إطلاق بعض أهل العرف ، أطلقوه مجازاً لمشابهته الحياء). و ما دام انه عليه الصلاة والسلام أمرنا بهذا الخلق فلا بد أنه إلتزمه صلى الله عليه وسلم. فهذا الصحابي الجليل أبو سعيد الخدري – رضي الله عنه – يخبرنا عن خلق الحياء في رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقال : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها وكان إذا كره شيئا عرف في وجهه) متفق عليه. و أيضا الرسول صلى الله عليه وسلم يخبرنا عن موسى عليه السلام , فوصفه قائلا : (كان رجلاً حيياً ستيراً لا يُرى من جلده شيء ؛ استحياءً منه) صحيح البخاري. فكان عليه الصلاة والسلام يأمر بالخلق الحسن و يطبقه تطبيقا عمليا ليكون قدوة حسنة لكافة الناس , و هذا تعليم من رسول الله عليه الصلاة والسلام انه يجب ان تعمل بما تقول و تجاهد نفسك على مكارم الأخلاق و عدم الإكتفاء بالأمر بالخلق الحسن فحسب و لا تعمل به , و قد حذر الله جل جلاله و تقدست أسماؤه في كتابه العزيز في مواضع كثيرة من أن تقول ما لا تفعل , فقال : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ) و (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ). و ثمرة العلم هو العمل. فالتعلم وسيلة للفهم و من ثم هذا الفهم يؤدي إلى العمل و دعوة الآخرين للبر و التقوى و الصبر على هذا الفعل و هذا مما يورث السعادة في الدارين , و قد يغفل بعض الناس حين يكون همه الوحيد و شغله الشاغل ان يتعلم و يتفوق على أقرانه و كأنه جعل هذا التعلم غاية لا وسيلة , و هذا خطأ فإن التعلم وسيلة للعمل و وسيلة لنشر الخيرات و بهذا يكون وسيلة لدخول الجنات بإذن الله تعالى. و ما يجهله كثير من الناس ان الحياء خلق الاسلام ! قال صلى الله عليه وسلم : (ان لكل دين خلقا و خلق الاسلام الحياء) رواه ابن ماجه و صححه الألباني. و قد يتعجب البعض هل هناك اخلاق اسلامية و اخلاق غير اسلامية ؟ كما ان اندهش البعض عندما سمع ان في الكليات و المعاهد الدينية يدرسون مادة اسمها ( الأخلاق الاسلامية ) ! فالجواب , أولا : جاء عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم انه قال ( خلق الاسلام الحياء). فدل ان هناك خلق اسلامي و خلق غير اسلامي. ثانيا : المتداول و المتعارف عليه عند الناس انهم يقولون عن شخص ذي خلق طيب ان أخلاقه طيبة و حميدة , و اذا رأوا شخصا آخرا ذا خلق سيئة يقولون ان أخلاقه سيئة و قبيحة. فالأخلاق الاسلامية كل خلق حسن ارتضاه الله لنا , و الأخلاق السيئة هي التي لا تمت للإسلام بصلة لا من قريب ولا من بعيد و هي التي نهى الله عباده عنها. و لهذا لا نتعجب من بعض الكفار اذا تخلقوا بأخلاق حسنة , أو اذا بعض المسلمين تخلقوا بأخلاق سيئة , فهذا راجع الى سلوك و أخلاق الأفراد بأعيانهم سواء كانوا مقصرين أو مجتهدين في تحسين أخلاقهم , فلا يجوز الطعن في الإسلام من أجل تقصير المسلمين في سلوكهم و أخلاقهم , و كذلك لا يجوز وصف الكفار أنهم على دين الحق من أجل حسن أخلاقهم. و العجيب و الغريب في الأمر ان بعض المقصرين – هداهم الله – عندما يذهبون إلى بلاد الغرب يندهشون بأخلاقهم و يتعجبون , ثم يتكلمون عن حسن أخلاقهم بتعمق و تفاصيل و بعد ذلك نجد هؤلاء المتكلمين ينهون عن خلق سيء و يأتون مثله , و يأمرون بخلق حسن و يهجرونه ! قلة الحياء يقسي القلب و يجعل صاحبه بعد ذلك يبغض الحق , و هذا مما يورث الكبر و العجب , و قد أخبر الله تعالى عن بني اسراءيل فقال (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) , أسباب هذه القسوة كثيرة لكن أساسها و رأسها عدم الحياء من الله. و ما أحسن ما قيل : إذا قلَّ ماءُ الوجْهِ قلَّ حياؤه *** ولا خير في وجه إذا قلَّ ماؤه حياءَك فاحفظه عليك فإنما *** يدل على وجه الكريم حياؤه قال الفضيل بن عياض (خمس من علامات الشقاء : القسوة فِي القلب وجمود العين وقلة الحياء والرغبة فِي الدنيا وطول الأمل). و ثمرة و نتيجة قلة الحياء بينها كذلك الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم , فقال : (مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فافعل ما شئت) صحيح البخاري. قال الحافظ ابن رجب في شرح هذا الحديث : (في معناه قولان : أحدهما : أنه ليس بمعنى الأمر أن يصنع ما شاء ، ولكنه على معنى الذم والنهي عنه ، وأهل هذه المقالة لهم طريقان : أحدهما : أنه أمر بمعنى التهديد والوعيد ، والمعنى : إذا لم يكن حياء ، فاعمل ما شئت ، فالله يجازيك عليه .. والطريق الثاني : أنه أمر ، ومعناه الخبر ، والمعنى : أن من لم يستحي ، صنع ما شاء ، فإن المانع من فعل القبائح هو الحياء ، فمن لم يكن له حياء ، انهمك في كل فحشاء ومنكر).