يبدو أن مافيا الدروس الخصوصية أقوى من حكومة الانقلاب أو أن هناك علاقة ما بين عصابة العسكر وسناتر الدروس الخصوصية تقوم على مبدأ "نفع واستنفع"؛ فعقب إعلان الوزارة إغلاق مراكز الدروس الخصوصية سريعا ما تبدل الموقف إلى التقنين والترخيص ثم التراجع عن ترخيص هذه المراكز وترك الأمر على ما هو عليه مقابل تفعيل مجموعات التقوية بالمدارس وإسناد إدارتها إلى شركات خاصة.. هذا التخبط يكشف فشل حكومة الانقلاب في إدارة الأمور أو إصلاح المنظومة التعليمية. كان رضا حجازي وزير تعليم الانقلاب قد نفى سعي الوزارة إلى ترخيص سناتر الدروس الخصوصية رغم أنه فى 30 أكتوبر الماضي، صرح أنه ضد الدروس الخصوصية إلا أنها أمر واقع وفشلت محاولات إنهاء هذه الظاهرة، ثم زعم أن قرار ترخيص سناتر الدروس الخصوصية ليس رسميًا. وفي الثالث والعشرين من نفس الشهر، صرح «حجازي»، أنه لم يتخذ قرارًا رسميًا بشأن مقترح ترخيص مراكز الدروس الخصوصية حتى الآن، وأنه لن يتخذ قرارا نهائيا إلا بعد إجراء حوار مجتمعي يضم أولياء الأمور والمعلمين وأصحاب مراكز الدروس الخصوصية وكل من له صلة بالمنظومة التعليمية وفق تعبيره. ورغم تصريح وزير التعليم الانقلاب بأن قرار ترخيص السناتر جاء للاطمئنان على أن الطلاب يدرسون في بيئة آمنة، إلا أنه أشار إلى أن فاتورة الدروس الخصوصية التي تصل إلى 47 مليار جنيه سنويًا، لا تعلم حكومة الانقلاب عنها شيئًا. لم يتوقف تخبط "حجازي" عند هذا الحد؛ فقد اقترح إسناد مجموعات التقوية إلى شركات خاصة للإشراف عليها، بعد تغيير اسمها إلى «مجموعات الدعم».
صدمة تربوية في المقابل اعتبر خبراء تربويون ومعلمون أن تخبط تعليم الانقلاب يمثل صدمة للمجتمع المصري كله خاصة أولياء الأمور والطلاب والمتابعين للعملية التعليمية . وانتقد الخبراء مبررات "تعليم الانقلاب" بشأن إسناد مجموعات التقوية إلى شركات خاصة، مؤكدين أن مبرراتها غير مقنعة وأن هناك حلولا أكثر منطقية إذا كانت تريد إصلاح التعليم بالفعل. وقالوا إن قرارات حكومة الانقلاب تتنافى مع كون التعليم ما قبل الجامعي إلزاميا ومجانيا محذرين من أن هذه القرارات تكشف نية الانقلاب وسعيه لإلغاء مجانية التعليم.
منظومة فاشلة من جانبها قالت «ل.أ» معلمة بإحدى المدارس الابتدائية، إن المنظومة التعليمية الحالية فاشلة، والدروس الخصوصية هي الوسيلة الوحيدة التي يُحَصِّل من خلالها الطالب التعليم . وأكدت أن المدرسة لا تعود بالنفع على الطالب كما كانت في سابق عهدها، بسبب هذه المنظومة الفاشلة. وأضافت: "أنا كنت داخل المنظومة، جدولي الأسبوعي كان فيه أكتر من 12 حصة، ولما خرجت منها جدولي بقى عبارة عن حصتين يوم السبت والأحد، وباقي الأسبوع مش بعمل حاجة.. عدد حصص المعلم داخل المنظومة أكثر من التي خارجها، ولذلك فإن المنظومة لها حافز بقيمة 2050 جنيهًا كل 3 أشهر، ومؤخرًا مدير المدرسة بدأ في إخراج عدد من المعلمين خارج المنظومة، وأصبح عدد حصصهم أقل".
الدروس الخصوصية وحول تقنين الدروس الخصوصية قالت «غادة. م»، معلمة دروس خصوصية، وحاصلة على دبلوم تربوي: "والله كويس إن الدروس الخصوصية هتترخص، على الأقل هنعرف نشتغل واحنا مطمنين، ما دامت الحكومة لها الضرايب، المصيبة الكُبرى التي تخشاها تكمن في أن ترخيص الدروس الخصوصية، سيؤدي إلى تقاعس المعلمين عن الشرح داخل المدارس، بصورة أكبر مما هو عليه الآن". وأضافت: "العيال اللي بياخدوا درس عندي، بقول لهم المفروض الدرس اتشرح قدامكم في المدرسة، ليه مش مستوعبين ، قالوا لي المدرس بيدخل يشرب شاي وسجاير ويلعب في التليفون وبيتكلم في أي حاجة،فهو كدا كدا المدرس مابيشرحش.. متسائلة إذا كانت الأمور تسير على هذا الحال الآن فكيف ستكون إذن بعد ترخيص الدروس الخصوصية ؟
غير مؤهلين للتدريس وقال الدكتور محمد عبد العزيز، الأستاذ بكلية التربية جامعة عين شمس، إن "معظم العاملين بمراكز الدروس الخصوصية، غير تربويين وبالتالي غير مؤهلين للتدريس للطلاب، وحتى وإن كانوا من خريجي كليات التربية لا يجوز إعطاء رخصة لمدرس يعمل بمدرسة، تتيح له العمل بمراكز الدروس الخصوصية؛ لأن ذلك سيؤثر على دوره بالمدرسة". وأكد عبد العزيز في تصريحات صحفية أن التعليم في جميع أنحاء العالم يكون داخل المدرسة؛ فهي المؤسسة التعليمية الرسمية، لافتًا إلى أن مراكز الدروس الخصوصية تركز على التعليم فقط، ولذلك ينتشر بها سلوكيات غير تربوية، فمثلًا نجد معلما يتراقص مع الطلاب وآخر يستعين بصاحب تريند هابط. ووصف إسناد مجموعات التقوية إلى شركات خاصة من أجل أن يحصل المعلم على قيمة الحصص التي درسها بشكل مباشر، بأنه أمر هزلي، لا سيما وأنه كان من الممكن إسناد تلك المهمة إلى مجلس الأمناء أو إلى مدير المدرسة، دون اللجوء إلى شركات خاصة، لافتا الى أن فكرة أن تكون مجموعات التقوية بديلة للدروس الخصوصية، أمر غير منطقي، وعلى تعليم الانقلاب أن تبحث عن الأسباب الحقيقية لعزوف الطلاب عن المدارس. وأضاف عبد العزيز: "الشركات الخاصة لها حسابات أخرى، وتسعى إلى تحقيق الربح في المقام الأول، على حساب أي شيء آخر، ونحن لنا تجربة مع الاستعانة بالشركات الخاصة، بعدما استعانت ببعضها الوزارة لوضع المناهج التعليمية، والنتيجة كانت كتاب مدرسي مُعقد ما أدى إلى زيادة الإقبال على شراء الكُتب الخارجية وانتشار الدروس الخصوصية"، مختتما بأن "الشركات الخاصة كل همها جمع الفلوس".