اعترف وزير المالية بحكومة الانقلاب محمد معيط أن إجمالي الإيرادات في الحساب الختامي للموازنة العامة للدولة عن السنة المالية 2020-2021 بلغ تريليوناً و108.6 مليارات جنيه، منها 834 مليار جنيه حصيلة ضريبية، بما يمثل نسبة 75% من الإيرادات العامة، بزيادة تقدر ب97 مليار جنيه مقارنة مع حصيلة السنة المالية 2019-2020 البالغة 736.9 مليار جنيه. معنى ذلك أن حكومة الجنرال عبدالفتاح السيسي لم تراع تداعيات جائحة كورونا على المصريين كبقية حكومات العالم لكنها أصرت على تحصيل نحو 97 مليار جنيه زيادة في حصيلة الضرائب عن العام السابق لتفشي كورونا! جاء ذلك يوم الاحد 14 نوفمبر 2021م أثناء اجتماع للجنة الخطة والموازنة بالبرلمان الذي أشرف على تشكيله أجهزة الجنرال عبدالفتاح السيسي الأمنية، وهي التي تديره من الخارج كما معلوم لكل المصريين، ويزعم وزير المالية أثناء مناقشة الإيرادات العامة في الحساب الختامي لموازنة السنة المالية المنقضية، أن إيرادات الدولة تنمو حالياً بصورة أكبر من مصروفاتها، موضحاً أن حصيلة الضريبة على الدخل بلغت 418 مليار جنيه، بمعدل نمو 9.3% مقارنة مع السنة المالية السابقة عليها، في حين بلغت حصيلة ضريبة القيمة المضافة 339 مليار جنيه، بنسبة نمو 15.5%. وتابع أن قواعد بيانات ضرائب الدخل أظهرت تسجيل قرابة 14 مليون ممول، و650 ألف ممول لضريبة القيمة المضافة، مستدركاً بقوله: "هذا الرقم لا يعبر عن الواقع بطبيعة الحال، علماً أننا ضاعفنا هذا العدد أكثر من 3 مرات، بعد أن كان يقتصر على 208 آلاف ممول في سبتمبر 2018". وحول توقعاته لمستقبل الحصيلة الضريبية، قال الوزير: «أصدرنا تشريعاً جديداً للإجراءات الضريبية لزيادة الحصيلة المستهدفة في الفترة المقبلة، وما تحقق يعد مقبولاً في ظل أزمة جائحة كورونا، وتأثر بعض القطاعات الاقتصادية سلباً"، مستكملاً أنه "من المقرر تطبيق المنظومة الجديدة للفاتورة الإلكترونية في إبريل 2022، والهادفة إلى معرفة الأعداد الفعلية للممولين، وتسهيل إجراءات الحصر لرفع الحصيلة الضريبية". تصريحات الوزير لاقت استنكارا من بعض المراقبين؛ ذلك أن جميع حكومات العالم ضاعفت مستويات الدعم لموطنيها خلال تفشي الجائحة التي أدت إلى تراجع دخول المواطنين وإغلاق معظم المحلات والشركات لفترات ليست بالقصيرة لكن نظام السيسي لم يكترث لتداعيات الجائحة على المصريين ورفع مستويات التحصيل الضريبي بزيادة قدرها 97 مليار جنيه عن التحصيل الضريبي في العام السابق على التفشي الجائحة "2019/2020م. وعندما أقر البرلمان الموازنة الجديدة في يونيو 2021م كشفت الأرقام عن كوارث كبرى تعكس حجم التدهور الحاد في الوضع الاقتصادي؛ حيث تبلغ المصروفات تريليون و837 ملياراً و723 مليون جنيه. بينما تبلغ الإيرادات 1.365 تريليون جنيه، بينما يقترب العجز من نحو 472 مليار جنيه،. وتبلغ الإيرادات الضريبية نحو 983.1 مليار جنيه، بنسبة 73% من جملة الإيرادات، والإيرادات الأخرى (غير الضريبية) بقيمة 380.6 مليار جنيه. أما إجمالي أقساط وفوائد الديون المستحقة فتبلغ نحو 1.172 تريليون جنيه. فلسفة الجباية وتقوم فلسفة السياسة الضريبية، في الأساس، على إقرار العدالة الاجتماعية، فلا ضريبة من دون ربح، ولا رسوم من دون خدمات تعود بالنفع على دافعها؛ وبالتالي تقتطع الدولة جزءاً من أرباح الأثرياء وأصحاب المداخيل العالية لتعيد توزيع ما اقتطعته على الطبقات الفقيرة والمهمشة ومحدودي الدخل؛ وعلى هذا الأساس يتم توجيه جزء من حصيلة الضرائب إلى الخدمات العامة الموجهة لأفراد المجتمع، مثل التعليم والصحة، كما يتم توجيه جزء آخر من حصيلة الضرائب لتحسين أحوال الفقراء المعيشية في صورة "دعم" عيني أو مالي. كما يتم توجيه جزء من حصيلة الضرائب نحو الاستثمارات المباشرة التي تستهدف خلق تنمية تعتمد على الإنتاج. وعلى هذا الأساس، بنيت فلسفة الضرائب ضمن السياسات الاقتصادية. لكن الوضع في مصر مقلوب ويناقض هذه الفلسفة؛ حيث تلجأ الحكومة إلى الضرائب، بوصفها أداةً لحل فشلها في إدارة الملف الاقتصادي، فتفرض على المواطنين مقابل الخدمات، أو تعاملها مع أجهزة الدولة الرسمية ومصالحها المختلفة، رسوماً مبالغًا فيها. وتمثل الحالة المصرية تجسيدا واضحا لإقرار سياسة جبائية تتصف بانعدام العدالة وتكريس التمييز الطبقي لحساب الأغنياء على حساب الفقراء، وتصل أحيانا حد تكريس سياسيا لصوصية حيث تتحول سياسة الضريبة ورسوم الخدمات من أداة لإقرار العدالة إلى سلاح لانتهاكها. الحرب على الفقراء وانتهى تحليل أعده مركز كارنيجي ونشر بموقع «open democracy»، في بداية أكتوبر "2020" إلى أن نظام الجنرال عبدالفتاح السيسي يشن حربا بلا هوادة على الفقراء في المجتمع المصري، وأشار إلى أن التباطؤ الاقتصادي الحالي سبقه زيادات متواصلة بمعدلات الفقر؛ الأمر الذي يتسبب في تفاقم الهشاشة الاجتماعية للمصريين؛ مؤكدا أن السياسات المالية والاقتصادية التي يتبناها نظام السيسي تتسبب في تفاقم معدلات الفقر ، وتسرّع بنقل الثروات من الطبقتين الدنيا والوسطى إلى الحكومة ونخب المال والأعمال، متوقعا أن يفضي ذلك إلى نتائج كارثية. وبحسب تحليل مركز كارنيجي فإنه إلى جانب الطبيعة السلطوية للنظام، فإن الدعم الدولي الذي يحصل عليه في شكل تدفقات مالية وقروض يساهم في تعزيز جهوده الآيلة إلى إثراء طبقة النخبة في الأعمال والمؤسسات العسكرية على حساب المواطنين. ويضيف أن حكومة السيسي قد حصلت من حلفائها الإقليميين على دعمٍ مالي قدره 92 مليار دولار بين عامَي 2011 و2019، وتستمر في اقتراض مبالغ طائلة من المؤسسات الدولية. تتيح هذه الأموال للحكومة تنفيذ مشاريع ضخمة والإبقاء على منظومة الضريبة التنازلية التي تلقي العبء الأكبر على الفقراء دون الأغنياء. التحليل الذي أعده الباحث الاقتصادي ماجد مندور، يعزو أسباب تزايد معدلات الفقر في مصر إلى تبني النظام حزمة من السياسات المالية والاقتصادية تستهدف تسريع نقل الثروات من الطبقتَين الدنيا والوسطى إلى نخب الأعمال وعلى رأسها المؤسسة العسكرية وقادتها التي باتت تحتكر وتتحكم في مفاصل النشاط الاقتصادي بما تحوزه من امتيازات ونفوذ واسع. وتستند هذه السياسة إلى مرتكزات عدّة: أوّلها أن الحكومة تعتمد بشدّة على القروض، بدلاً من الضرائب، لتمويل عملياتها والمشاريع الضخمة في البنى التحتية. أما الإيرادات الضريبية فتُستخدَم على نحوٍ غير متكافئ في تسديد القروض والفوائد، ما يُفضي إلى نقل الثروات من الطبقتَين الدنيا والوسطى إلى الجهات الدائنة للنظام، الخارجية والداخلية على السواء. ثانياً، تواصل الحكومة خفض الدعم والإنفاق الاجتماعي. ثالثاً، يستمر العمل بالضريبة التنازلية التي تلقي بالعبء الضريبي على كاهل الطبقتَين الوسطى والدنيا. (في إشارة إلى عدم تبني فلسفة الضريبة التصاعدية التي تحدد قيمة الضريبة بناء على حجم المكاسب والأرباح وفق معادلة (ترتفع الضريبة كلما ارتفع الدخل وتقل كلما قل الدخل). وفي الوقت نفسه، تستمر الحكومة في العمل على تنفيذ مشاريع ضخمة في البنى التحتية بقيادة الجيش، ما يُشكّل أداةً للاستحواذ على الأموال العامة، لا أداةً لتطبيق برامج الإنفاق الاجتماعي والحد من الفقر. ويسمح هذا بدوره للأعمال والشركات المملوكة من الجيش بأن تزدهر، ما يساهم في تعزيز نفوذ المؤسسة العسكرية وشبكة المحسوبيات التابعة لها. وهذا الدعم الخارجي يحمي الجيش أيضاً من التدقيق العام، ويقترن مع الاعتماد المتزايد على الضرائب باعتبارها مصدراً للإيرادات الحكومية. وحول انعكاسات تبني نظام السيسي العسكري لهذه السياسات المالية والاقتصادية على الأوضاع الاجتماعية والسياسية، يتوقع "مندور" أن تفضي هذه المقاربة إلى آثار خطيرة في المدى الطويل تذهب أبعد من الفقر المتزايد والحرمان الاجتماعي الذي يعاني منه المواطن العادي، إذ إنه من المحتّم أن يصبح هذا النظام أكثر قمعاً وسلطوية فيما يستمر في فرض سياساته القاسية. وهذا بدوره سيغذّي صعود المقاومة العنيفة للدولة. وينتهي إلى أن هذه المقاومة حتى وإن لم تتبلور إلى إطار حركة سياسية متماسكة، فلا بد من أن يتفاقم مستوى العنف الاجتماعي، ما يفضي إلى تداعيات مزعزعة للاستقرار في المدى الطويل. فضلاً عن ذلك، يؤدّي توسّع الأعمال والشركات المملوكة من الجيش إلى زيادة الضغوط على القطاع الخاص الاقتصادي فيما يسعى جاهداً للتنافس مع العملاق العسكري. وسوف تكون لهذا الأمر تأثيرات بنيوية طويلة الأمد على الاقتصاد والمنظومة السياسية، وهي تأثيرات يصعب العودة عن مفاعيلها وسوف تستمر على الأرجح إلى ما بعد السيسي ونظامه.