مع اقتراب مواعيد امتحانات منتصف العام الدراسي، يتزايد نشاط مافيا الدروس الخصوصية التى تمثل عبئا كبيرا على كاهل الأسر المصرية، وأصبحت هي المتحكم في العملية التعليمية في زمن الانقلاب الدموي بقيادة عبدالفتاح السيسي، حتى إنها تحولت إلى جمهورية مستقلة لها قوانينها وقواعدها وعالمها، وتلتهم الدروس الخصوصية ما يقرب من 66 مليار جنيه من ميزانية 26 مليون أسرة كل عام، وتبدأ الأسر في الاستعداد لها قبل بداية العام الدراسي رسميا بشهرين كاملين، وفي مواسم الامتحانات يزداد الطلب عليها وتزيد معها الفاتورة التي تدفعها الأسر. ورغم تجريم وزارة تعليم الانقلاب للدروس الخصوصية وقيام المحليات بإغلاق عدد من مراكز الدروس الخصوصية، إلا أنها ما زالت تنتشر كالورم السرطاني في جسد المجتمع حتى طالت كل مراحل التعليم، بدءا من مرحلة رياض الأطفال وحتى الجامعة، مرورا بالمرحلة الفاصلة في الثانوية العامة والتي تحصد كل ما في جيوب أسر الطلاب. ماراثون الدروس الخصوصية يبدأ منذ الإجازة الصيفية ، حيث تنتشر الإعلانات على مواقع السوشيال ميديا، وعلى جروبات الماميز بعد أن كانت تنشر على الجدران وأسوار المدارس وأعمدة الكباري. وتختلف أسعار حصص الدروس الخصوصية وفقا للمنطقة ومستوى التعليم إذا كان عاما أو خاصا، وإذا ما كان باللغة العربية أو بلغة أجنبية، لتتراوح الأسعار بين 50 إلى 100 جنيه للحصة الواحدة في المرحلة الابتدائية، وتصل إلى 200 جنيه للحصة الواحدة في الثانوية العامة . المدرسة حول مأساة الدروس الخصوصية قالت عبير أحمد، مؤسس اتحاد أمهات مصر للنهوض بالتعليم، وائتلاف أولياء الأمور: إن "مشكلة الدروس الخصوصية صعبة موضحة أن أولياء الأمور يلجأون لمراكز الدروس الخصوصية، بسبب غياب دور المدرسة والمعلم في الفصل، أما مدرس المركز التعليمي فغالبا ما يشرح بطريقة شيقة وغير تقليدية ويوصل المعلومة للطلاب بطريقة سلسلة تثير إعجابهم". وكشفت عبير أحمد في تصريحات صحفية أن دور مراكز الدروس الخصوصية بدأ يتراجع بنسبة كبيرة، وأصبح الأمر مقصورا على الحصص الأون لاين والفيديوهات التي يستمع إليها الطلاب في المنزل لعدة أيام، مؤكدة أن الأمر تحول إلى استغلال الهدف منه استنزاف أموال أولياء الأمور. وناشدت أولياء الأمور عدم الاستعانة بهذه الأكواد للحفاظ على أموالهم، مشيرة إلى أن «اليوتيوب مليان فيديوهات لمعلمين بيشرحوا المواد، وكويسين جدا ومتميزين، بالإضافة للمنصات التعليمية ». وأشارت عبير أحمد إلى أن مراكز الدروس الخصوصية هي تعليم موازٍ، الهدف منها التربح وخطف أنظار الطلاب إليها والتقليل من قيمة المدرسة والمعلم في الفصل. وأكدت أن مراكز الدروس الخصوصية أزمة، ولكن من السهل حلها، من خلال إعادة دور المدرسة الحقيقي وتفعيله، وقيام معلم الفصل بدوره على أكمل وجه، وأن يبدع ويبتكر طرقا حديثة وشيقة لشرح الدروس للطلاب، موضحة أنه في أوقات كثيرة يكون المعلم في الفصل هو نفسه معلم السنتر أو المركز، ولكنه يشرح بشكل أفضل داخل المركز ويعمل على جذب الطلاب عكس ما يحدث داخل الفصل . وشددت عبير أحمد على أنه لو شرح المعلم للطلاب في المدرسة بنفس طريقة الشرح داخل المركز سيتجه الطلاب من تلقاء أنفسهم إلى المدرسة والتركيز مع المعلم ويهجرون مراكز الدروس الخصوصية. تعليم الانقلاب وقال الدكتور أحمد متولي سعد، أستاذ بكلية التربية جامعة الأزهر: إن "ظاهرة الدروس الخصوصية تعد تعليما موازيا تفشى مؤخرا في كل مراحل التعليم على اختلاف أنواعه، موضحا أن المحللين اختلفوا في تقييم هذه الظاهرة، فالبعض يعتبرها ظاهرة سلبية لا تُعبر إلا عن جشع وطمع المعلمين وسعيهم لكسب غير مشروع بإجبار طلابهم على هذه الدروس، في حين يعتبرها البعض الآخر نتاجا لطبيعة النظام التعليمي بكل مشكلاته، الأمر الذي يستوجب على الطلاب اللجوء إلى الدروس الخصوصية، وذهب آخرون إلى أنها ليست جريمة يرتكبها المعلم بل هي نتاج للسمة الاستهلاكية المتصاعدة للمجتمع، حيث ينشغل الآباء والأمهات في وظائفهم اليومية لتأمين حاجات الحياة المتزايدة، مما يضطرهم لتسليم شؤون أولادهم التعليمية لمعلمي الدروس الخصوصية. وأكد سعد في تصريحات صحفية أن وزارة تعليم الانقلاب فشلت في مواجهة ظاهرة الدروس الخصوصية، موضحا أن هناك عدة عوامل محيطة بالبيئة المدرسية بشكل عام تجتمع وتتداخل وتؤثر في انتشار هذه الظاهرة، من أهمها: افتقاد التعليم المدرسي للفلسفة التربوية والرؤية والأهداف الواضحة، بالإضافة إلى ضعف نوعية التعليم المقدم للتلميذ بالمدارس، واتباع أساليب قديمة للتدريس تقوم على الاستظهار وعدم التكيف مع أساليب التعليم الحديثة، إضافة إلى قصور بعض المعلمين في أداء واجبهم ، كذلك معاناة التعليم من نقص التمويل، والكثافة الطلابية العالية، والمناهج الثقيلة. وأضاف، رغم ارتفاع أسعار الدروس الخصوصية وارتفاع كثافة الطلاب في القاعات المخصصة لها، إلا أنها ما زالت في تزايد مستمر، ويبدو أن هناك ما تمتاز به هذه المراكز وما يُزيد من الإقبال عليها، ومنها وجود عدد من المعلمين المرموقين الذين يتمتعون بجاذبية قوية، والمبنية على سمعتهم من نجاح وتفوق طلابهم السابقين، كما تمتاز تلك المراكز بالبنية التحتية والتكنولوجية والإدارية الجيدة من توافر عدد من المساعدين المنظمين، وتوافر القاعات الكبيرة المجهزة بأجهزة التكييف وشاشات العرض، فيما تلجأ بعض الأُسر إلى إحضار معلم خصوصى إلى البيوت ومنحه مبلغ أكبر بكثير من أسعار المجموعات، لإعطاء الاهتمام الكافي لكل طالب على حده. المجانية وأوضح سعد أن للدروس الخصوصية العديد من الجوانب السلبية؛ ومن أكثرها خطورة العبء المادى الذي يقع على كواهل الكثير من الأسر، بالإضافة إلى تهميش دور المدرسة، بكل إمكاناتها المادية والبشرية والتقنية، وتفريغ مجانية التعليم من مضمونها، وهدر وضياع جزء كبير من موازنة دولة العسكر، واختفاء مبدأ تكافؤ الفرص وما قد يصاحبه من تداعيات مجتمعية، وهذا لا يعني أن جميع جوانب الدروس الخصوصية سلبية، فلها أيضا مجموعة من الجوانب الإيجابية؛ ومنها أنها تساعد التلاميذ على التعلم من خلال فهم الدروس التي يصعب فهمها في المدرسة، كما أنها تقدم فرص بناءة للطلاب للتفاعل مع أقرانهم ، كذلك توفر دخلا إضافيا للمعلمين في ظل الوضع المادى والاجتماعي المتدني. وشدد سعد على أن مواجهة ظاهرة الدروس الخصوصية والحد منها تتطلب إرساء قيم المشاركة بين كافة مؤسسات المجتمع؛ لأن الواقع يتطلب أن يخرج البديل والحل من المجتمع ككل، مع التركيز على اتخاذ مجموعة من التدابير والسياسات (الوقائية، والعلاجية البديلة) والتي يمكن تقسيمها كالتالي: أولا : السياسات الوقائية : تستهدف وضع استراتيجية وقائية بعيدة المدى تضمن شمول مجالس الأمناء والمعلمين مساحة كافية من الآراء لمراجعة القرارات الوزارية اللازمة للحد من تزايد وانتشار الدروس الخصوصية، مع ضرورة عقد ورش عمل دورية على مستوى تعليم الانقلاب ومديريات التعليم يشارك فيها عامة المواطنين وممثلون عن نقابة المعلمين؛ لشرح أبعاد الظاهرة والاستماع لأولياء الأمور ووجهات نظر الطلاب حولها، مع ضرورة توظيف التكنولوجيا لتفعيل التواصل بين الآباء والمدرسة لمتابعة مشكلات الطلاب التعليمية أو السلوكية. ثانيا: السياسات العلاجية، تستهدف معالجة أوجه القصور وتحسين نوعية العملية التعليمية في المدارس وحل مشكلاتها، مثل حل مشكلة كثافة الفصول ، وتطوير الكتاب المدرسي، وتعديل المناهج والمقررات، وتعديل نظام التقويم، وتهيئة المعامل والورش والمختبرات؛ مما يجعل المدرسة مكانا جاذبا للطلاب، كذلك تستهدف هذه السياسات تعديل رواتب المعلمين بما يكفي واجباتهم الرئيسية وحاجاتهم المعيشية. ثالثا : السياسات البديلة تستهدف تطبيق مظاهر جديدة ومماثلة للدروس الخصوصية في التعليم المدرسي كمجموعات التقوية، مع تبني سياسات للشراكة مع مؤسسات القطاع الخاص في هذا المجال، كالاستعانة بالمرموقين من مُقدمي الدروس الخصوصية لتقديم دروس مجانية عبر قنوات التعليم الفضائية وعبر المنصات التعليمية الإلكترونية وتشكيل فرق بحثية على مستوى تعليم الانقلاب لدراسة الاستراتيجيات التسويقية لمراكز الدروس الخصوصية، والاستفادة منها في الوقوف على مؤشرات العرض والطلب.