يعالج الكاتب الكبير صنع الله إبراهيم، في معهد ناصر بالقاهرة؛ إثر تعرضه لكسر في الحوض، في وقت تصاعدت فيه دعوات من مثقفين وكتاب مصريين بضرورة توفير رعاية طبية عاجلة وشاملة تليق بمكانته الأدبية البارزة. ويعد صنع الله إبراهيم، أحد أهم الكتاب المصريين المعاصرين، ومشواره مليء بالعديد المحطات والأعمال الكتابية المميزة التي أثرت الواقع الكتابي المصري والعربي، وبالطبع إن أحد أهم تلك الأعمال هي رواية "ذات"، والتي نشرت لأول مرة عام 1992، وأخذت شهرة الرواية في الازدياد بعد تحويلها إلى مسلسل تليفزيوني عام 2013 يحمل اسم "بنت اسمها ذات"، ومن إخراج كاملة أبوذكري، وخيري بشارة، وسيناريو وحوار مريم نعوم، ونجلاء الحديني، ومن بطولة نيللي كريم، وباسم سمرة، وانتصار، وآخرين. ويسرد صنع الله إبراهيم في رواية "ذات"، سيرة وطن وسيرة ثورة وسيرة جيل كامل خرجت منه "ذات" التي تمثل النموذج السائد للمرأة المصرية، فيتحدث عن فترة صباها وزواجها من "عبدالمجيد"، وعملها وإنجابها وأمومتها، متخذا من سيرة حياتها مرآة كاشفة لرصد تفاصيل الحياة اليومية التي يموج بها المجتمع المصري خلال عصري السادات ومبارك، كما يسلط الضوء على التحولات السياسية والاقتصادية خلال هذه الفترة، وطريقة استقبال "ذات" و"عبدالمجيد" لها، وأثرها على تشكيل حياتهما. كما لا تخلو الرواية من التوثيق التاريخي والأرشيف الصحفي الذي حرص عليه صنع الله إبراهيم في الكثير من رواياته، والذي يمكن من خلاله تتبع التغيرات والتطورات التي عاشها المجتمع المصري آنذاك، فجاءت السردية مليئة بالكثير من الحقائق التاريخية التي بلا شك شكلت شخصية "ذات"، والمرأة المصرية، وجيل الخمسينيات بأكمله. و"ذات" شخصية الروائي صنع الله إبراهيم المحورية والتي انبعثت من صخب الحياة؛ لتبعث خياله وتغذي فكره بألف صورة وصورة، هي من الواقع، ولكنها تسري في الأحداث الروائية، فيكون لواقع تواجدها ألف معنى ومعنى. و"ذات" هي الرمز الذي حاول صنع الله إبراهيم من خلاله أن يصور المجتمع المصري الذي يموج بقيم ومعتقدات تتحكم بفكره وبحياته، مجتمع ينوء مواطنه بأحمال الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهذه يورد وقائعها منقولة عن الصحف المصرية الحكومية منها والمعارضة؛ ليعكس الجو الإعلامي العام الذي أحاط بمصائر شخصياته وأثر فيهم. وفي رواية "ذات" يتداخل الخيال والواقع والرمز والحقيقة؛ ليجسد أبعادا إنسانية عبر عنها صنع الله إبراهيم بأسلوب يقرب ذات من كل ذات، فهي الحقيقة المتوارية خلف الذات. وقال عنها الروائي صنع الله إبراهيم: "عندما كتبت ذات كان في ذهني أن أصور امرأة مناضلة تقاوم النظام عبر تشكيل جهاز مع أصدقائها يقتحم شاشات التلفزة، يقول إن الخطابات على تلك الشاشات كاذبة.. لكن صورة تلك المرأة بدأت تتحول تدريجيا إلى النموذج السائد واحتفظت في ذهني بفكرة المرأة القائدة، عكس النموذج السائد الذي يدخل في معارك صغيرة؛ ليعبر من خلالها عن ذاته تنفيسا عن الإحباط الذي يعيش فيه، فكانت هذه الرواية ذات". • ومن أجواء رواية "ذات" نقرأ: «تَعودت ذات أن تحمل في حقيبة يدها منديلًا صغيرًا من القماش المُطرَّز الحواف، تُمسِكه في يدها عندما تعرق، أو ترتبك، وتمسح بطرفه ما قد يَتجمَّع في ركنَي عينَيها من إفرازات، أو يسيل حولهما من كحل في الأيام الحارة.. وقد ظلَّت متمسِّكةً بهذه المناديل الصغيرة رغم انتشار بدائلها الورقية؛ إذ كانت عاجزةً عن تمثُّل نفسها في صورةٍ أخرى غير السيدة ذات المنديل القطني الصغير». وكما ذكرنا تحولت الرواية إلى مسلسل تليفزيوني بعنوان "بنت اسمها ذات"، وعرض في رمضان من عام 2013م، والمسلسل من إخراج كاملة أبو ذكري، وخيري بشارة وسيناريو وحوار مريم نعوم ونجلاء الحديني، ومن بطولة نيللي كريم، وباسم سمرة، وانتصار، وآخرين، وحقق المسلسل نجاحا كبيرا على المستوى النقدي والجماهيري. وتناول المسلسل، فترة تاريخية فاصلة في التاريخ المصري المعاصر، من خلال امرأة ولدت في يوم انطلاقة ثورة 23 يوليو 1952، ويبرز تطور الحياة المصرية بكل ما فيها من خلال مسار حياة هذه الفتاة التي أطلق عليها والدها اسم "ذات الهمة" وهو اسم يعود إلى التراث وإلى السيرة الهلالية. ويقدم من خلال حياة هذه الفتاة، التطورات الاجتماعية من مجتمع التأميم ومجتمع الإصلاح الزراعي والبناء إلى الحروب التي خاضتها مصر في العام 1956 وحرب اليمن في بداية الستينيات من القرن الماضي وحرب 1967 وحرب الاستنزاف مرورا برحيل الزعيم جمال عبد الناصر، ثم تولي أنور السادات الحكم وخوضه حرب 1973 وما تبعها من انفتاح اقتصادي وظهور متغيرات جديدة في المجتمع المصري أهمها انتقال المجتمع برمته إلى السوق الاستهلاكي والانفتاح على دول الخليج العربي، وتأثيرات ذلك على تيارات الإسلام السياسي، وانتهاء بثورة الخامس والعشرين من يناير.