منذ بدء العدوان الإسرائيلي المفاجئ على غزة وصمت المقاومة عن الرد يوما كاملا، والاحتلال في حالة توتر وارتباك يتساءل عن سر عدم الرد السريع كما اعتادت المقاومة، حتى إنه نفذ مكاسب للمقاومة دون أن تطلق صاروخا واحدا. فقد أغلق مطارات ورحل الآلاف من سكان الجنوب في المستوطنات إلى الشمال وأغلقوا بيوتهم، وتعطلت مواصلات ومصانع ومدارس وتكبد الاحتلال خسائر مالية ضخمة دون إطلاق صاروخ واحد من غزة، ما بدد قوة الردع في ظل اختيار المقاومة الفلسطينية التريث وعدم الرد الفوري. محللون وخبراء عرب وإسرائيليين أكدوا أن المقاومة استخدمت هذه المرة استراتيجية جديدة هي "الاستنزاف بالصمت والنفس الطويل" لأنها تعلم أن الاحتلال يرغب في تسريع إنهاء جولة القتال والخروج بمكاسب هي اغتيال قادة الجهاد الإسلامي، وعدم إطالة الصراع الذي يوقف الحياة في الدولة العبرية. شرح هذه الورطة والحيرة الإسرائيلية، الجنرال والباحث في شؤون الشرق الأوسط بجامعة تل أبيب، ميخائيل ميليشتاين، في حديث للإذاعة الإسرائيلية 9 مايز 2023 قائلا: "نحن نسارع كي نصل لخط النهاية وننتظر كيف ومتى يردون؟ وهذا الصمت هو إنجاز لحركة حماس بالأساس، التي تحقق منجزات معنوية وعملية". وعبر "ميليشتاين" عن هذه الاستراتيجية الصبر للاستنزاف، التي تتبعها حماس قائلا: إنها "الله مع الصابرين، بينما إسرائيل مستعجلة في أمرها، تعيش وكأنها في ماراثون وتريد كل شيء بسرعة". وحتى حين بدأت المقاومة الرد على الاحتلال ظلت ترد بتدرج وصبر على الاحتلال لاستنزاف قدراته وإطالة أمد تعطيل الحياة في دولة الاحتلال الذي يكلفها الكثير. أمر آخر ألمح له الوزراء الصهاينة هو انتهاء فاعلية السلاح النووي الإسرائيلي في مواجهة المقاومة، خصوصا بسبب الغبار الذري وقدرة المقاومة على إيذاء الدولة الصهيونية دون أن يطالها الردع النووي. وقد عبر عن هذا ضمنا الوزير المتطرف سموتريتش وزير المالية في لقاء مع القناة 12 العبرية قائلا: "من الآن فصاعدا لا تقل الأسلحة النووية، ساخرا من هذه المزحة الحكومية لردع المقاومة، بعدما كشفت إسرائيل أن الصواريخ التي ضربت تل أبيب من نوع حديث" ما يؤكد تحديث مخزون المقاومة". https://twitter.com/Blackbird2093/status/1656350736861495316 سياسة النفس الطويل وتقول صحيفة "القدس العربي": إن "إسرائيل الرسمية وغير الرسمية حائرة في سلوك المقاومة الفلسطينية، وسط بحث عن أجوبة لاستنكافها عن الرد الفوري وعن السينايوهات المفتوحة، خاصة ما يتعلق بموقف حركة حماس". وسط تساؤلات عن استخدام وسيلة جديدة غير متوقعة ولم يحسب لها حساب في إسرائيل، وهو استنزافها بالصمت والنفس الطويل، لا سيما أن عشرات الآلاف وأكثر من الإسرائيليين في جنوب البلاد، لا يعملون ولا يتعلمون لليوم الثاني على التوالي، علاوة على الضغوط النفسية في انتظار رد الفعل من غزة. وربما هذا ما يدفع قادة الاحتلال لتكرار تهديداتهم بالمزيد من الاغتيالات ومزيد من القتل، كما قال الوزير يسرائيل كاتس للإذاعة العبرية مهددا باغتيال واستهداف قادة المقاومة الفلسطينية من حركة حماس. وقد عبرت وزيرة الاستخبارات جيلا جملئيل عن قلقها من ذلك واتهمت المقاومة بمحاولة جر إسرائيل لمواجهة طويلة الأمد. وقال سخر المحلل السياسي في القناة 12 العبرية عاميت سيغال، من عملية العدوان علي غزة التي أسمتها حكومة نتنياهو "درع وسهم، قائلا: "هي في الواقع عملية"سلم وشجرة، في إشارة لأنها مغامرة عسكرية قادها نتنياهو لمنع تفكك ائتلافه الحاكم، وإنزال وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير عن الشجرة بعدما جمد مشاركة حزبه في اجتماعات الحكومة وفي التصويت على مشاريعها في الكنيست، احتجاجا على ما وصفه بالرد الإسرائيلي الهزيل على صواريخ غزة". مقلاع داوود استراتيجية أخري للمقاومة لا يمكن إغفالها هي استخدام الهجمات الإلكترونية لتعطيل القبة الحديدية الإسرائيلية في نفس وقت إطلاق الصواريخ، ما دفع الاحتلال هذه المرة لاستخدام منظومات صواريخ مضادة أخرى أكثر كلفة. ويعتبر دخول منظومة "مقلاع داوود" إلى الخدمة في مواجهة صواريخ المقاومة رغم أن هذه المنظومة مخصصة للصواريخ العالية والبالستية، ما يعد اعترافا إسرائيليا بفشل منظومة القبة الحديدية، وهذا انتصارا للمقاومة. حيث أجبرت صواريخ غزة إسرائيل على استخدام نظام مقلاع داوود للمرة الأولى وقال مصدران عسكريان إسرائيليان: إن "إسرائيل استخدمت هذا النظام لاعتراض صواريخ المقاومة الفلسطينية من غزة بسبب الفشل الكبير للقبة الحديدية". ومقلاع داوود نظام مصمم لإسقاط الصواريخ التي يتم إطلاقها من مسافة 100 إلى 200 كيلومتر، وهو جزء من الدرع الصاروخية لإسرائيل التي تشمل بالفعل نظام القبة الحديدية لاعتراض الصواريخ قصيرة المدى ونظامي آرو-2 وآرو-3 لاعتراض الصواريخ طويلة المدى. مقلاع داوود واستخدمت إسرائيل القبة الحديدية على نطاق واسع لاعتراض الصواريخ التي تطلقها المقاومة في غزة، وتهديد إيران الصاروخي كان هو الحافز على تطوير صواريخ أرو. ومقلاع داوود من تطوير وتصنيع شركة رافائيل الإسرائيلية لأنظمة الدفاع المتقدمة المملوكة للدولة بالشراكة مع شركة رايثيون الأمريكية، وجرى تصميمه أيضا لاعتراض صواريخ كروز.