رغم أن نظامه حارب "الصلاة على النبي" منذ سنوات قليلة؛ إلا أنه لجأ الآن إلى الاستعانة بها في تناقض غريب؛ جاء بدعوى الرغبة في تفريج الكرب عن المصريين. لا يعرف أحد بالتحديد أسباب التغيير المفاجيء، رغم أنه تناقض معتاد من سلطة الانقلاب التي دأبت على تغيير المواقف دون أي مبرر؛ حيث عادت قطر وتركيا ثم عادت لإقامة علاقات وثيقة معهما، كما ألقت ب"ميكرفون الجزيرة" أرضا، ثم طبعت العلاقات مع "الميكرفون" ومن يحمله، كما عادت "القوى المدنية" وحبست رموزها "خالد داوود" وغيره، ثم دعت رموز الحركة إلى حوار وطني ووعد بالإفراج عن كافة المنتمين إلى ذلك التيار. وكان المهندس ممدوح حمزة نموذجا أيضا لهذا التناقض؛ حيث رفعت عليه دعاوى قضائية ومنعته من السفر، ثم استقبلته في قاعة كبار الزوار بالمطار! وفي هذا السياق دعت وزارة أوقاف الانقلاب المصريين إلى الانخراط في حملة "الصلاة على النبي" لمدة 5 دقائق عقب صلاة الجمعة أمس؛ رغم أنها أحالت القائمين على حملة "هل صليت على النبي اليوم" إلى المحاكمة قبل عدة سنوات واعتبرتهم ينتمون إلى تنظيم متطرف! هل تنقذ البلاد؟ ففي محاولة فاشلة لإنقاذ البلاد من الولوج إلى مرحلة الإفلاس ووقف التذمر المتصاعد لدى المصريين ضد قادة النظام الانقلابي؛ دعا وزير أوقاف الانقلاب إلى تخصيص 5 دقائق للصلاة على النبي بشكل علني. وهي الحملة التي قوبلت بردود فعل متباينة للغاية؛ حيث رحب بها البعض معتبرا أنها فرصة لإحياء دور المساجد ونيل ثواب الصلاة على النبي، فيما اعتبر البعض الآخر أن جهرية وجماعية الصلاة على النبي بدعة لا ينبغي الترحيب بها، أما القسم الثالث فرأى أن سبب الرفض الوحيد والأهم هو أنها صادرة من سلطة الانقلاب التي لا يثق فيها الشعب المصري ويدرك أن دعواتها دائما ليست لوجه الله، وأن توظيف الصلاة على النبي سياسيا بهذا الشكل أمر غير مقبول. سبق وحارب السيسي نفسه حملات أطلقها إسلاميون وسلفيون، حيث اعتقلت سلطات السيسي الأمنية آلاف الشباب الذين شاروا فيها، وحررت إدارات المرور آلاف المخالفات للسيارات التي علقت ذلك الشعار على زجاجها، وهو ما يكسف زيف السيسي ونظامه الداعي لتلك الحملة، خاصة وأن نظام السيسي لا يتوقف عن مطاردة الملتحين وتوقيف المنقبات والمحجبات والدعاة، بل وأغلق أكثر من 100 ألف زاوية ومسجد صغير تقام فيها الصلاة والفرائض والصلاة على النبي أيضا..! من جانبها أصدرت دار الإفتاء بيانا حول مشروعية الصلاة والسلام عليه دون تقييد "فرادى أو جماعات سرًّا أو جهرًا في ضوء سعة أفق الدين العظيم ، وبيان مدى رحابته وسماحته ، ولا سيما أن الصلاة والسلام على الحبيب (صلى الله عليه وسلم) في قلب ووجدان وروح كل مسلم محب لدينه ورسوله". وأشار البيان إلى أنه "لا يمكن لدارس أو حتى طالب علم يتحدث عن فقه وعلم أن يتجاوز رأي دار الإفتاء فيراه غير معتبر حتى لو كان مختلفًا معه ، و إلا فمن يكون رأيه معتبرا إذن"؟ كما شددت وزارة الأوقاف على أئمة المساجد والعاملين باللالتزام بأداء الصلاة على النبي، ومن لا يفعل فسيعاقب، وحثت المصلين على الإبلاغ عن الممتنعين عن الصلاة على النبي. مآرب أخرى وللمرة الأولى ، يلاحظ المتابع إصرار النظام على الأمر، ما يؤكد أن هناك أسبابا أخرى تقف وراء تلك الحملة، يحصرها مراقببون في رغبة علماء السيسي في تخفيف حدة الأزمات التي تحياها مصر والتي باتت تضيق بأهلها مع تصاعد العجز المالي الملحوظ ، وبات الفقر يضرب أكثر من 80% من المصريين، علاوة على تفاقم الديون وخدماتها التي تبتلع 54% من موازنة البلاد، علاوة على انصراف المانحين ودول الخليج عن مساعدة السيسي ونظامه ماليا لتأكدهم من إهداره مليارات الدولارات على مشاريع بعيدة عن أولوية المصريين، مع توسع الجيش في ابتلاع المشاريع على عكس المطالبات الدولية وتوجيهات الدول المانحة كسبيل لتخفيف الازمات الاقتصادية ودعم مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد. ولعل الاجابة عن هذا السؤال تتطلب الكثير من التريث والتفكير، إذ إن المظالم التي يوزعها السيسي يوميا على المصريين منذ انقلابه العسكري هي السبب في تلك الأزمات، بدءا من دماء الشرفاء التي أسالها السيسي في شوارع مصر منذ 2013، حيث قتل الآلاف واعتقل أكثر من 120 ألف مصري، مات منهم الآلاف في السجون بالإهمال الطبي ومنع التهوية والتريض، بجانب ملايين المشردين والمطاردين، وحرم الآلاف من أعمالهم واستولى على الشركات والأموال من المعارضين وصادر الممتلكات بلا وجه حق، وهوما لا يرضى عنه النبي الذي يحاول السيسي ونظامه التمسح بالصلاة عليه الآن