أثارت دعوات مجلس نواب السيسي، إلى عودة الضرب بالعصا في المدارس بحجة أن ذلك من شأنه أن يعيد هيبة المعلم انتقادات أولياء الأمور وخبراء التربية، مؤكدين أن مثل هذه الدعوات لا تستهدف إصلاح التعليم وليست دفاعا عن مكانة المعلم وهيبته، لأن هناك أساليب كثيرة لإعادة هذه الهيبة غير اللجوء إلى الضرب . وطالب خبراء التربية بزيادة مخصصات التعليم لإنشاء المزيد من المدارس لتقليل كثافة الفصول وسد العجز في المدرسين وتطوير المناهج وتحقيق الانضباط وتوفير بيئة تعليمية جاذبة تقوم على التواصل بين أطراف المنظومة التعليمية خاصة المعلمين والتلاميذ وأولياء الأمور . وقالوا: إن "الانضباط في المدرسة يمثل أولوية مهمة ينبغي أن تسير بشكل متواز جنبا إلى جنب مع أولويات العملية التعليمية الأخرى، مثل تطوير المناهج، ودمج التكنولوجيا في التعليم، والاهتمام بالنشاط المدرسي الذي يساعد على تنمية مهارات الطلاب وقدراتهم، وتطوير طرق التدريس". كانت آمال عبدالحميد، عضو مجلس نواب السيسي، قد تقدمت بمقترح يدعو إلى إعادة النظر في الأسباب التي تعيد هيبة المعلم ومنحه صلاحيات أوسع في التأديب والعقاب، ومنها الضرب بالعصا. وشددت آمال عبدالحميد على ضرورة دراسة المقترح البرلماني بدقة وعدم تناوله بسطحية كما يحدث -على حد وصفها-، لافتة إلى أنها ممن يعتبرون المعلم خط أحمر لا يمكن تجاوزه أو التعامل معه بهذه الطريقة التي لا تحفظ هيبته ومكانته. مؤسسة للترهيب من جانبها اعتبرت داليا الحزاوي مؤسس ائتلاف أولياء أمور مصر المطالبة بعودة الضرب إلى المدارس هو أسلوب مهين وإفساد لعلاقة المعلم بالطالب وتحويل المدرسة إلى مؤسسة للترهيب والعنف بدلا من أن تكون مؤسسة تربوية تبني الشخصية وترعاها . وقالت داليا الحزاوي في تصريحات صحفية: إن "استخدام العقاب البدني من أضعف وسائل التهذيب فهو عقاب مؤقت في كثير من الحالات ولا يؤدي إلى الامتناع عن السلوك الخاطئ، محذرة من أنه مع تكرار هذا العقاب يفقد أهميته ويشعر الطالب باللا مبالاة، وينفر من الدراسة ويحاول بكل وسيلة عدم الذهاب إلى المدرسة". وأضافت أن لجوء المعلم للضرب دليل على أنه غير متمكن تربويًا ويجهل تماما استراتيجية التعامل مع كل مرحلة عمرية وكيف يستطيع إدارة الفصل. وأشارت « داليا الحزاوي »، إلى أن العقاب البدني خصوصا في السن الصغير يصيب الطلاب بمشاكل عديدة كالتبول اللا إرادي، وفقدان الثقة بالنفس، والتلعثم في الكلام، وقد ينتج عاهات مستديمة وفقد أرواح، وهناك حوادث سابقة لذلك، كما أن العنف ينتج إنسانا جبانا وغير سوي نفسيا بل قد يمارس هذا العنف فيمن هو أضعف منه كزميله في الفصل أو أشقائه . وتابعت داليا الحزاوي، هذا لا يعني إنني ضد العقاب عموما، لكني ضد العقاب البدني تحديدا، موضحة أن هناك عدة وسائل عقابية تربوية من الممكن أن يستخدمها المعلم مع الطالب مثل حرمان الطالب من الأشياء التي يحبها كعدم السماح له بالنزول للفسحة أو المشاركة في حصة الأنشطة أو الذهاب للرحلات . الدور التربوي وأكد الدكتور تامر شوقي، أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس، أن الانضباط في العملية التعليمية، يمثل العنصر الرئيسي الذي يتوقف عليه نجاح تطوير كافة عناصر العملية التعليمية الأخرى من مناهج، وطرق تدريس، وأساليب تقويم وغيرها، موضحا أن الانضباط هو السر وراء نجاح أي مؤسسة تحقق أهدافها بكفاءة. وقال «شوقي» في تصريحات صحفية: إن "لائحة الانضباط هي عقد أو اتفاق مكتوب بين وزارة تعليم الانقلاب من ناحية والطالب وولي أمره من ناحية أخرى، وبمقتضاه يتعرف الطالب على ماله من حقوق وما عليه من واجبات، والعقوبات المترتبة على عدم الالتزام بالواجبات، مشددا على أنه ليس بالضرورة أن يكون بين هذه العقوبات الضرب". وأشار إلى أنه، في السنوات الأخيرة، غاب الانضباط عن المدارس لعدة أسباب منها، فقدان الأسرة دورها التربوي، وبالتالي جاء الكثير من الطلاب إلى المدرسة يفتقدون القيم والأخلاقيات اللازمة، وغياب الدور التربوي للمدرسة، وأصبح لدى الطلاب بدائل كثيرة عن المدرسة مثل السناتر ما جعلهم لا يلتزمون بالقواعد المدرسية. وأعرب «شوقي» عن أسفه لأن وسائل التواصل الاجتماعي تولت إكساب التلاميذ القيم والأخلاقيات غير السليمة، وظهور أنماط حديثة من المشكلات لدى الطلاب مثل تلك الناتجة عن استخدام التكنولوجيا والتنمر الإلكتروني والغش الإلكتروني وألعاب الموت، مما اقتضى تحديد إجراءات معينة للتعامل معها، وتغيير ثقافة أولياء الأمور، لافتا إلى أنه في الماضي كان ولي الأمر يطالب المعلم بالتعامل بحزم مع الابن في حال تقصيره، أما الآن فلو وجه المعلم للطالب أي توبيخ يتوجه ولي الأمر في اليوم التالي إلى المدرسة لتقديم شكوى ضد المعلم . وأضاف أن تعدد أنماط المخالفات التي يقع فيها كافة عناصر العملية التعليمية من طلاب وأولياء أمور ومعلمين، بل ومن إدارة المدرسة، أدت هي الأخرى إلى عدم الانضباط داخل المدارس. حماية الطلاب وأوضح «شوقي» أن هناك مجموعة من الدلالات النفسية والتربوية في اللائحة، قائلا: تطبيق اللائحة على جميع الطلاب بجميع المدارس سواء كانت رسمية أم خاصة أم دولية، واستخدام مصطلحات نفسية وتربوية في اللائحة مثل التدخلات التربوية أو الإجراءات العلاجية بدلا من كلمة عقوبة، أي أن المهم في التربية العلاج وليس العقوبة، فنحن لا نضع عقوبات لمجرمين، واستخدام مصطلح الحماية للجان المسئولة عن تطبيق اللائحة ينقل الانطباع بأن هدف تلك اللجان حماية الطلاب والعملية التعليمية وليس تصيد الأخطاء والعقاب، واستخدام مصطلح مخالفة وليس جريمة لتوصيف السلوك الخاطئ للطالب . وتابع: تقسيم المخالفات إلى ثلاثة مستويات بسيطة، متوسطة، شديدة يتفق مع طبيعة التدخلات في علم النفس التي يجب أن تكون حسب شدة المخالفة، والتدرج في اتخاذ الإجراءات العلاجية حسب حجم المخالفة، وحسب إصرار الطالب على ارتكاب نفس المخالفة، وبدء التدخلات التربوية في معظم المخالفات بالتوجيه والإرشاد بخطورة المخالفة، وأخذ تعهد كتابي من ولي الأمر إلى فصل الطالب الذي قد يصل إلى شهرين والنقل من المدرسة في حالة المخالفات الشديدة مثل التعدي بدنيا على المعلمين . ولفت «شوقي» إلى أن اللائحة اتسمت بالمرونة من خلال السماح بالأعذار المقبولة في حالات الغياب مثل المرض، أو حالات الوفاة ضمن أقارب الدرجة الأولى بشرط تقديم المستندات الدالة على ذلك، ومن خلال عدم الالتزام الصارم بتطبيق بنود اللائحة، حيث يمكن تخفيف إجراءات المعالجة لخطأ ما ارتكبه طالب إذا ما توافرت بعض الشروط مثل إذا كان سلوك الطالب إيجابيا، ولم يرتكب مخالفات في السابق، أو كان متفوقا دراسيا، أو متفوقا في مجالات النشاط المدرسي، أو تنازل المعلم عن شكواه بحق الطالب. وأشار إلى أن تطبيق اللائحة سيواجه بعض المعوقات مثل عدم قدرة الكثير من المدارس والفصول على استيعاب كثافة الطلاب وقلة أعداد الأخصائيين النفسيين بالمدارس، وتحمل الأخصائي الاجتماعي الكثير من الأعباء الأخرى غير تطبيق لائحة الانضباط، مشددا على ضرورة أن يكون الهدف التربوي الأسمى هو أن يكون الانضباط نابعا من داخل الطالب وليس مفروضا عليه .