" بك هم ولا أزيده" مثل عربي قديم، ينطبق بحذافيره على حال المصريين، حاليا وسط أزمة كهرباء حالكة تهدد حياتهم وسلامتهم، وتجعلهم يعيشون في ظلام دامس لساعات طويلة، وقطع عشوائي للتيار، وتوقف للمصانع، وخراب سيستم التعليم والجمارك والمستشفيات وغيرها، و باتت شوارع مصر في ظلام حالك، ومحالهم مؤصدة من العاشرة مساء رغم حرارة الصيف القائظ، والتي تحظر النزول من المنازل قبل السابعة أو الثامنة مساء، ورغم كل ذلك المرار، إلا أن القادم ما زال أسوأ، وذلك وفق ما كُشف عنه بالأمس، من تهديد صريح من شركة سيمنز الألمانية التي تدير أكبر محطتي توليد طاقة كهربائية في مصر، من الانسحاب من المشاريع بمصر، بسبب عدم حصولها على المستحقات المالية المؤخرة لها. فقبل وصول صفقة الغاز المسال إلى الشبكة الوطنية للعمل بكامل طاقتها بهدف الحد من انقطاع التيار الكهربائي، بدأت تلوح أزمة جديدة مع شركة سيمنز الألمانية، أكبر شريك أجنبي لإنتاج وتوليد الطاقة في مصر. إذ تطالب سيمنز من الحكومة سرعة استلام المشروعات التي مولت إقامتها وتديرها حاليا بالعاصمة الإدارية وبني سويف، مقابل الحصول على مستحقاتها المالية، قبل أن تتوقف رسميا عن تشغيل وإدارة وصيانة أكبر محطتين يوفران نحو ثلث قدرات التوليد المنتجة بشبكة كهرباء مصر. وهو ما يمثل كارثة غير مسبوقة بتاريخ الدولة المصرية، التي سبق وأن تباهى قائد الانقلاب العسكري بها بإنجازاته في مجال الكهرباء وبناء محطات التوليد، إلا أنه انفضحت فناكيشه ومشاريعه الوهمية غير المخططة وعديمة الجدوى الاقتصادية. وتفاقم ديون الحكومة لسيمنز من أزمات الديون والمتأخرات المالية لشركات البترول والطاقة. وهو أيضا ما يكشف عن أزمة جديدة في ملف نقص الغاز المتصاعد منذ عامين، مع عدم قدرة الحكومة على تشغيل محطات وشبكات توزيع أنفقت عليها 620 مليار جنيه، من قروض محلية وأجنبية على مدار عشر سنوات. وتأتي ضغوط سيمنز أثناء محاولات لوضع الحكومة الجديدة حلولا لأزمتي الكهرباء والغاز على قمة جدول أعمالها بالفترة المقبلة، وسط انخفاض حاد بعائدات قناة السويس والتزامات خارجية بسداد نحو 32.5 مليار دولار قيمة فوائد وأقساط الدين، قبيل نهاية العام، وحاجتها الماسة للدعم المالي للسلع الأساسية، وشراء المزيد من صفقات الغاز والوقود لتشغيل محطات التوليد، وسط تذبذب إمدادات الغاز من إسرائيل والحقول المحلية. وضعت شركة "سيمنز" الألمانية الحكومة في مأزق، حيث طلبت من وزارة الكهرباء استلام محطتي توليد كهرباء العاصمة الإدارية وبني سويف بقدرة 4800 جيغاواط لكل منهما، مع حلول موعد انتهاء عقد الإدارة والتشغيل والصيانة للمحطتين أول يوليو الجاري. وترفض سيمنز الالتزام بتشغيل المحطتين، بعد انتهاء مدة العقد التكميلي الذي وقعته مع وزارة الكهرباء عام 2016، الذي ينفذ عبر مكتب سيمنز للشرق الأوسط بالقاهرة، لمدة ثماني سنوات، ويقضي بتأجيل سداد قيمة الأقساط السنوية لتكلفة شراء المحطتين بقيمة 6.2 مليارات يورو، لحين انتهاء عقد الإدارة والتشغيل. تُعمق أزمة الغاز مخاوف سيمنز من الاستمرار في تشغيل المحطتين اللتين توفران 9600 جيغاواط، تمثل 30% من قدرات التوليد المنتجة، خصوصا مع شكوك المستثمرين بقدرة الحكومة على مواجهة العجز المالي وتلبية احتياجات الشركاء الأجانب في مشروعات الغاز والكهرباء من العملة الصعبة، في ظل تراكم الديون لموردي الغاز والوقود، بنحو 6 مليارات دولار، عدا 15 مليار دولار تمثل قيمة أقساط قروض أجنبية لمحطات التوليد. وكانت الحكومة قد طرحت المحطتين للبيع لمستثمرين عرب وأجانب عقب بنائهما عام 2018، حيث أبدت شركات بلاك ستون الأميركية وبتروناس الماليزية و"إدرا" الصينية للمحطات النووية، في مايو 2019، اهتماما بشراء المحطتين. تعطلت إجراءات إتمام الصفقة عدة مرات بسبب انخفاض قيمة العروض المقدمة من المشترين الأجانب إلى نحو 1.2 مليار دولار، بما يوازي 25% من التكلفة الكلية للمحطة. كما بدلت الحكومة بيع محطتي جبل الزيت والزعفرانة لطاقة الرياح إثر فشلها في بيع محطتي التوليد الحراريتين، ضمن برنامج الطروحات الحكومية عامي 2023-2024. زادت الهوة بين المشترين والصندوق السيادي الذي آلت إليه ملكية المحطتين عام 2020، مع تقادم عمر المحطتين، وبروز مشكلة نقص الغاز، وعدم قدرة الحكومة على ضمان تدبيره من الشبكة الوطنية للغاز، وتأجيل برنامج رفع أسعار الكهرباء، الذي كان يضمن للمشترين بلوغها مستويات عالمية عام 2024، مع حلول موعد سداد قيمة المحطتين، على أقساط ربع سنوية، تستمر مدة سبع سنوات. وهكذا تتفاقم أزمات الطاقة والكهرباء والغاز والدولار بمصر، بينما يصر السيسي ونظامه العسكري على مواصلة تخريب مصر، وبيعها خردة لمن يملك الدولار.