القتل البطيء والتشويه الممنهج دأب الانقلاب على مدار عشرة أشهر تأتي الذكرى السادسة والستون للنكبة الفلسطينية ليسطر التاريخ جرائم وحشية جديدة ضد هذا الشعب الصامد, لم يكن بطلها هذه المرة هم الصهاينة فحسب بل كان البطل الأبرز هذه المرة هم سلطة الانقلاب التي دأبت منذ اغتصابها للسلطة على التفريط في كل الثوابت الوطنية وتبرير كل الوسائل غير المشروعة لتحقيق غاية واحدة وهي تثبيت أركان هذا الانقلاب الهش والذي قدمت من أجله كل فروض الطاعة والولاء للكيان الصهيوني، فقامت بحصار وتجويع الأطفال والنساء والرجال في غزة كما منعت وصول الدواء والغذاء والوقود إلى القطاع في مغازلة صريحة للصهاينة ليروجوا لانقلابها.
ولم تقتصر جرائم الانقلابيين التي سعوا من خلالها لكسب رضا الصهاينة وأعوانهم عند حدود الحصار والتجويع والترهيب للآمنين فحسب وإنما سعوا إلى ما هو أبعد من ذلك هو الشيطنة الممنهجة لحركات المقاومة الفلسطينية وخاصة حركة حماس. في محاولة من "الحرية والعدالة" لرصد جرائم الانقلابيين ومساهمتهم في معاناة الفلسطينيين كانت السطور التالية..
لم تبدأ حملات تشويه الفلسطينيين مع قيام الانقلاب العسكري فحسب بل إنها بدأت مبكرًا منذ تولي الدكتور مرسي الحكم من قبل إعلام الفلول الذي شن حملات تحريضية متتالية ضد الفلسطينيين، كان أولها الزعم بان انتماء الرئيس لجماعة الإخوان المسلمين سيجعله يهتم بمصلحة قطاع غزة على مصلحة الشعب المصري وأنه ينوي إعطاء الفلسطينيين جزءًا من شبه جزيرة سيناء ليقيموا عليها إمارة إسلامية.
ثم لجأ الإعلام المملوك لرجال أعمال دولة مبارك فيما بعد إلى إرجاع المشاكل الاقتصادية التي تمر بها البلاد إلى فتح المعابر في قطاع غزة كما لو أنه من الطبيعي بين الدول هو إغلاق الحدود. واقرأ أيضًا باحثة سياسية: الانقلاب أعاد لمصر دورها المتخاذل إزاء القضية الفلسطينية إلى الحد الذي تم فيه استنكار زيارة رئيس الوزراء المصري دكتور هشام قنديل لقطاع غزة أثناء الاعتداء الإسرائيلي عليها في 16 نوفمبر 2012 وبكائه وهو يحمل جثة طفل فلسطيني توفي تحت القصف.
أما أزمة انقطاع الكهرباء فأرجعها إعلام الفلول إلى تصدير الطاقة إلى قطاع غزة وهو ما يمثل قمة الاستخفاف بعقول المصريين.. ثم تطورت الحملة من مجرد إثارة حنق الشارع المصري على الفلسطينيين -لأنهم سبب المشاكل الاقتصادية التي تواجه مصر- إلى التطرق إلى تهم أكثر خطورة، وهي المرحلة التي تضافرت فيها جهود وزارة الداخلية مع الإعلام لاستكمال مخططهم في تشويه الفلسطينيين؛ ففي قضية مقتل الجنود المصريين في رفح في شهر رمضان بدأت الاتهامات توجه لحركة حماس صراحة بالوقوف وراء تلك العملية دون تقديم أي حجج مقنعة ودون أن يشرح لنا أحد كيف أن حماس حليفة للرئيس مرسي وتقوم في الوقت نفسه بإحراجه بمثل هذه العملية قبل مرور شهر على توليه الرئاسة.
ثم قضية فتح السجون إبان ثورة يناير حيث اتهمت فيها حماس وشملت قائمة الداخلية أسماء بعض الشهداء والمعتقلين؛ حيث ضمت القائمة اسم أحد الذين استشهدوا في عام 2008 أي قبل الثورة بثلاث سنوات، واسم أحد المعتقلين في السجون الإسرائيلية منذ عام 1996!
قضاء الانقلاب وبجانب ضلوع الداخلية والإعلام في عمليات التشويه الممنهجة ضد الشعب الفلسطيني وحركات المقاومة، كان للقضاء دور بارز أيضًا في هذا الصدد وذلك من خلال أحكامه المسيسة وغير المسبوقة والتي أبرزها التهمة العبثية التي تم توجيهها للرئيس الشرعي للبلاد وهي تهمة "التخابر مع حماس" وهي التهمة التي ستظل سُبة في جبين القضاء المصري؛ وذلك لأن تهمة التخابر لا توجه إلا لدولة معادية وليس لحركة مقاومة تناضل من أجل تحرير بلادها.
ولم يقتصر دور قضاء الانقلاب عند حدود هذا الأمر بل إنه أصدر حكمه المسيس غير المسبوق بحظر أنشطة حركة حماس، وجاء في حيثيات الحكم أن حماس متورطة في اقتحام الحدود عام 2008 واقتحام عناصرها للسجون في 2011 وتهريب عناصر محتجزة وتفجيرات خطوط الغاز وحيازة خرائط لمنشآت عسكرية وسيادية بمصر..
وما بين الإعلام والداخلية والقضاء أدلى مشايخ الانقلاب هم الآخرون بدلوهم في الأمر إلى الحد الذي دعا فيه الدكتور الشيخ أحمد كريمة إلى ضرب حركة المقاومة الإسلامية حماس وجناحها العسكري كتائب عز الدين القسام في داخل قطاع غزة، وحث قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي إلى توجيه الضربة له هناك في عقر دارهم. واستشهد كريمة بما فعله الرئيس المقتول أنور السادات عندما وجه ضربة عسكرية إلى ليبيا وبعدها توقف الإرهاب في مصر. واقرأ أيضًا د. بسيوني حمادة: الفلسطينيون ضحية فروض طاعة الانقلاب لإسرائيل ولم يكن كل ما سبق من تشويه ممنهج إلا بهدف واحد فقط وهو إفقاد المصريين تعاطفهم مع الفلسطينيين إزاء ما يمارسه ضدهم الانقلاب من حصار وتجويع -وصفه الفلسطينيون- بأنه تجاوز في وحشيته ما تمارسه سلطات الاحتلال ضدهم؛ فتحت زعم حربهم المزعومة ضد الإرهاب تم تدمير 90%من المعابر التي تمثل الشريان الرئيسي للقطاع غزة حيث أصيب القطاع بحالة من الشلل التام، كما توفي العديد من الأطفال وبعض مرضى الحالات المزمنة نتيجة عدم توفر الأدوية جراء غلق المعابر.
وبجانب هذه الجرائم غير الإنسانية ألحق الانقلاب أيضًا خسائر اقتصادية كبيرة لقطاع غزة، فبحسب تصريحات حاتم عويضة -وكيل وزارة الاقتصاد في حكومة حماس-: "إن إغلاق الأنفاق تسبب في خسائر فادحة على قطاعات الصناعة والتجارة والزراعة والنقل والبناء، بلغت 230 مليون دولار شهريا تقريبا"، مشيرا إلى أن اقتصاد غزة كان يعتمد على الأنفاق بنسبة لا تقل عن 40% لسد الاحتياجات من مواد إنشائية وخام ومستلزمات إنتاج. ونبه إلى أن "معدل البطالة عاد إلى ما كان عليه عام 2008"، وأن "التوقعات تشير إلى وصوله ل43% في حال استمر إغلاق المعابر الرسمية وتدمير الأنفاق".
رد حماس ولم يكن من حركة المقاومة حماس إزاء كل ما واجهته حصار وتجويع وتشويه ممنهج إلا تأكيد صمودها وعدم تخليها عن ثوابتها التي يسعى الانقلابيون للنيل منها لاسترضاء الصهاينة، حيث قالت في بيان لها إن كل الحصار والعدوان والمؤامرات من حملات تشويه وتنكيل، له هدف واضح وهو أن نتخلى عن ثوابتنا الوطنية، مؤكدة أن لغة الحصار والتنكيل لن تجدي مع الفلسطينيين نفعًا في النيل من عزيمتهم وثوابتهم الوطنية.