بدأت اليوم جلسات محكمة العدل الدولية في لاهاي، للنظر في الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة مشفوعة بطلب لوقف الحرب على غزة بشكل عاجل. وفي أولى الجلسات استمعت المحكمة إلى حجج جنوب أفريقيا بينما ترد إسرائيل غدا الجمعة. ومن المتوقع أن يصدر قرار بشأن الإجراءات العاجلة في وقت لاحق من هذا الشهر. ولن تصدر المحكمة حكمها في الوقت الراهن، إذ قد تستغرق هذه الإجراءات سنوات.
وخلال الجلسة أكد وزير العدل في جنوب أفريقيا رونالد لامولا عن أن تدمير حياة الفلسطينيين لم يبدأ في 7 أكتوبر بل منذ عام 1948، مشيرا إلى أن جنوب أفريقيا ستقدم أدلة على شروع إسرائيل في ارتكاب إبادة جماعية في قطاع غزة.
وقالت محامية الادعاء عن جنوب إفريقيا، المحامية عديلة هاسيم، إن إسرائيل قصفت غزة برا وبحرا وجوا بشكل لم نألفه في تاريخنا المعاصر، وأن سلوكها لا يترك أي مكان آمن في غزة.
وأضافت إن أعمال القتل الإسرائيلية كبيرة جدا وأن جثث الفلسطينيين تدفن في مقابر جماعية، مؤكدة أن إسرائيل أرغمت 85% من سكان غزة على النزوح. كما قالت إن الجيش الإسرائيلي يحتفي بتفجير الميادين والمنازل ويرفع العلم الإسرائيلي على حطامها.
وأكدت أن اعتداء إسرائيل على منظومة الصحة في غزة يندرج ضمن بنود جريمة الإبادة الجماعية، كما قالت إن منظمة الصحة العالمية تحذر من وضع صحي كارثي في قطاع غزة خاصة بين الأطفال.
وأكدت أن إسرائيل ترتكب عنفا جنسيًا بحق النساء والأطفال، بما في ذلك منع الولادة. وقالت إن إسرائيل يتمت أعدادا كبيرة من الأطفال في قطاع غزة، مشيرة إلى أن كل أفعال إسرائيل تشكل نمطا مدروسا لنية الإبادة الجماعية خلال استهداف الفلسطينيين في غزة.
أمّا محامي الادعاء لجنوب أفريقيا تمبيكا نجكوكايتوبي، فتطرّق إلى نوايا الإبادة لدى إسرائيل، مستشهدًا بتصريحات المسؤولين الإسرائيلين، وفي مقدّمتهم الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوج.
سابقة تاريخية وهذه المرة الأولى التي تقبل إسرائيل فيها المثول أمام محمة العدل الدولية بعد أن رفضت عام 2004 حضور إجراءات التقاضي بشأن إجراءات جدار الفصل في الضفة الغربية، ثم تجاهلت الحكم النهائي متذرعة بعدم اعترافها بسلطة المحكمة.
ويأتي ذلك رغم أن الفلسطينيين يؤكدون عادة أن "إسرائيل ارتكبت العديد من الجرائم الوحشية على مدار تاريخها بهدف ترويعهم وتجيرهم من أرضهم".
وتشير أبحاث لمراكز حقوقية فلسطينية إلى وقوع أكثر من 100 مجزرة كبرى منذ عام 1947 "تتوفر فيها جميعا مقومات جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والتطهير العرقي"، لكن لم يتم محاكمة إسرائيل بشأنها.
وفيما يتعلق بالحرب في غزة الحالية، فإن معظم المنظمات الحقوقية وذات الطابع الإنساني والإغاثي مثل منظمة العفو الدولية، ومنظمة هيومن رايتس ووتش وأطباء بلا حدود ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ومنظمة الصحة العالمية، والصليب الأحمر الدولي أكدوا على الطابع الإجرامي للأعمال العسكرية الإسرائيلية ضد السكان المدنيين، وحتى ضد موظفي الهيئات الدولية.
وتجري تلك "الجرائم" في غزة عبر أدلة واضحة وموثقة بالصوت والصورة تؤكد أنها "تسبب عمدا معاناة كبيرة أو ضررا جسيما للسلامة الجسدية أو الصحة البدنية أو العقلية للسكان المدنيين بالقطاع.
العرب يشكرون جنوب إفريقيا! من جانبها أعلنت جامعة الدول العربية، تأييدها "الكامل" للدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، بتهمة "ارتكاب جرائم إبادة جماعية"، و"خرق اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948".
وقال الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط، في تصريحات صحفية، إنه "من الطبيعي والمنطقي أن تؤيد الجامعة العربية بشكل كامل الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية".
وأعرب أبو الغيط عن التطلّع إلى "حكم عادل جريء يوقف هذه الحرب العدوانية ويضع حدًّا لنزيف الدم الفلسطيني".
وشكر جنوب إفريقيا وحكومتها على "اتخاذ هذا الموقف المبدئي الذي يضع القيم الإنسانية فوق أي اعتبار".
وأكد أبو الغيط "دعم الأمانة العامة للجامعة للمسعى الجنوب إفريقي بكل السُبل الممكنة"، وأضاف: "كنا نود أن تتمكن الجامعة من الانضمام إلى الدعوى، لكنها كمنظمة ليست ضمن الأطراف المصرح لها بذلك".
وفي 29 ديسمبر الماضي تقدمت جنوب إفريقيا بدعوى من 84 صفحة، تعرض خلالها دلائل على انتهاك إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال لالتزاماتها بموجب ميثاق الأممالمتحدة، وتورطها ب"ارتكاب أعمال إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
ووافقت إسرائيل على المثول أمام المحكمة بذريعة أنها تريد "دحض" ما وصفتها بالاتهامات "السخيفة التي تفتقر إلى أي أساس واقعي أو قانوني".
ومنذ 7 أكتوبر 2023، يشن الجيش الإسرائيلي حربا مدمرة على غزة خلّفت حتى الأربعاء 23 ألفا و357 شهيدا و59 ألفا و410 مصابين معظمهم أطفال ونساء، و"دمارا هائلا في البنية التحتية وكارثة إنسانية غير مسبوقة"، وفقا لسلطات القطاع والأممالمتحدة.
مظاهرات تأييد وعشية الجلسة، بدأ المئات من الناشطين وأبناء الجاليات الفلسطينية والعربية في دول أوروبية عدة، بالتوافد إلى مدينة لاهاي الهولندية، أمس الأربعاء، للمشاركة في وقفات تضامنية مع الشعب الفلسطيني خلال جلسات.
ونظم مئات الفلسطينيين وقفات في الضفة الغربية تقديرا لخطوة جنوب إفريقيا رفع دعوى ضد إسرائيل بتهمة "ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية" في قطاع غزة. ونظمت الوقفة الرئيسية، مساء الأربعاء، في ميدان نيلسون مانديلا في حي الطيرة برام الله (وسط)، بتنظيم من مجموعة من الفنانين بالتعاون مع بلدية رام الله.
وحمل المشاركون الأعلام الفلسطينية وأعلام جنوب إفريقيا، وشارك فيها عبر الانترنت رئيس بلدية جوهانسبرغ كابيلو جامندا، والقائم بأعمال مكتب تمثيل جنوب إفريقيا لدى فلسطين فويو منغواني.
وقال رئيس بلدية رام الله عيسى قسيس في كلمة خلال الفعالية إن "العديد من حكومات العالم ما زالت تدعم الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني في غزة على أيدي الاحتلال الإسرائيلي، وجعل القطاع غير صالح للعيش، حيث اختفت أحياء ومستشفيات ومدارس وجامعات، ومسحت عائلات بأكملها من السجل المدني".