قال المجلس الأطلسي: إن "الأزمة في السودان، التي دخلت الآن شهرها الثاني، لها تداعيات خطيرة على الدول المجاورة، وبشكل خاص بالنسبة لمصر التي تواجه تحديات اقتصادية، والتي تراقب أزمة إنسانية تتكشف على جانبها من الحدود مع فرار عشرات الآلاف من اللاجئين السودانيين من الصراع". وأضاف المجلس في تقرير له، "منذ اندلاع القتال في منتصف أبريل، عبر ما لا يقل عن 259 ألف شخص من السودان إلى البلدان المجاورة ، وتحديدا مصر وتشاد وإريتريا وجمهورية أفريقيا الوسطى وفقا للمنظمة الدولية للهجرة، لكن مصر التي تشترك في حدودها الجنوبية مع السودان هي الأكثر تضررا". وأوضح التقرير "أن مصر، وهي الوجهة الرئيسية للأشخاص الفارين من العنف، قد استقبلت أكثر من خمسين ألف شخص عبر الحدود، ومن المتوقع أن يعبر مئات الآلاف إلى البلاد في الأشهر المقبلة إذا استمر القتال، لا يهدد التدفق الجماعي بتفاقم الأزمة الإنسانية على الجانب المصري من الحدود فحسب، بل يهدد أيضا بإرهاق موارد البلاد في وقت تواجه فيه أزمة اقتصادية متفاقمة، مما يهدد بمزيد من السخط على سكانها الساخطين". لكن حكومة السيسي لديها الكثير مما يدعو للقلق أكثر من السخط الشعبي المتزايد الناجم عن الضغوط الاقتصادية الهائلة، إن التسلل المحتمل للجماعات المتطرفة إلى مصر هو حاليا مصدر قلق رئيسي للسلطات. وأشار التقرير إلى أنه على مدى العقد الماضي، كان الجيش والشرطة المصريان هدفا لهجمات إرهابية متعددة شنها جهاديون تابعون لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) عبروا إلى مصر من الحدود الشرقية المشتركة مع قطاع غزة، وفي الوقت نفسه، تم نشر القوات على طول الحدود الغربية لمصر مع ليبيا للحد من تسلل الإرهابيين وتكرار هجمات مماثلة، وأدى الإفراج مؤخرا عن شخصيات مؤيدة للإخوان المسلمين من سجن في السودان إلى زيادة مخاوف القاهرة . وتابع التقرير "مصدر قلق رئيسي آخر لمصر هو العلاقات القوية لقوات الدعم السريع مع إثيوبيا، وسعت مصر للحصول على دعم السودان في نزاعها المستمر مع إثيوبيا حول حصة الدولة الواقعة في اتجاه مجرى النهر من مياه النيل، وبعد بناء وملء سد النهضة الإثيوبي الكبير (GERD) ، الذي تعتبره مصر تهديدا وجوديا، إذا قررت مصر استخدام الخيار العسكري ضد إثيوبيا في أي وقت في المستقبل، فقد تضطر إلى القيام بذلك من جانب واحد، حيث لن يكون السودان إلى جانبها بعد الآن". واستبعد عبد الفتاح السيسي، قائد الانقلاب، أي تدخل في السودان، بحجة أن الأزمة السودانية مسألة داخلية، كما تعهد بأن مصر لن تنحاز إلى أي طرف في الصراع وعرض التوسط بين الفصائل المتناحرة في السودان، ومع ذلك، يشير المشككون إلى أن حكومة السيسي متورطة بالفعل بعمق في الخرطوم، ويؤكدون أن الجيش المصري يدعم الجيش السوداني الذي أقام معه علاقات قوية بعد الإطاحة بالرئيس السوداني السابق ذي الميول الإسلامية عمر البشير في عام 2019. ويجادل بعض المحللين بأن المخاطر كبيرة للغاية بالنسبة للقاهرة للوقوف مكتوفة الأيدي ومشاهدة تدهور الوضع. وأردف التقرير "ليس سرا أن سلطات الانقلاب دعمت الجيش السوداني منذ فترة طويلة باقتناع بأنه المؤسسة الوحيدة التي يمكنها استعادة الاستقرار في السودان، وعززت حكومة السيسي علاقاتها مع الجيش السوداني من خلال إجراء مناورات عسكرية مشتركة مع السودان بعد أن أطاح الجيش بالبشير في أعقاب الاحتجاجات الجماهيرية في السودان، وتتطلع سلطات الانقلاب إلى عبد الفتاح البرهان، القائد العسكري الفعلي للسودان، لسحق الحركة الوليدة المؤيدة للديمقراطية التي ظهرت خلال الانتفاضة الجماهيرية في السودان عام 2019 واستعادة الأمن والاستقرار في السودان، وهي خطوات ترى القاهرة أنها تخدم مصالحها. واعتبرت أسر قوات الدعم السريع مائتي جندي مصري معظمهم من أفراد القوات الجوية في قاعدة عسكرية في بلدة مروي شمال السودان في منتصف أبريل، فضلا عن شريط فيديو مسرب يظهر الجنود في حالة هزيمة عملا استفزازيا، كما أثارت هذه الحادثة المهينة غضبا على منصات التواصل الاجتماعي. وقد اعتقدت قوات الدعم السريع أن الجنود المصريين كانوا يقفون إلى جانب القوات المسلحة السودانية، لكنها اعتذرت لاحقا عن نشر الفيديو، وفي الوقت نفسه، وفي محاولة واضحة لحفظ ماء الوجه، أصر السيسي على أن القوات المصرية كانت في السودان لأغراض التدريب، وأعطى قوات الدعم السريع مهلة مدتها اثنتان وسبعون ساعة لإعادة الجنود إلى ديارهم بأمان، وقد أعيدت القوات بالفعل إلى مصر في 19 أبريل، لكن بعض المحللين يعتقدون أن الحادث لم ينس، ويخمنون أن القاهرة ربما تنتظر اللحظة المناسبة للرد. وأكمل "كانت هناك تقارير غير مؤكدة تفيد بأن حكومة السيسي زودت القوات المسلحة السودانية بالاستخبارات العسكرية والدعم التكتيكي، كما أشارت المصادر إلى قصف غير مؤكد لمواقع قوات الدعم السريع من قبل الطائرات المقاتلة المصرية، وتقول إن "سلطات الانقلاب تفكر في غزو السودان لمحاربة القوات شبه العسكرية القوية بقيادة محمد حمدان دقلو ، المعروف باسم حميدتي، وإذا كانت التقارير دقيقة، فإن هذا سيضع مصر في مواجهة الإمارات العربية المتحدة – حليف مصر منذ فترة طويلة والداعم المالي الرئيسي – التي ألقت بثقلها وراء قوات الدعم السريع، كما أنه سيضع مصر في مواجهة أمير الحرب الليبي الجنرال خليفة حفتر، وهو مؤيد آخر لقوات الدعم السريع، تسيطر قواته على جزء كبير من شرق ليبيا والذي كان مدعوما من مصر وقوات الدعم السريع خلال هجومه الفاشل على طرابلس في عام 2019". واستطرد "كل هذا يضع حكومة السيسي في مأزق، فمن ناحية تود أن ترى استعادة الاستقرار والأمن في السودان خوفا من امتداد العنف إلى أراضيها، ومن ناحية أخرى، لا ترغب الجارة الشمالية للسودان في المخاطرة بإزعاج الإمارات العربية المتحدة من خلال اتخاذ جانب معارض في الصراع علنا، وتبيع حكومة السيسي التي تعاني من ضائقة مالية أصولا مملوكة للحكومة إلى الدولة الخليجية الغنية لدعم اقتصادها المضطرب، وقد يؤدي إثارة غضب الإمارات إلى وقف استثماراتها في مصر، مما يحرم الدولة الواقعة في شمال إفريقيا من الأموال التي تحتاجها بشدة لسد فجوة تمويلية تبلغ 17 مليار دولار على مدى السنوات الأربع المقبلة". وأضاف " من الأسلم لحكومة السيسي أن تستمر في دعم القوات المسلحة السودانية سرا أو بشكل غير مباشر دون الإعلان علنا عن موقفها المناهض لقوات الدعم السريع، ومع ذلك، ومع اكتمال إجلاء الأجانب من السودان تقريبا، تنتشر التوقعات بأن غزوا عسكريا مصريا واسع النطاق للسودان بات وشيكا على افتراض استمرار الصراع، ووفقا لبعض المحللين، فإن غزو السودان سيعطي مصر فرصة لإعادة تأكيد دورها القيادي في المنطقة". من خلال التوسط في هدنة بين الفصائل المتنافسة في السودان، ستحظى حكومة السيسي أيضا بتأييد القوى العالمية – الولاياتالمتحدة على وجه الخصوص – التي كانت تعلق آمالها على تسليم السلطة إلى حكومة مدنية، كانت العودة إلى الحكم المدني موضع خلاف بين البرهان وقوات الدعم السريع، حيث اتهمت الأخيرة القادة العسكريين السودانيين بالتشبث بالسلطة. وأوضح التقرير أنه "من شأن المساعدة في إنهاء الصراع في السودان أن تسمح لحكومة السيسي أيضا بمواءمة سياستها الخارجية ومصالحها مع الولاياتالمتحدة، مما يعكس اتجاها سابقا يتمثل في وجود وجهات نظر متضاربة حول القضايا الإقليمية، وهذا من شأنه أن يمهد الطريق لمزيد من التعاون بين الولاياتالمتحدة وحليفتها القديمة في الشرق الأوسط، وسيساعد بلا شك في نزع فتيل التوترات حول المواقف المتعارضة بشأن العديد من القضايا، بما في ذلك دعم مصر لحفتر خلال الحرب الأهلية في ليبيا والتقارير التي تسربت مؤخرا عن خطط الانقلاب السرية لتزويد روسيا بالصواريخ". وتابع "أثارت علاقات حكومة السيسي الاستراتيجية مع روسيا غضب الولاياتالمتحدة أكثر من غيرها، قد يكون الوقت قد حان الآن لكي تظهر القاهرة لإدارة بايدن أن تعاون مصر مع روسيا – الذي شمل صفقات أسلحة وعقدا لإنشاء منشأة نووية مدنية – ليس محاولة لإدارة ظهرها للدعم الأمريكي، بل تنويع مصادر دعمها". واختتم "هكذا، في حين أن هناك العديد من العوامل المعقدة التي قد تثني حكومة السيسي عن التدخل العلني في السودان، لا يمكن استبعاد احتمال حدوث غزو. والواقع أن فرصة تيسير العلاقات مع الولاياتالمتحدة تشكل حافزا مثيرا، وكذلك الفوائد التي قد تنشأ عن جلب الاستقرار والأمن إلى المنطقة المحيطة".