في أسلوب يشبه المن و المعايرة، نشر حساب "اتحاد قبائل سيناء"، التابع لشيخ قبيلة الترابين، ورجل الأعمال المثير للجدل إبراهيم العرجاني، الذي تربطه علاقات غامضة ومشبوهة بأجهزة نظام الدكتاتور عبد الفتاح السيسي، تدوينة جديدة لا يفهم منها سوى تذكير قيادات الجيش والمؤسسة العسكرية بالدور الذي قامت به مليشيات اتحاد قبائل سيناء في مواجهة عناصر تنظيم داعش في سيناء، وأنه لولا هذا الدور لما تمكن الجيش والشرطة من القضاء على "الإرهاب". ونشر الحساب صورًا قال إنها: "لجموع غفيرة من آلاف المتطرفين التكفيريين من كل محافظات مصر وخارجها، كانت تشارك في جنازة "3 عناصر منهم قضت عليهم القوات المسلحة في عملية خاصة"، مضيفًا أن هؤلاء العناصر كانوا ينصبون منصات صواريخ "لا تسمن ولا تغني من جوع"، وأن هذه الصواريخ بنظر المجتمع الدولي تمثل "تهديدًا إقليميًا للدول المجاورة " في إشارة إلى إسرائيل" وتعطيها الذريعة للتدخل العسكري وحفظ حدودها. واعتبر "اتحاد قبائل سيناء" أنه بهذه الصور يمكن فهم "مدى ارتباط هذه الجماعات بمنظومة دولية تهدف لاقتطاع جزء من الدولة المصرية سواء من الشرق أو الغرب أو الجنوب أو الشمال". وأضاف اتحاد القبائل أن "العقلية الأمنية المصرية التي لازالت تتفوق بمراحل علي الدول الراعية للإرهاب، واستعانت بشيوخ القبائل، الذي قضى معظمهم شهداء لآلة القتل والعربدة والظلم من تلك العناصر، التي اجتمعت من كل حدب وصوب وبدأت في الاستعانة بأبناء سيناء الشرفاء في تطبيق خططها ومتابعة تلك الجماعات وسير عملها". وأشار إلى أن انطلاق "اتحاد قبائل سيناء" كان من أجل "الوحدة تجاه الخطر الذي يحدق بوطنهم ويستنزف مقدراتهم وينتهك حرماتهم، وها نحن اليوم بفضل الله وقواتنا المسلحة واتحاد قبائل سيناء نروي القصة من عمق سيناء منعمين بالأمن والأمان في ظل دولة قانون". الملاحظة الأولى، على هذه التدوينة أنها تمثل برهانا على فشل الجيش والشرطة في أداء المهام المنوطة بهما. وقد أشار إلى ذلك الضابط المصري السابق هشام صبري، معلقا على الصورة بأن "ضررها أكثر من نفعها وأنها اتهام صريح للجيش بالفشل". وقال صبري في تصريحات نشرها عبر صفحته على منصة "إكس" (تويتر سابقا): "لو الكلام المكتوب ده صح، فمعناه إن إبراهيم العرجاني بيتهم الجيش المصري بالتقصير والفشل في مواجهة الإرهاب في سيناء". ورغم تصنيف الجيش المصري العاشر عالميا قبل تراجع تصنيفه مؤخرا إلا أنه فشل في القضاء على تنظيم ولاية سيناء الموالي لتنظيم داعش. وويقدّر عدد المقاتلين من أبناء القبائل والعائلات الكبرى في سيناء بألف مقاتل، من قبائل الترابين والسواركة والارميلات والبياضية والأخارسة والدواغرة، وتتسلح بأكثر من 600 قطعة سلاح خفيفة، و100 قطعة سلاح متوسطة المدى، و50 سيارة جيب مصفحة، جرى منحها للقبائل خلال فترة ملاحقة تنظيم الدولة. الملاحظة الثانية، أن العرجاني بهذه الكلمات إنما يعاير الجيش وأنه لولا اتحاد القبائل ما انتصر الجيش على تنظيم داعش. لأن الجيش قاد حملة موسعة على مدار 12 سنة في أعقاب ثورة يناير مباشرة مع تزايد نشاطات المسلحين، وفي أعقاب انقلاب يوليو2013م شن الجيش سبعة حملات عسكرية موسعة على سيناء لكنه لم ينجح إلا في أعقاب التحالف مع مليشيات العرجاني واتحاد قبائل سيناء. الملاحظة الثالثة، أن السيسي كافأ العرجاني على هذا الدور، وفي يناير 2022م، أصدر السيسي قرارًا بتعيين العرجاني عضوًا في مجلس إدارة الجهاز الوطني لتعمير شبه جزيرة سيناء، التي تعتبر هيئة اقتصادية عامة تتبع رئاسة مجلس الوزراء، كما يترأس العرجاني مجلس إدارة شركة "غلوبال أوتو" للسيارات، وهي شراكة مصرية خليجية. الملاحظة الرابعة، أنه في الوقت الذي يدعي فيه العرجاني أن سيناء تنعم بالأمن والأمان، يتجاهل الاشتباكات المسلحة الغامضة التي وقعت الأسبوع الماضي (بداية أغسطس 2023) في مقر الأمن الوطني بمدنية العريش وهو الحادث الذي أسفر عن مقتل نحو 8 بينهم ضباط كبار وإصابة أكثر من عشرين آخرين؛ وهو الحادث الذي لا تزال تفاصيله ودوافعه غامضة حتى اليوم لانعدام الشفافية والمصداقية عند النظام. كما يتجاهل العرجاني أن معاناة مئات الآلاف من أبناء سيناء والذين تم تهجيرهم من بيوتهم خلال السنوات الماضية على يد النظام ولا يزالون حتى اليوم يعانون من عدم الاستقرار. ويعيش العائدون إلى محافظة شمال سيناء، بعد تهجير دام عشر سنوات، حالة من الكرّ والفرّ مع قوات الجيش، التي تتقلب في قراراتها بين السماح والرفض للمواطنين بالدخول إلى قراهم، سواء في جنوب مدينة الشيخ زويد ورفح، أو في مناطق الساحل. ويأتي ذلك وسط دعوات من الأهالي للمشايخ ورموز القبائل بالتدخل لدى الجهات الأمنية التي أشرفت على طرد المجموعات القبلية لتنظيم "داعش" من شمال سيناء العام الماضي(2022)، بدعم من الجيش الذي يقف في وجه عودتهم اليوم. وتعمل الهيئة الهندسية للقوات المسلحة حاليا على تحديد مساحات واتجاهات طرق دولية ستشق مدينتي رفح والشيخ زويد، لتربط بين منطقتي وسط سيناء وميناء العريش الذي يجري توسعته بمعرفة وزارة الدفاع، بعد إخلاء السكان المحيطين به. وفي ظل هذا المشروع الجديد، ستحدد قوات الجيش المناطق التي ستمر بها الطرق الجديدة، من ثم ستصدر قرارات بالعودة إلى من لا يمسهم المشروع. أما من سيلتهم الطريق منازلهم أو قراهم، فسيُعوَّض عليهم بالشكل القانوني، وفقاً لما تراه محافظة شمال سيناء ويجري التعامل به مع عمليات التعويض في سيناء عموماً. الطريق سيمتد من محافظة جنوبسيناء إلى وسط سيناء وصولاً إلى شاطئ مدن شمال سيناء، وخصوصاً منطقة الميناء، وكذلك في اتجاه خطة سكة حديد الفردان، التي ستعمل داخل المحافظة خلال الأشهر المقبلة، بعد إنجازها، حيث إنها تصل حالياً أطراف مدينة بئر العبد، في طريقها إلى العريش، ومن ثم منطقة الحسنة بوسط سيناء. الملاحظة الخامسة، وفق قراءة عميقة لما جرى في سيناء خلال العقد الماضي؛ فإن ما جرى لم يكن صراعا حقيقيا مع تنظيم "إرهابي" لكنه صراع مفتعل يقف وراءه تحالف (إسرائيل أجنحة داخل السلطة في مصر) هم من صنعوا تنظيم "ولاية سيناء" أو استغلوا وجوده سياسيا عبر تضخيمه والتخويف منه، وهم من يبثون الروح فيه حتى يستمر ويبقى مصدر تهديد متواصل، أو يقضون عليه نهائيا متى أرادوا؛ من أجل تحقيق المخططات المرسومة بعناية من أجل إعادة تصميم خريطة المنطقة بما يضمن حماية إسرائيل وتفوقها واستمرارها ، وجرى توظيف هذه الحرب المفتعلة القذرة كغطاء على عمليات التجسس والملاحقة التي تقوم بها إسرائيل في سيناء بهدف ملاحقة شبكات تهريب السلاح للمقاومة من جهة، وتمهيد الأرض وفق مقترحات "الوطن البديل"، بربط غزةبسيناء من جهة أخرى؛ ولذلك من العجيب حقا أن السيسي في ذروة المواجهة مع التنظيم كان يصر على إنشاء مشروعات بنية تحتية وميناء ومطار ومحطات كهرباء ومياه في مناطق الاشتعال. ورغم أنه كان يهجر الأهالي ويتعنت معهم إلى أقصى حد؛ فهل كان من العقل أو الحكمة إقامة مشروعات استثمارية في منطقة ملتهبة من أكثر مناطق العالم تهديدا وإرهابا؟! أم كانت م أهناك أهداف خفية يراد تحقيقها على المدى الطويل، والحرب على الإرهاب ما هي إلا صدى وغطاء لهذه المؤامرات التي تستهدف حصار حركات المقاومة وإجبارها مستقبلا على الإذعان للاحتلال وكفلائه في واشنطن والعواصم العربية. وأي حديث عن فشل الجيش المصري أمام حفنة مئات من المسلحين هو من قبيل السطحية التي كنا نرددها دون وعي بعمق الأمور وجوهرها. فما يجري هو إفشال متعمد من جانب أجنحة داخل السلطة متحالفة مع قوى إقليمية، بينما معظم القيادات العليا والقيادات الوسطي والدنيا لا تعرف عن هذه المخططات والمؤامرات القائمة شيئا، أو تعلم ولكنها تخشى عواقب الرفض والاعتراض؛ هي فقط تتلقى الأوامر وتنفذها دون نقاش رغم عبثية المشهد برمته، بينما يمارس الإعلام هوايته في التطبيل والرقص انصياعا لأوامر السلطة وتوجهاتها.