في بداية شهر سبتمبر الماضي (2022)، صرح أمين عام اتحاد الغرف التجارية الدكتور علاء عز بأن «أسعار الغذاء تراجعت عالميا إلى ما قبل الأزمة الأوكرانية الروسية وستظهر آثارها بالأسواق قريبا». وأشار -في بيان للاتحاد- إلى أن مؤشر منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة FAO لأسعار الغذاء انخفض بنسبة 8.6% وهو الانخفاض الشهري الرابع على التوالي، متراجعا إلى أقل من مستويات ما قبل الأزمة الروسية الأوكرانية مسجلا أدنى مستوياته منذ يناير 2022، إلا أنه مازال أعلى مما كان عليه في نفس الفترة من عام 2021 بنسبة 13.1%، ومن المتوقع استمرار الانخفاض خلال الأشهر القادمة ليقارب أسعار العام الماضي. وحسب بيان أمين عام اتحاد الغرف التجارية؛ فقد "انخفض مؤشر أسعار الزيوت النباتية بنسبة 19.2% وهو أدنى مستوى له منذ 10 أشهر، لتراجع أسعار زيوت النخيل بسبب توقع إتاحة كميات وافرة للتصدير من إندونيسيا وفول الصويا وبذور اللفت بسبب تباطؤ الطلب وتوقع إمدادات وفيرة من المحاصيل الجديدة" كما أن مؤشر أسعار الحبوب انخفض بنسبة 11.5%، مدفوعة بانخفاض بنسبة 14.5% في القمح، بعد الاتفاق بين أوكرانيا وروسيا بشأن تحرير حركة التصدير من الموانئ الرئيسية للبحر الأسود والتوافر الموسمي من المحاصيل الجارية، كما انخفضت أسعار الذرة بنسبة 10.7% بسبب اتفاق البحر الأسود فضلاً عن زيادة الكميات المتاحة خلال الموسم في الأرجنتين والبرازيل مما ساعد على تخفيف الضغط على الأسعار، كما تدنت الأسعار العالمية للأرز للمرة الأولى في عام 2022. كما ترجعت أسعار السكر بنسبة 3.8% بسبب انخفاض أسعار الإيثانول الذي أدى إلى إنتاج السكر بكميات فاقت التوقع، كما انخفض مؤشر أسعار منتجات الألبان بنسبة 2.5% مع الهبوط الأكبر لأسعار اللبن المجفف الخالي من الدسم تليها أسعار الزبدة واللبن الكامل الدسم، كما انخفض مؤشر أسعار اللحوم بنسبة 0.5% بسبب تراجع الطلب على استيراد لحوم الأبقار والأغنام وزيادة توافر الكميات المخصصة للتصدير. العجيب في الأمر أن أسعار السلع الغذائية التي تنخفض عالميا ترتفع في مصر إلى مستويات جنونية وغير مسبوقة؛ فلماذا لم تتراجع أسعار السلع كما توقع أمين عام الغرف التجارية؟!
جنون الأسعار على عكس توقعات أمين عام الغرف التجارية فإن الأسعار في مصر واصلت ارتفاعها رغم انخفاضها عالميا؛ حيث سجلت معظم أسعار السلع الغذائية الاستراتيجية التي لا يستطيع محدودو الدخل الاستغناء عنها ارتفاعات قياسية في مصر، إذ وصل سعر كيلو السكر إلى 18 جنيهًا، مقابل 12 جنيهًا العام الماضي، في حين وصل سعر البيضة إلى 3 جنيهات بالمقارنة ب1.5 جنيه العام الماضي، وكذلك وصلت أسعار الأرز الأبيض إلى 18 جنيها للكيلو وتتجه نحو عشرين جنيها، لكن الأكثر خطورة هو ارتفاع سعر طن الدقيق عن السعر العالمي بنحو2500 ج بمعنى أن المصريين يشترون الدقيق بأعلى من السعر في الولاياتالمتحدةالامريكية وأوروبا رغم الفوارق الضخمة في الدخول. فقد ارتفعت أسعار بيع القمح «محليًا» قرابة 2500 جنيه للطن عن الأسعار العالمية. ويبلغ السعر العالمي حاليًا نحو 356 دولارًا للطن، ما يساوي نحو 7120 جنيهًا بحساب سعر صرف 20 جنيهًا للدولار، في حين يتجاوز متوسط سعر الطن محليًا 9500 جنيه. لكن الكاتب الصحفي أشرف البرير بالشروق يؤكد أن سعر طن الدقيق المسلم للأفران الخاصة بلغ نحو 15 ألف جنيه وفى السوبر ماركت تراوح سعر الدقيق بين 16 و19.9 جنيها بما يعادل ما بين 16 ألفا و19.9 ألف جنيه للطن، بينما السعر العالمي يبلغ 374 دولارا بما يعادل 7480 جنيها أى ما يعادل 7.48 جنيه لكل كيلوجرام بافتراض أن سعر صرف الدولار يعادل 20 جنيها وهو أعلى من السعر الرسمى المعلن. فإذا كانت هذه الأسعار العالمية بعد إضافة تكاليف الشحن والطحن لا يجب أن تزيد على 9 آلاف جنيه للطن، فكيف تصل إلى 19 ألف جنيه في مصر؟!
السكر إلى 18 جنيها ويشكو كثير من تجار الجملة من تراجع مبيعاتهم بنحو 50% بعد ارتفاع سعر طن السكر على أرض المصنع إلى 16500 جنيه للطن ( 18 ألف جنيه تجزئة)، مقابل 10 آلاف جنيه خلال نفس الفترة من العام الماضي 2021. ويعزو بعضهم ذلك إلى تناقص المعروض مقابل الطلب، بسبب جشع كبار التجار، الذين يستغلون الأزمات عبر تخزينهم السلع، وليس بسبب قلة الإنتاج، إذ إن الإنتاج المحلي من السكر يغطي أكثر من 90% من الاحتياجات. ووفقًا لبيانات مجلس المحاصيل السكرية، فقد بلغ إنتاج مصر من السكر عام 2021 نحو 3 ملايين طن، تشمل 1.845 مليون طن من سكر البنجر، و900 ألف طن من قصب السكر، و250 ألفا من سكر الفركتوز المنتج من حبوب الذرة، في حين يبلغ حجم الاستهلاك 3.2 ملايين طن سنويًا. وبالتالي فإن زيادة أسعار السكر لا مبرر لها على الإطلاق، فتكلفة إنتاج الطن على الشركات لا تتعدى 10 آلاف جنيه، فيما تربح شركات إنتاج السكر الحكومية في كل طن 5 آلاف جنيه والشركات الخاصة 6500 جنيه. وتستحوذ الشركة القابضة للصناعات الغذائية على حوالى 60% من حجم الإنتاج في مصر، من خلال 5 شركات توجه أغلب إنتاجها لحساب وزارة التموين، والتي توزعه بدورها على المتاجر التموينية المختصة بالسلع المدعمة، فيما يساهم القطاع الخاص بنسبة 40% من حجم الإنتاج.
الأرز إلى (20) جنيها وارتفع سعر الأرز من سبع جنيهات في الربع الأول من سنة 2022م ليصل في أكتوبر من نفس العام إلى 18 و19 جنيها؛ روتوقع مسؤول في شعبة الأرز بغرفة صناعة الحبوب أن تصل أسعار الأرز العريض الأبيض إلى 20 جنيهًا للكيلو، بالرغم من تحديد سعره من قبل الوزارة ب15 جنيهًا للمعبأ. وقد تسببت قرارات وزارة التموين في تناقص المعروض من الأرز وارتفاع سعره، وخاصة أن الأسواق تحتاج 10 آلاف طن من الأرز يوميًا لتغطية حاجة الاستهلاك المحلي. وتشير التوقعات إلى وصول حجم الإنتاج هذا الموسم إلى حوالي 7 ملايين طن من الشعير، من زراعة 1.8 ملايين فدان، بزيادة 550 ألف فدان عن الموسم الماضي، تعطي 3.6 ملايين طن من الأرز أبيض، فيما يبلغ حجم الاستهلاك السنوي 3 ملايين طن.
اللحوم ب(180) جنيها وارتفعت أسعار اللحوم البلدية والمستوردة بالأسواق المصرية، بنسبة 10%، خلال الأيام الماضية بسب ارتفاع تكلفة النقل والأعلاف، ما دفع إلى ركود الأسواق بسبب التراجع الحاد في الشراء من الطبقتين المتوسطة والفقيرة. ويضيف نائب رئيس شعبة القصابين (الجزارين) هيثم عبد الباسط : "أسعار اللحوم تراوحت بين 180 و200 جنيه للكيلوغرام الواحد في المناطق الشعبية وبين 200 و220 جنيها من اللحوم البلدية في المناطق الراقية (الدولار = نحو 19.7 جنيهاً). ويوضح أنّ الاختلاف في سعر الكيلوجرام يرجع إلى نوعية اللحوم المباعة، والمنطقة السكنية، مؤكداً أنّ الزيادة ترجع إلى ارتفاع قيمة الأعلاف والطاقة والشحن، والدولار مقابل الجنيه. ولفت إلى أنّ الزيادة في الأسعار واكبها ركود شديد في حركة البيع للحوم البلدية، تصل نسبته إلى 60% بالمتوسط في أنحاء البلاد.
(90) جنيها للبيض وسجلت أسعار البيض في أسواق التجزئة 3 جنيهات للبيضة الواحدة، الأمر الذي أدى إلى تراجع مبيعات بعض كبار التجار بنسبة 90%. وكشف نبيل عبد الفتاح، نائب رئيس شعبة البيض بالاتحاد العام لمنتجي الدواجن، أن 40% من مزارع إنتاج البيض خرجت من دائرة الإنتاج، نتيجة ارتفاع تكلفة إنتاج عبوة البيض (30 بيضة) إلى 80 جنيهًا، في حين أن سعرها حاليًا على أرض المزرعة 70 جنيهًا، ويواصل البعض الإنتاج رغم الخسائر، خشية التعرض للسجن. وأوضح أن السبب الرئيسي يرجع إلى تخطي سعر الأعلاف حاجز 15 ألف جنيه، في حين كان لا يتعدى من قبل حاجز 7 آلاف جنيه، كما ارتفع سعر طن فول الصويا من 7 آلاف إلى 21 ألف جنيه والذرة من 5 آلاف إلى 10 آلاف جنيه. ووفقًا لبيانات وزارة الزراعة المصرية، فإن إنتاج البيض في الظروف الطبيعية يبلغ حوالي 14 مليار بيضة سنويًا، في حين يصل إنتاج مصر من الدواجن إلى نحو 1.4 مليار طائر، منها 320 مليون دجاجة في القطاع الريفي. ويبلغ عدد منشآت الدواجن حوالي 38 ألف منشأة ( مزارع – مصانع أعلاف – مجازر – منافذ بيع أدوية بيطرية ولقاحات) يعمل فيها نحو 3 ملايين عامل، باستثمارات تقدر ب100 مليار جنيه.
و(40) جينها للدجاج وبالرغم من توقف 70% من مزارع الدواجن فإن تراجع الطلب على الدواجن بنسبة 50% حال دون ارتفاع الأسعار بشكل جنوني ورغم ذلك فقد ارتفعت أسعار الدواجن إلى 40 جنيها للكيلو . ويعزو مربون أسباب ذلك إلى أزمة العلف وعدم وجوده رغم ارتفاع تضاعف الأسعار عن السعر العالمي. وأظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر أن التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية زاد بنسبة 15% في سبتمبر/ أيلول الماضي، مقابل 14.6% في أغسطس/ آب، وهو أعلى معدل للتضخم السنوي لأسعار المستهلكين في مدن مصر منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 عندما سجل 15.7%. وأشار الجهاز إلى ارتفاع معدل التضخم السنوي في عموم البلاد إلى 15.3% خلال سبتمبر/ أيلول، مقارنة مع 8.0% للشهر نفسه من عام 2021، على خلفية الزيادة التي طرأت في أسعار الحبوب والخبز بنسبة 49.4%، والأسماك والمأكولات البحرية بنسبة 35.4%، والزيوت والدهون بنسبة 33.2%، والألبان والجبن والبيض بنسبة 31.5%. ورصد الجهاز ارتفاعاً في أسعار السكر والأغذية السكرية بنسبة 26.6% خلال عام، واللحوم والدواجن بنسبة 21.4%، والبن والشاي والكاكاو بنسبة 19.6%، والمياه المعدنية والغازية والعصائر الطبيعية بنسبة 17.7%. الخلاصة أن هناك سببين لارتفاع أسعار الغذاء في مصر عن السعر العالمي: الاول، هو أزمة الدولار، وانخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار بنسبة نحو 30% خلال الشهور الماضية؛ من 15.7 في إبريل الماضي إلى 19.7 في أكتوبر 2022م. السبب الثاني، هو تواطؤ الحكومة الأجهزة الرقابية مع حيتان الاحتكار والاستيراد ومعظمها شركات تابعة لجهات سيادية أو ضباط كبار سابقين بهذه الجهات وتربطهم علاقات مافياوية مع قيادات لا تزال بالخدمة عبر شركات يساهم فيها كثير من هؤلاء الضباط الحاليين والسابقين أو عبر أقارب لهم.