المليشيات القبلية التي قام نظام الدكتاتور عبدالفتاح السيسي بتشكيلها في 2017م من أجل مساعدة الجيش والشرطة في الحرب ضد الحركات المسلحة في سيناء وعلى رأسها تنظيم "بيت المقدس" تعاني حاليا من أزمات كبيرة تنذر بتفكك هذه المليشيات واندثارها. وقتل السبت 19 فبراير 2022 عنصران من هذه المليشيات القبلية (من قبيلة السواركة) بسبب انفجار عبوة ناسفة في قوة تابعة لاتحاد قبائل سيناء قرب قرية التومة جنوب مدينة الشيخ زويد في حي أبو ملحوس وهو أحد الأحياء التي عاد إليها سكانها المهجرون مؤخرا قبل شهرين بتنسيق مع الجيش. ومع استعادة الجيش بمساندة هذه المليشيات القبلية لعدد من المناطق التي كانت تحت سيطرة تنظيم "داعش" دبت الخلافات بين مكونات هذه المليشيات؛ بحثاً عن المزيد من المكاسب بالتقرب من قوات الجيش المنتشرة في المنطقة. وباتت كل قبيلة في سيناء تسعى لإيجاد خط اتصال منفصل مع قوات الجيش بعيداً عن مظلة "اتحاد قبائل سيناء" الذي يقوده رجل الأعمال السيناوي إبراهيم العرجاني، المقرّب من دوائر الاستخبارات المصرية وفي مقدمتها محمود عبد الفتاح السيسي. وفي سيناء ثلاث قبائل ذات تعداد سكاني كبير، تتمثل في الترابين، والسواركة، والارميلات. وكان إبراهيم العرجاني من قبيلة الترابين يستحوذ على مكاسب العمل مع قوات الجيش، ويعمل تحت عباءته أفراد القبائل البدوية، طمعاً في البحث عن لقمة العيش، والفتات الذي يلقيه لهم بين الفينة والأخرى، إلى أن تمكن بعض هؤلاء الأفراد من نسج علاقات مباشرة مع قيادات ميدانية في قوات الجيش، مكنتهم من تشكيل مجموعات ذات خبرة وامكانيات على مساعدة الجيش بشكل حقيقي. وبحسب صحيفة "العربي الجديد" اللندنية، فإن في محافظة شمال سيناء، بات هناك عدة مسميات، تعمل إلى جانب الجيش، وتتمثل في الآتي: "اتحاد قبائل سيناء" الذي يرأسه العرجاني، ويتفرع منه عدة مجموعات ك"مجموعة الشهيد وسيم العرجاني"، والقوة الخاصة "أف 70". كما هناك مجموعات أخرى لا علاقة للعرجاني بها، وهي مجموعة رجال الظل، و"كتائب الشهيد سالم أبو لافي"، الذي قتل في كمين لتنظيم "داعش" قبل خمس سنوات، وهو شريك العرجاني سابقاً، و"مجموعة الملوك – قبيلة الارميلات"، و"مجموعة المغارة"، و"قوة القائد بدر". وشهدت الأسابيع الماضية بسحب أحد شيوخ سيناء عدة إشكالات بين القبائل، لم تحدث من قبل، وعلى قضايا تافهة، إلا أن السلاح بيد عشرات الشبان العاملين مع قوات الجيش، غيّر المعادلة بشكل لافت". فقد بات السلاح سببا لفتنة داخلية، في ظل رغبة الجميع التقدم في العلاقة مع قيادات الجيش بسيناء، ولو كان ذلك على حساب أبناء القبائل الأخرى. فقد تبارت كل مجموعة لإظهار مدى قوتها على حساب المجموعات الأخرى من خلال التهديدات والمساومات والابتزاز المتبادل والعروض العسكرية ورسائل التهديد المتبادلة بين عدة قبائل ومجموعات عسكرية في سيناء، الأمر الذي يحمل نذر خطيرة على مستقبل المنطقة خلال الأيام المقبلة. ومع تراجع خطر "داعش" تفرغ مقاتلو هذه المليشيات لتصفية الحسابات فيما بينهم بحثاً عن مكاسب الحرب، بالحصول على بطاقات للتحرك خارج سيناء بسياراتهم الخاصة، وتنسيقات العبور عبر قناة السويس، والحصول على أسلحة حماية شخصية مرخصة من قوات الجيش، خوفاً من تعرضهم للأذى نتيجة عملهم مع الأمن، وما شمل ذلك من شر أصاب مواطنين كثرا على يد هؤلاء المتعاونين الذين مارسوا أشكالا متعددة من الابتزاز من خلال تهديد كثير من المواطنين بالإبلاغ عنهم بوصفهم متعاونين مع المسلحين. المشهد آخذ في التعقيد في ظل صمت مريب من قيادة الجيش، على الحالة الراهنة، وكأنهم يريدون التخلص من هؤلاء البدو بعد انتهاء مهمتهم في ملاحقة التنظيم على مدار السنوات الماضية. وكان نظام السيسي قد دعم تشكيل هذه المليشيات مقابل تسهيلات حصلوا عليها في التحرك بحرية على كمائن الجيش وركوب سيارات الدفع الرباعي المحظورة في شمال سيناء والسماح لهم بممارسة أعمال تجارية ممنوعة كتجارة المخدرات وزراعتها. وينظر فريق من المحللين إلى أن دعم النظام لتشكيل هذه المليشيات هو بحد ذاته اعتراف بالهزيمة أمام التنظيمات المسلحة وإقرار بعدم قدرة الجيش العاشر عالميا والذي يحظى بقدرات تسليحية هائلة على حسم الصراع الذي يتواصل للعام التاسع على التوالي. لكن تكوين هذه المليشيات خفف الضغط على قوات وعناصر الجيش حيث وجه تنظيم "داعش" جزءا كبيرا من إمكاناته لمواجهة هذه المليشيات؛ وبالتالي فإن الهدف هو استنزاف المسلحين والقبائل من أجل حماية أرواح المؤسسة العسكرية رغم أن وظيفتها الأساسية هي حمل السلاح لحماية أمن البلاد والمجتمع فلماذا تسمح لمليشيات قبلية بحمل السلاح رغم أن هذا يخالف الدستور والقانون؟! معنى ذلك أن الخاسر الأكبر هو المواطن السيناوي الذي بات بين مطرقة الجيش ومخبريه من جهة والمسلحين من جهة ثانية. لكن أحد الرابحين من هذا المشهد وتلك الفوضى هي "إسرائيل" التي تعمل على إثارة المزيد من الفوضى من أجل أن يكون ذلك مبررا لها للتدخل بالتجسس والمراقبة من أجل ملاحقة شبكات تهريب السلاح للمقاومة في غزة. وبالتالي فإن استمرار هذه الحرب المزعومة على الإرهاب المزعوم هي ذريعة تسمح للاحتلال بالتدخل بدعوى مساندة الجيش والنظام المصري. وهو الأمر الذي يرحب به الجنرال السيسي وسمح بسببه لطيران الاحتلال باستباحة أجواء سيناء وانتهاك سيادة مصر على أراضيها بشن مئات الغارات على شمال سيناء بدعوى الحرب على الإرهاب!