أعلنت حكومة السيسي، في الشهر الماضي، عزمها على طرح 32 شركة مملوكة للدولة في 18 قطاعا اقتصاديا للخصخصة الجزئية، من خلال الاكتتابات العامة في البورصة وطرح حصص للمستثمرين الاستراتيجيين، في غضون عام من الإعلان، بحسب ما أفاد موقع "مدى مصر" . وقال الموقع في تقرير له، إن "العروض ال 32 تمثل إعادة تجميع للشركات والأصول التي تحاول الحكومة فرضها على الاستثمار الأجنبي على مدى السنوات الخمس الماضية في نسخة سابقة من برنامج الاكتتاب العام، ومع ذلك، تعثر برنامج الاكتتاب العام لعام 2018 بسبب ظروف السوق العدائية". مدى مصر تحدث مع خبير استثمار لمحاولة فهم ما هو مختلف هذه المرة. وجاء هذا الإعلان في الوقت الذي تكافح فيه حكومة السيسي، التي تتعرض لضغوط منذ سنوات من صندوق النقد الدولي للحد من بصمة الدولة في الاقتصاد وتوسيع مساحة القطاع الخاص، للتخفيف من الأزمة التي أثارها الغزو الروسي لأوكرانيا الذي أغرق الاقتصاد المبني على سياسات حكومية محفوفة بالمخاطر في حالة اضطراب. ولكن هل طرح مثل هذا العدد الكبير من الشركات للمستثمرين قابل للتطبيق ضمن الجدول الزمني الذي اقترحته الحكومة؟ وتصفه مصادر مقربة من برنامج الطرح تحدثت إلى «مدى مصر» بأنه برنامج غير قابل للتنفيذ لتهدئة مطالب الإصلاح من مؤسسة الإقراض، في حين تشتري الحكومة المزيد من الوقت للمناورة السياسية. ويعود برنامج الخصخصة في مصر الذي طال انتظاره إلى عام 2018، لكن حكومة السيسي كافحت لبيع أسهم الشركات بسبب ظروف السوق المعاكسة والضغط الداخلي حول تفكيك الركائز القائمة منذ فترة طويلة للمشهد السياسي والاقتصادي. ولكن الآن، ومع تفاقم الأزمة، تتطلع حكومة السيسي بشكل عاجل إلى دعم المعروض من الدولارات. جزء مما يجعل هذا الهدف الملح هو البرنامج الاقتصادي لصندوق النقد الدولي الذي وافقت عليه حكومة السيسي في نهاية العام الماضي. وقدرت مؤسسة الإقراض الفجوة التمويلية في نهاية العام الماضي بنحو 17 مليار دولار خلال برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي استمر 46 شهرا، بما في ذلك حوالي 5.04 مليار دولار حتى نهاية يونيو وحده. ووفقا للبرنامج، تطمح حكومة السيسي إلى سد هذه الفجوة من خلال الاقتراض من المؤسسات الدولية، لكن كان من المفترض سد الجزء الأكبر من هذه الفجوة من خلال طرح أسهم الشركات المملوكة للدولة للمستثمرين. ووفقا للبرنامج، من المفترض أن تبيع حكومة السيسي أصولا تصل إلى 2 مليار دولار للمستثمرين الأجانب، وتحديدا من الخليج، بحلول يونيو خلال السنة المالية 2023/2024، من المفترض أن تبيع حكومة السيسي أصولا بقيمة 4.6 مليار دولار، تليها أصول بقيمة 1.8 مليار دولار في 2024/2025. وقال رئيس حكومة السيسي، مصطفى مدبولي في فبراير إن "أسهم الشركات ال 32 ستطرح للاستثمار إما للمستثمرين الاستراتيجيين أو عن طريق طرح أسهم في البورصة المصرية أو عن طريق الجمع بين المسارين". وقال إنه "في بعض الحالات، ستتم دعوة المستثمرين لتوجيه الأموال إلى شركة معينة لتمثيل زيادة إجمالية في قيمة تلك الشركة، بينما في حالات أخرى، يمكن أيضا بيع الأسهم الحالية في الشركة لمستثمر معين أو بيعها علنا في البورصة". وتمثل الأساليب المتعددة تغييرا في التكتيك عن نسخة 2018 من برنامج الاكتتاب العام، حيث تم إخضاع 23 شركة للخصخصة الجزئية من خلال العروض العامة، كان من المقرر أن تظهر 14 شركة لأول مرة في البورصة وكان من المقرر بيع مبيعات إضافية لتسع شركات مدرجة بالفعل. ومع ذلك، حتى الآن، لم تسفر جهود حكومة السيسي لطرح حصص في 32 شركة عن أي تقدم، سواء من خلال العروض العامة أو الخاصة. وقال مصدر حكومي مقرب من خطة التخصيص ل"مدى مصر" إنه "من غير المرجح أن يحدث حجم العروض المقترح، حيث لا تزال حكومة السيسي تتخذ حاليا الخطوات الأولية لتهيئة الشركات للطرح، بما في ذلك إعداد المناقصات لاختيار بنوك الاستثمار والمكاتب القانونية التي ستتولى بيع الأسهم لبعض الشركات". وفي أحسن الأحوال، يتوقع المصدر طرح ثماني شركات فقط على مدار هذا العام، وهي شركة بورسعيد لتداول الحاويات والبضائع، وشركة دمياط لتداول الحاويات والبضائع، والشركة المصرية للإيثيلين ومشتقاته، وشركة هندسة البترول إنبي، ومصفاة الشرق الأوسط للنفط، وشركة أسيوط لتكرير النفط، والشركة المصرية ميثانكس للميثانول، والوادي للصناعات الفوسفافية والأسمدة، ولم يتم تسمية الخمس الأخيرة منها من بين 32 شركة أعلنت عنها حكومة السيسي الشهر الماضي. وأضاف المصدر أن بنك الاستثمار الإماراتي كابيتال المملوك للدولة سيتولى إدارة هذه المناقصات، في حين من المتوقع أن يتولى الصندوق السيادي المصري طرح بعض الشركات مباشرة على مستثمرين استراتيجيين. وقال مصدر رفيع المستوى في إن آي كابيتال لمدى مصر إنه "سيكون من الصعب إكمال حتى 25٪ من العروض التي أعلن عنها مدبولي في غضون عام، وأوضح المصدر أن عملية طرح الشركات بالبورصة المصرية تستغرق ستة أشهر للشركات التي لا تزال غير مستعدة للاكتتاب العام وثلاثة أشهر للشركات غير المستعدة للاكتتاب". وأشار المصدر إلى أن هناك مشكلة أخرى تتمثل في أن الاكتتابات العامة المتتالية ستؤدي إلى انخفاض أسعار الأسهم مع تقدم الأمور وفقا لقانون العرض والطلب. وأضاف المصدر أنه تم تسجيل شركتي حاويات بورسعيد ودمياط فقط في البورصة المصرية بنهاية عام 2022، لكنها لا تزال تخضع لتقييم أسعار الأسهم من قبل شركة الاستشارات المالية FinBi. وأكد مصدر في FinBi أن تقييم سعر السهم لا يزال مستمرا للشركتين، وبعد ذلك سيحتاجون إلى موافقة الهيئة العامة للرقابة المالية، تليها عملية الترويج للطرح، وهي خطوة ستستغرق ثلاثة أشهر على الأقل. وأضاف المصدر أنه نتيجة لذلك، من غير المتوقع أن يتم الاكتتاب العام الأول حتى منتصف عام 2023 ، مما يجعل آمال حكومة السيسي في طرح جميع الشركات ال 32 في غضون عام شبه مستحيل. ويتفق مصدر رفيع المستوى بالبورصة المصرية مع المستشار والمصدر الحكومي. وقال "من الصعب جدا تنفيذ البرنامج الكامل في غضون عام بسبب عدة عوامل ، بما في ذلك أن الحكومة لم تقرر بعد النسب المئوية التي سيتم طرحها في البورصة والنسب المئوية التي سيتم طرحها للمستثمرين الاستراتيجيين، وكذلك الخيار الذي يمثل الأولوية الأكبر، خاصة وأن الجميع يعلم أن المبيعات تهدف إلى الحصول على موارد دولارية. لذلك، نتوقع تأجيل العروض أو تأجيلها". وأضاف المصدر أن العديد من الشركات قد يكون لديها التزامات مالية للتسوية أو تمر بتطورات تحتاج إلى استكمالها قبل بدء عملية الطرح الطويلة. وفيما يتعلق بالشركات التي سيتم طرحها مباشرة للمستثمرين الاستراتيجيين، قال مصدر مطلع على تعاملات صندوق الثروة السيادية ل «مدى مصر» إن "الشركات الخمس قد أضافت بالفعل إلى الصندوق الفرعي قبل الاكتتاب العام للصندوق للبدء في تسويقها لصناديق الثروة الخليجية وهي شركة الصالحية للاستثمار والتنمية، ومصر لتأمينات الحياة، وشركة خطوط ألكيل بنزين، فضلا عن شركة الوطنية للبترول ومياه صافي المملوكة للجيش لم يتم ذكر اسم الأخيرة في إعلان الشهر الماضي". لكن الصعوبات تواجه طرح الشركتين المملوكتين للجيش على وجه الخصوص، حيث أشار مصدر الصندوق السيادي إلى وجود خلافات بين حكومة السيسي ومساهمي الشركات الذين لا يوافقون على البيع، وهو ما حال دون إضافة الشركات إلى الصندوق الفرعي. في مواجهة هذه التأخيرات، لماذا أطلقت الحكومة مثل هذا البرنامج الطموح؟ وتقول العديد من المصادر إن "البرنامج تم اقتراحه كوسيلة للمناورة السياسية بهدف استرضاء الإصلاح الذي يطالب به صندوق النقد الدولي". ومن المقرر أن يبدأ صندوق النقد الدولي أول مراجعة لمدى التزام حكومة السيسي ببرنامج التكيف الهيكلي الذي جاء مع قرض العام الماضي. وقال مصدر حكومي ل «مدى مصر» في وقت سابق إن "حكومة السيسي لن يكون لديها هامش كبير للمناورة بمفردها في تنفيذ برنامج صندوق النقد الدولي، حيث ستواجه تدقيقا متزايدا من وكالة التمويل". لكن حكومة السيسي نظرت إلى قرض صندوق النقد الدولي على أنه شهادة ثقة في اقتصادها، حتى في الوقت الذي تبحر فيه في التضاريس الوعرة بشكل متزايد والتي أصبحت علاقاتها الثنائية مع دول الخليج، إن مغازلة الاستثمار الخليجي، القناة الرئيسية للتمويل في مصر، ليست شأنا اقتصاديا بحتا، وثقت مصادر سياسية ودبلوماسية وأمنية تحدثت إلى مدى مصر في الماضي شعورا متزايدا بالإحباط على أعلى المستويات من التنازلات التي اضطرت حكومة السيسي إلى تقديمها من أجل تأمين دعم اقتصادي حيوي من دول الخليج. وخص أحد المصادر بالذكر الإمارات العربية المتحدة، وذهب إلى حد وصف أنشطة الإمارات في مصر بأنها حضور محسوبية أكثر من كونها استثمارا أجنبيا. وفي حين سعت حكومة السيسي إلى علاقات أكثر دفئا مع قطر، إلا أنها وجدت أيضا أن الدوحة تقود صفقة صعبة على عدة جبهات، أبرزها في المفاوضات حول فودافون مصر، نظرا لوعي القطريين بموقف مصر اليائس بشكل متزايد. ومع ذلك، ومع وجود خيارات أخرى قليلة، تواصل حكومة السيسي الجلوس على طاولة المفاوضات مع صناديق الاستثمار الخليجية. ولكن من نواح كثيرة، يعد هذا سباقا ضد عقارب الساعة، وليس مجرد ساعة صندوق النقد الدولي. ارتفع الدين الخارجي لمصر إلى 155.7 مليار دولار بنهاية يونيو الماضي، بزيادة قدرها 17.8 مليار دولار عن يونيو 2021، وفقا لآخر تقارير البنك المركزي حول الوضع الدولي للاقتصاد المصري. ومن المفترض أن تسدد مصر 20 مليار دولار من القروض ومستحقات الديون في العام الحالي، بالإضافة إلى فجوة تمويلية تبلغ نحو 12.6 مليار دولار في الحساب الجاري في موازنة العام المالي 2022/23، وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي التي راجعها مدى مصر.