رغم الدعاية الإعلامية والسياسية الموسعة لصفقة بيع "رأس الحكمة" للإمارات؛ ووصول جزء من المليارات ال35 التي باع بها السيسي قطعة أخرى من البلاد والتوزيع منها يمينا ويسارا دون أي دراسات أو شروط، إلا أن مؤسسات دولية وبيوت خبرة مالية عالمية أكدت استمرار مواجهة الاقتصاد الكلي في مصر لصعوبات في العامين الماليين 2024 و2025، مع ارتفاع معدلات التضخم، والتراجع النسبي لمعدلات النمو، في نفس الوقت الذي رأت فيه إلى إيجابيات الصفقة، ومنها تطوير مدينة رأس الحكمة وتخفيف ضغوط السيولة الخارجية، وتسهل تعديل سعر الصرف. ونقلت "رويترز" عن وكالة فيتش للتصنيف الائتماني فإن تعديل سعر الصرف، من شأنه أن يوفر حافزا لصندوق النقد الدولي ليوافق على برنامج دعم معزز لمصر. وأكدت "فيتش" أن مصر ستظل تواجه تحديات اقتصادية ومالية كبيرة، ما يضع ضغوطا على وضعها الائتماني، مشيرة إلى توقعها تراجع التضخم في البلاد على أساس سنوي في النصف الثاني من عام 2024، بعد ارتفاع أسعار سنة الأساس. وكانت حكومة الانقلاب أعلنت، مؤخرا، استلام الدفعتين الاولى والثانية من أموال الصفقة بقيمة 10 مليار دولار، من دولة الإمارات، بشأن مشروع تطوير وتنمية مدينة رأس الحكمة على الساحل الشمالي الغربي. وتعتبر الصفقة هي الأكبر للإمارات ومصر، والتي بمقتضاها تستولي الإمارات على نحو مساحة عدة دول، بمساحة 171 مليون متر مربع، من أجود أراضي الساحل الشمالي. وتواجه مصر إثر سياسات اقتصادية فاشلة طوال عشر سنوات ماضية، من أزمات اقتصادية ممتدة ، ادت لانهيار قيمة الجنيه وتعطل الإنتاج وإغلاق أكثر من 5 آلاف مصنع، وتراجع التصدير والإنتاج، وتفاقم الفجوة التمويلية، التي تحتاج إليها مصر، فيما يتوجب على مصر تسديد 42 مليار دولار ، حتى شهر سبتمبر المقبل، ما يقلص من قيمة أموال صفقة رأس الحكمة. وتسببت سياسات السيسي في فقدان الجنيه نصف قيمته أمام الدولار، الأمر الذي ترتب عليه ارتفاع معدل التضخم في البلاد، وتجاوزه 40% في بعض فترات العام الماضي. وفي نوفمبر الماضي، خفضت وكالة فيتش تصنيف مصر الائتماني على المدى الطويل بالعملات الأجنبية إلى "B-" هبوطا من "B" وأشارت إلى زيادة المخاطر على التمويل الخارجي وارتفاع في الديون الحكومية، وقالت وكالة التصنيف: إن "التخفيض يعكس زيادة المخاطر على التمويل الخارجي لمصر، واستقرار الاقتصاد الكلي، ومسار الدين الحكومي المرتفع بالفعل". كما وصلت الديون الخارجية إلى نحو 165 مليار دولار في نهاية سبتمبر الماضي، بما لا يقل عن 11 مليار دولار، قالت الحكومة المصرية: إنها "ستحولها من وديعة إماراتية لدى المركزي المصري إلى استثمارات تخص صندوق أبوظبي في شركات في مصر". وعلى الجانب الآخر من مشروع رأس الحكمة، يواجه سكان المنطقة صعوبات عدة، في مقدمتها التهجير والتعويضات والبدائل، رافضين التفاوض مع حكومة الانقلاب لمغادرة أراضيهم، وجاء في بيان لقبيلة الصناقرة برأس الحكمة، تحت عنوان لا للتهجير إن "القبيلة ترحب بالمشروعات التنموية لمدينة رأس الحكمة الجديدة، ولكن ليس على حساب الأهالي في هذه المنطقة". كما تثور العديد من الإشكالات المتعلقة بالإبعاد الجيوسياسية؛ حيث تتضمن الصفقة تطوير عدة مدن منها نجيلة وجرجوب ومرسى مطروح والعلمين ورأس الحكمة، وكلها مناطق حدودية تقترب من مناطق سيطرة شريك الإمارات في الانقلابات العسكرية خليفة حفتر، في شرق ليبيا، وهو ما قد يمثل تهديدا للأمن القومي المصري.