في الوقت الذي أعلنت فيه إثيوبيا استعدادها للملء الرابع لسد النهضة وإتمام مشروع إنشاء السد خلال أقل من عامين يلتزم نظام الانقلاب الصمت، وكأن المشروع لن يؤثر على مصر ولن يحرمها من حقوقها التاريخية في مياه نهر النيل . واكتفى عبدالفتاح السيسي بتصريحات متخاذلة خلال القمة العربية الصينية التي عقدت مؤخرا بالرياض، قال فيها إن "قضية الأمن المائي العربي تؤرقنا جميعا لما تفرضه من قيود على حركة التنمية، فضلا عما تسببه في مخاطر ترقى إلى التهديدات الوجودية". وطالب السيسي بوضع هذه القضية على رأس أولوياتنا ضمن المنتدى العربي الصيني، وبحث كيفية التعاون لمواجهة هذا التحدي بمختلف الأدوات التكنولوجية والسياسية والاقتصادية وفق تعبيره. ودعا الأطراف في إثيوبيا إلى الانخراط بحسن نية مع مصر والسودان للتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن سد النهضة يؤمن للأجيال الحالية والمستقبلية حقها في التنمية.بحسب تصريحاته. كانت إدارة سد النهضة الإثيوبي، قد أعلنت أنها تسعى لإتمام مشروع إنشاء سد النهضة في أقل من عامين، نافية وجود أي تشققات في سد السرج. وأوضحت إدارة سد النهضة أن إثيوبيا تعمل على تشغيل باقي التوربينات في السد والاستعداد للملء الرابع. يأتي ذلك بعد إعلان السلطات الإثيوبية انتهاء الملء الثالث لسد النهضة وتخزين كميات تصل إلى 22 مليار متر مكعب وتمرير المياه عبر الممر الأوسط للسد. وقال رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد إن "مستوى ارتفاع السد وصل إلى 600 متر، مشيرا إلى أن أثيوبيا ستقوم ببيع الكهرباء لدول الجوار لتحقيق تنمية مشتركة".
انهيار السد من جانبه كشف الدكتورر عباس شراقي أستاذ الموارد المائية والجيولوجيا بجامعة القاهرة أن السد من منظور فني بحت وبسعته المبالغ فيها وهي 74 مليار متر مكعب بعد أن كان 11,1 مليار متر مكعب في التصميم الأصلي بات يشكل خطرا شديدا في حال انهياره. وأكد شراقي في تصريحات صحفية أن قرار العمل العسكري وتوجيه ضربة لسد النهضة أصبح مستبعدا الآن، لأن نظام الانقلاب حتى الآن يريد التفاوض ولا يفكر في توجيه ضربة عسكرية للسد، لافتا إلى أن الجميع لا يريد الوصول إلى تلك النقطة ويتمنى التوصل إلى حل تفاوضي. وشرح الصلة بين احتمال توجيه ضربة عسكرية للسد وكمية المياه المخزنة في بحيرته، مؤكدا أن خلو الخزان كان يسهل بالطبع القيام بعمل عسكري، لكن في ظل التقنيات العسكرية المتقدمة يوجد عدد من الخيارات لاستخدامها عند الحاجة. وأوضح شراقي أن كل نقطة مياه تحتجز في سد النهضة هي مياه من حصة مصر والسودان، حيث يعد هذا الخرق الرابع الذي تقوم به أديس أبابا من جانب أحادي دون توقيع اتفاق . وأشار إلى أن سد النهضة مكوّن من سدين، أحدهما السد الرئيسي الذي يحتجز المياه حاليا، ويستطيع حجز نحو 14 مليار متر مكعب، وهو ما يتطابق مع الدراسات التي أعدتها الولاياتالمتحدة منذ عقود لمصلحة إثيوبيا، أما باقي كمية المياه التي تتدفق أثناء الفيضان فتتجه بحكم الطبيعة الجغرافية إلى أحد الأودية، وهو ما دفع أديس أبابا لإنشاء السد الركامي أو سد السرج، وهو الجزء الثاني من سد النهضة الذي بفضله ارتفعت حصيلة المياه المنتظر تخزينها إلى 74.5 مليار متر مكعب عند اكتمال ملء بحيرة السد. ولفت شراقي إلى أن توجيه ضربة للسد ستظل قائمة، إضافة إلى أنه حتى في حال زيادة الكميات في بحيرة السد ، فمن الممكن توجيه ضربات دقيقة تسمح بمرور كميات قريبة من التي تمر وقت الفيضان وبالتالي لن يتضرر السودان من هذا التحرك العسكري.
توظيف سياسي وأكد الدكتور عديى سعداوي العميد السابق لمعهد البحوث والدراسات الاستراتيجية لدول حوض النيل أن الحكومة الإثيوبية توظف سد النهضة توظيفا سياسيا ، موضحا أن ما تطالب به مصر والسودان فيما يتعلق بإدارة السد وتشغيله يضمن حقوق البلدين في أمان السد وضمان الحقوق المائية التاريخية والأمن الإنساني للشعب المصري والسوداني ويحقق على نفس المستوى الحق الإثيوبي في الاستفادة من السد وإنتاج الكهرباء بكفاءة . وقال سعداوي في تصريحات صحفة إن "الموقف المصري والسوداني يستند على قواعد القانون الدولي لاستخدامات الأنهار المشتركة، ولن تستطيع إثيوبيا أن تحقق أمانيها الاقتصادية والسياسية من إنشاء السد إلا إذا حكّمت العقل وأعلت المصالح المشتركة وتبادل المنافع مع مصر والسودان ، موضحا أن المصلحة المشتركة والجوار الجغرافي يحتمان إما تبادل المنافع أو تبادل الأضرار بنفس القدر". وأشار إلى أن الموارد المائية لدول حوض النيل كافية لإشباع طلب كل دول الحوض وإحداث تنمية زراعية في إطار اندماج إقليمي وتكامل على أساس الميزة النسبية لكل دولة، وهذا هو السبيل الأفضل والأمثل لإدارة الموارد المائية والطبيعية . وأوضح سعداوي أنه من الممكن العودة لمبادرة حوض النيل ، مع الأخذ في الاعتبار معالجة نقاط الخلاف وإعلاء قيم الاحتياجات الإنسانية والأمن الإنساني والموارد المائية المتاحة والاستخدامات الحالية والسكان وإنشاء مفوضية لإدارة النهر ، وفي هذه الحالة تمثل دول الحوض الإحدى عشرة تجمعا اقتصاديا مهما لتحقيق التنمية والرفاهية لشعوب هذه الدول".
الملء الرابع وقال الدكتور نادر نور الدين أستاذ الأراضي والمياه بكلية الزراعة جامعة القاهرة إنه "باكتمال الملء الثالث والبدء في الملء الرابع تكون الخيارات المصرية الأخرى قد انتفت نسبيا ، إذا وصلت المياه خلف السد إلى أكثر من 25 مليار متر مكعب". واستبعد نور الدين في تصريحات صحفية أي عمل عسكري من جانب نظام الانقلاب، لأن هناك كميات مياه هائلة وإن تدفقت بسبب ضرب سد النهضة ستؤدي إلى أضرار جسيمة في السودان تصل إلى مدينة الخرطوم، أما في مصر فإن وجود السد العالي ومفيض توشكى يتيح استقبال كميات إضافية من المياه من دون أن تتأثر. وكشف أن هناك سيناريو آخر يجعل إثيوبيا لا تركن إلى الاطمئنان خلال الشهور المقبلة، وهو أنه بعد الفيضان ستفقد بحيرة السد نحو ملياري متر مكعب بسبب التبخر خلال أشهر، خاصة أن إقليم بني شنقول من أكثر المناطق الحارة عالميا، إضافة إلى احتمال فقد 10 مليارات متر مكعب نتيجة توليد الكهرباء خلال عام حتى ما قبل الفيضان المقبل في صيف 2023، وبالتالي فإنه قبل الفيضان قد يكون أمام السد نحو 6 مليارات متر مكعب . ولفت نور الدين أن مثل تلك الكمية لا تمثل خطورة على السودان أو مصر في حال انهيار سد النهضة أو الإضرار به، مؤكدا أنه بمجرد تنفيذ الملء الرابع العام المقبل سيكون السد أكثر تحصينا من ذي قبل.