مع بدء أثيوبيا الملء الثالث بالفعل لسد النهضة وحجز ملياري متر مكعب خلال شهر يوليو الجاري وفق خبراء المياه، من بين 13 مليارا تنوي حجزها ليصل المخزون هذا العام 18.5 مليار متر مكعب من بين 74 مليارا حجم استيعاب السد، اكتفى السيسي ونظامه بالصمت دون أي رد فعل ، ما يشير لحجم التواطؤ لتمرير بناء السد الأثيوبي والاكتفاء بتكرير مياه الصرف الصحي عدة مرات ليشربها المصريون. بدء الملء الثالث يتزامن مع تضاؤل فرص الوصول إلى اتفاق بين مصر وأثيوبيا والسودان، رغم أن عدم إحراز توافق حاسم مصدر تهديد استراتيجي لشريان حياة المصريين والسودانيين. أمريكا باعت السيسي رغم إشارات البيانين المصري والأمريكي في قمة جدة لقضية سد النهضة، أكدت جيرالدين جريفيث، الناطقة الإقليمية باسم وزارة الخارجية الأمريكية أنه من المستحيل فرض الولاياتالمتحدة أي حل لأزمة سد النهضة من الخارج، وأن أمريكا مستعدة لتقديم الدعم للدول الثلاثة من أجل الحل. بعد 24 ساعة من لقاء بايدن والسيسي، صرحت في حوار عبر الفيديو كونفرانس ببرنامج «حديث القاهرة» مع الإعلامي خيري رمضان وكريمة عوض، على قناة «القاهرة والناس» 17 يوليو 2022، أن الإدارة الأمريكية تحث الدول الثلاثة على التعاون فيما يخص أزمة سد النهضة. تصريح غريفيث، ومن قبل بيان البيت الأبيض المائع، فتح الباب لتساؤلات حول مدى التزام الإدارة الأميركية بدعم الموقف المصري من أجل التوصل لاتفاق قانوني ملزم ينهي أزمة سد النهضة الإثيوبي، التي تهدد الأمن المائي لمصر. وسبق لها أن أكدت أيضا في لقاء مع أحمد موسى بقناة صدى البلد 27 مايو/أيار 2021، أنه "ليس هناك حل للأزمة عبر الضغط أو التدخل أو الحل العسكري". وكان البيان الرسمي بين الرئيس الأميركي جو بايدن وعبد الفتاح السيسي على هامش قمة جدة 16 يوليو 2022، أشار لطرح السيسي قضية شد النهضة في اللقاء، دون رد فعل من بايدن، تخلت أمريكا عن أي التزامات بشأن أمن مصر المائي، وأطلقت تصريحات تقول ضمنا "حلوها أنتم بأنفسكم". بحسب البيان المصري أكد السيسي في اللقاء على "موقف مصر الثابت من ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم لعملية ملء وتشغيل سد النهضة، بما يحفظ الأمن المائي المصري ويحقق المصالح المشتركة للدول الثلاث"، دون تعقيب أمريكي. https://www.facebook.com/Egy.Pres.Spokesman/posts/pfbid0wufGyvg468qtFdTbAHDKdSwZPizn1W9K4UYoLvqQ131ZkCDdGDp34s3n3dePzkJyl أما بيان البيت الأمريكي بشأن سد النهضة الإثيوبي، فأكد فيه الرئيس بايدن "دعم الولاياتالمتحدة للأمن المائي لمصر وصياغة قرار دبلوماسي يحقق مصالح جميع الأطراف ويسهم في إقامة منطقة أكثر سلاما وازدهارا". "وجدد الزعيمان التأكيد على ضرورة إبرام اتفاق بشأن ملء وتشغيل سد النهضة دون مزيد من التأخير على النحو المنصوص عليه في بيان رئيس مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بتاريخ 15 سبتمبر 2021، وبما يتوافق مع القانون الدولي"، وفق البيان الأمريكي ما يعني الإحالة لمجلس الأمن ورفع أمريكا يدها. 40% نقص في المياه وفي مواجهة تدليس موالين للسيسي بأن السد الأثيوبي لن يضر مصر وأن السد العالي يعوض النقص، نشر عالم الفضاء المصري عصام حجي وفريقه العلمي ورقة علمية جديدة للرد على تعليقات شككت في بحثهم الذي تحدثوا فيه عن العجز المائي في مصر ومخاطر تفاقمه أثناء سنوات ملء سد النهضة الإثيوبي. حجي نشر في يوليو 2021 دراسة أجرتها جامعة جنوب كاليفورنيا بالتعاون مع جامعة كورنيل تحت إشرافه بعنوان "العجز المائي في مصر والسياسات المقترحة لتخفيفه أثناء ملء سد النهضة الإثيوبي" خلصت إلى أن التدفق المتغير لنهر النيل عبر سد النهضة سيشكل عجزا مائيا صعبا بالنسبة لمصر. وفي الرد الجديد الذي نشرته مجلة (Environmental Research Letters) العلمية، يوضح الفريق التفسيرات الخاطئة والاستقطاع الخاطئ للأبحاث المنشورة وادعاءات من وسائل التواصل الاجتماعي ومقابلات تلفزيونية ضعيفة عن أن السد لن يضر مصر. ويقدّر البحث متوسط إجمالي العجز السنوي للمياه في مصر تحت تأثير زيادة الاستهلاك الداخلي وعملية ملء سد النهضة بحوالي 31 مليار متر مكعب سنويًا، أي ما يعادل 40% من إجمالي موازنة مصر الكلية من المياه، وأورد البحث حلولًا عملية للتخفيف من آثار العجز المائي الذي قد يتفاقم في مصر خلال سنوات ملء السد. وينص القانون الدولي على أنه في حالة وجود أضرار على دول المصب يستلزم وجود اتفاقيات بشأن بناء وتشغيل السدود على الأنهار الدولية، لكن السيسي لم يتحرك وهناك تعتيم تام على الملء الثالث وسط استغراب المصريين من مليارات الدولارات التي يجري إنفاقها على صفقات سلاح لا تستخدم لحماية أمن مصر المائي الحيوي. واكتفى عبد الفتاح السيسي بتصريحات ساذجة عن سعي مصر لإيجاد رؤية مشتركة مع السلطات الإثيوبية لحل تداعيات بناء سد النهضة، وحتمية حتمية الوصول إلى اتفاقية قانونية ملزمة وشاملة بين الأطراف المعنية حول قواعد ملء وتشغيل السد، على غرار ما فعله حين طالب رئيس وزراء أثيوبيا بأن يقسم أنه لن يضر مصر مائيا! وزعم السيسي أن مصر اتخذت الخيار التفاوضي في تعاملها مع قضية المياه استنادا لمجموعة من الثوابت الحاكمة، التي تدفع مصر إلى الإيمان بوحدة الهدف والمصير خاصة بين دول حوض النيل، مصر والسودان وإثيوبيا، على أساس المنفعة لمتبادلة وعدم إلحاق الضرر والعمل على تحقيق المصلحة للجميع. فرص اتفاق تتضاءل ويقول هاني إبراهيم الباحث في الشأن الأفريقي وحوض النيل إن "مخاطر الأمن المائي باتت مصدر قلق جدي لمصر وبعض دول حوض النيل". ورغم عقد من المفاوضات، إلا أن فرص الوصول إلى اتفاق تتضاءل بين مصر وأثيوبيا والسودان بالتوازي مع إجراء تقوم به الحكومة الأثيوبية حاليا والمتمثل في قرار أحادي بتنفيذ عملية ملء إضافية بالسد للعام الثالث على التوالي. ويمثل عدم إحراز توافق حاسم مصدر تهديد استراتيجي لشريان حياة المصريين والسودانيين.