الجلسة التي عقدها البرلمان يوم الإثنين 18 إبريل 2022م، لمناقشة الحساب الختامي للسنة المالية المنقضية (2020-2021)، تضمنت بعض المداخلات الجريئة من عدد قليل من النواب. ورغم أن البرلمان ذاته جرى تصميمه على يد أجهزة الدكتاتور عبدالفتاح السيسي الأمنية، إلا أن هذه الأجهزة سمحت بوجود عدد قليل من المعارضين لا يتجاوز العشرة من أصل 596 نائبا، بهدف وجود معارضة مدجنة من داخل النظام ذاته. 60 مليون فقير الجلسة تضمنت مداخلات ناقشت ثلاثة أبعاد بشأن السياسات المالية والاقتصادية وانعكاساتها على أرقام الموازنة، أول هذه الأبعاد ما يتعلق بحجم ونسبة الفقر في مصر؛ حيث اعترف عضو لجنة الخطة والموازنة في البرلمان محمد بدراوي، بأن هناك نحو 60 مليون مصري يعيشون في كرب شديد؛ مؤكدا أن نسب الفقر ارتفعت كثيراً مقارنة بما كانت عليه قبل سنوات قليلة"، متابعاً "هناك ما يقرب من 30 مليون مواطن يعيشون بأقل من 25 جنيهاً يومياً، و30 مليوناً آخرين بأقل من 50 جنيهاً في اليوم". وعزا بدراوي هذه الأرقام إلى إلى "الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء"، وتعني أن هناك 60 مليون مصري يعيشون في أوضاع اقتصادية صعبة، وبحالة من "الكرب الشديد"، مطالباً الحكومة بضرورة وضع سقف زمني محدد للحد من ملف الاقتراض سواء الداخلي أو الخارجي.
5.5 تريليونا يونا محلية! وحذَّر بدراوي خلال جلسة مناقشة الحساب الختامي للسنة المالية المنقضية (2020-2021)، من تداعيات استمرار سياسات الحكومة بشأن التوسع في الاقتراض من الخارج، وتحميل الأجيال المقبلة أعباء هذه الديون، لا سيما مع ارتفاع مخصصات فوائد الدين من 579 مليار جنيه إلى 690 ملياراً، وسداد القروض المحلية والأجنبية من 593 مليار جنيه إلى 965 ملياراً، في موازنة العام المالي الجديد (2022-2023). وأضاف أن "الزيادة المستمرة في فرض الضرائب والرسوم أثرت بشكل كبير على أوضاع المصريين المعيشية، لأنها لا تتناسب مع ثبات دخولهم، خصوصاً العاملين في القطاع الخاص، والذين تأثروا سلباً بتداعيات خفض قيمة الجنيه أمام الدولار أخيراً بنسبة تصل إلى 17%". لكن النائب ضياء الدين داوود، تساءل خلال إعلانه عن رفضه للحساب الختامي لموازنة 2020-2021، قائلاً: "إلى متى سيظل الدين العام يرتفع بهذه الصورة؟ بعدما وصل إلى 5 تريليونات و547 مليار جنيه بزيادة 796 ملياراً"!! كلام داوود يؤكد أن السيسي اقترض نحو 800 مليار جنيه محليا بخلاف الديون الخارجية، وراح يحذر من مواجهة الدولة المصرية "أزمة كارثية" بسبب زيادة الديون. مشددا على أن "مصر لن تقف على قدميها بإصلاح مالي لا يصاحبه إصلاح اقتصادي، حيث إن زيادة الناتج المحلي الإجمالي تعود إلى تنفيذ مشروعات كبرى، كالعاصمة الإدارية الجديدة، والتي تسببت بدورها في حدوث أزمة تمويلية ضخمة".
دولة تغرق في الفساد أما بشأن الفساد، فقد طالب النائب ياسر عمر، بتقليل الفساد بعض الشيء في أجهزة الدولة! (لماذا بعض الشيء؟ هل معنى ذلك أن يمكن القبول بالبعض الآخر من الفساد؟ وكيف يمكن تحديد الفساد المقبول والآخر المرفوض؟). على العموم طالب النائب بالحذر من مواجهة مشكلات كبيرة في المستقبل، موضحا أن "التجاوزات المالية تصل إلى ملايين الجنيهات في بعض الصناديق الخاصة، وهي أوعية موازية لا تخضع للرقابة في الوزارات والهيئات الحكومية". بينما دعا أيمن أبو العلا، الحكومة بموافاة مجلس النواب بعدد المستشارين في جميع الوزارات والجهات الحكومية، وكشف ما يتقاضونه من رواتب وبدلات، قائلاً: "عدد هؤلاء المستشارين في الوزارات كبير للغاية، ولا أحد يعلم ماذا يفعلون نظير الرواتب والبدلات الضخمة التي يتقاضونها!". بينما حث رئيس لجنة الخطة والموازنة فخري الفقي، الحكومة بإعادة النظر في هيكل اختصاصات الجهات الداخلة في الموازنة العامة للدولة (وحدات الجهاز الإداري للدولة – الهيئات العامة الخدمية – وحدات الإدارة المحلية)، والتي وصل عددها إلى 648 جهة في 30/6/2021، من خلال دمج الجهات ذات الاختصاصات المتشابهة حتى تتولاها جهة واحدة، في ضوء ما تبين من وجود تكرار وتشابه في الاختصاصات بين الجهات. وطالب بالأخذ بتوصيات اللجنة بإعادة صياغة المادة الأولى من القرار بقانون رقم 63 لسنة 2014 بشأن الحد الأقصى لدخول العاملين بأجر، بغرض شمول جميع الذين يحصلون على أجر من خزانة الدولة، أياً كانت الوظيفة التي يشغلونها، أو السلطة التي تتبع لها الجهة التي يعملون فيها، بسبب خروج العديد من الجهات من عباءة القانون استغلالاً للثغرات اللفظية في مواده. ودعت اللجنة أيضاً إلى إعادة النظر في نظام الاستعانة بالمستشارين والخبراء بالجهات الداخلة في الموازنة العامة، بما يضمن تطبيق معايير الكفاءة والجدارة والخبرة عند عملية الاستعانة، وأن تكون في أضيق الحدود، في ظل تزايد عدد المستشارين والخبراء في بعض الوزارات، والذي وصل في إحداها إلى 54 خبيراً ومستشاراً.
سياسات الإفقار وكان تحليل أعده أعده مركز كارنيجي ونشر بموقع «open democracy»، في بداية أكتوبر "2020" قد انتهى إلى أن نظام الطاغية عبدالفتاح السيسي يشن حربا بلا هوادة على الفقراء في المجتمع المصري، وأنه إلى جانب الطبيعة السلطوية للنظام، فإن الدعم الدولي الذي يحصل عليه في شكل تدفقات مالية وقروض يساهم في تعزيز جهوده الآيلة إلى إثراء طبقة النخبة في الأعمال والمؤسسات العسكرية على حساب المواطنين. ويضيف أن حكومة السيسي قد حصلت من حلفائها الإقليميين على دعمٍ مالي قدره 92 مليار دولار بين عامَي 2011 و2019، وتستمر في اقتراض مبالغ طائلة من المؤسسات الدولية. تتيح هذه الأموال للحكومة تنفيذ مشاريع ضخمة والإبقاء على منظومة الضريبة التنازلية التي تلقي العبء الأكبر على الفقراء دون الأغنياء. التحليل الذي أعده الباحث الاقتصادي ماجد مندور، يعز أسباب تزايد معدلات الفقر في مصر إلى تبني النظام حزمة من السياسات المالية والاقتصادية تستهدف تسريع نقل الثروات من الطبقتَين الدنيا والوسطى إلى نخب الأعمال وعلى رأسها المؤسسة العسكرية وقادتها التي باتت تحتكر وتتحكم في مفاصل النشاط الاقتصادي بما تحوزه من امتيازات ونفوذ واسع. تستند هذه السياسة إلى مرتكزات عدّة: * أوّلها أن الحكومة تعتمد بشدّة على القروض، بدلاً من الضرائب، لتمويل عملياتها والمشاريع الضخمة في البنى التحتية. أما الإيرادات الضريبية فتُستخدَم على نحوٍ غير متكافئ في تسديد القروض والفوائد، ما يُفضي إلى نقل الثروات من الطبقتَين الدنيا والوسطى إلى الجهات الدائنة للنظام، الخارجية والداخلية على السواء. * ثانياً، تواصل الحكومة خفض الدعم والإنفاق الاجتماعي. * ثالثاً، يستمر العمل بالضريبة التنازلية التي تلقي بالعبء الضريبي على كاهل الطبقتَين الوسطى والدنيا. (في إشارة إلى عدم تبني فلسفة الضريبة التصاعدية التي تحدد قيمة الضريبة بناء على حجم المكاسب والأرباح وفق معادلة (ترتفع الضريبة كلما ارتفع الدخل وتقل كلما قل الدخل). وفي الوقت نفسه، تستمر الحكومة في العمل على تنفيذ مشاريع ضخمة في البنى التحتية بقيادة الجيش، ما يُشكّل أداةً للاستحواذ على الأموال العامة، لا أداةً لتطبيق برامج الإنفاق الاجتماعي والحد من الفقر. ويسمح هذا بدوره للأعمال والشركات المملوكة من الجيش بأن تزدهر، ما يساهم في تعزيز نفوذ المؤسسة العسكرية وشبكة المحسوبيات التابعة لها. وهذا الدعم الخارجي يحمي الجيش أيضاً من التدقيق العام، ويقترن مع الاعتماد المتزايد على الضرائب باعتبارها مصدراً للإيرادات الحكومية. وحول انعكاسات تبني نظام السيسي العسكري لهذه السياسات المالية والاقتصادية على الأوضاع الاجتماعية والسياسية، توقع "مندور" أن تفضي هذه المقاربة إلى آثار خطيرة في المدى الطويل تذهب أبعد من الفقر المتزايد والحرمان الاجتماعي الذي يعاني منه المواطن العادي، إذ إنه من المحتّم أن يصبح هذا النظام أكثر قمعاً وسلطوية فيما يستمر في فرض سياساته القاسية. وهذا بدوره سيغذّي صعود المقاومة العنيفة للدولة. وينتهي إلى أن هذه المقاومة حتى وإن لم تتبلور إلى إطار حركة سياسية متماسكة، فلا بد من أن يتفاقم مستوى العنف الاجتماعي، ما يفضي إلى تداعيات مزعزعة للاستقرار في المدى الطويل. فضلاً عن ذلك، يؤدّي توسّع الأعمال والشركات المملوكة من الجيش إلى زيادة الضغوط على القطاع الخاص الاقتصادي فيما يسعى جاهداً للتنافس مع العملاق العسكري. وسوف تكون لهذا الأمر تأثيرات بنيوية طويلة الأمد على الاقتصاد والمنظومة السياسية، وهي تأثيرات يصعب العودة عن مفاعيلها وسوف تستمر على الأرجح إلى ما بعد السيسي ونظامه.