رغم ارتفاع مؤشرات الدين الخارجي لمصر بنهاية شهر يونيو الماضي، إلى 123.490 مليار دولار، مقابل 111.292 مليار دولار بنهاية مارس من العام الحالى، ليرتفع خلال ثلاثة أشهر فقط بنحو 12.198 مليار دولار بنسبة نمو 11 % بحسب البيانات حكومية الانقلاب الرسمية، إلا ان الفقراء -60% من الشعب- مكانهم داخل مصر هو حربهم بالضرائب فيما يدلل الأثرياء وتدعم استحواذات الجيش بحسب معهد كارنيجي للدراسات الأمريكي. وتوقع كارنيجي في دراسة نشرها مطلع الأسبوع الجاري، أن تترتب عن هذه المقاربة آثار خطيرة في المدى الطويل تذهب أبعد من الفقر المتزايد والحرمان الاجتماعي الذي يعاني منه المواطن العادي، إذ إنه من المحتّم أن يصبح هذا النظام أكثر قمعاً وسلطوية فيما يستمر في فرض سياساته القاسية، وهذا بدوره سيغذّي صعود المقاومة العنيفة للدولة، براي المعهد الأمريكي. وأضاف أنه حتى لو لم تتبلور هذه المقاومة في إطار حركة سياسية متماسكة، لا بد من أن يتفاقم مستوى العنف الاجتماعي، ما يفضي إلى تداعيات مزعزعة للاستقرار في المدى الطويل. فضلاً عن ذلك، يؤدّي توسّع الأعمال والشركات المملوكة من الجيش إلى زيادة الضغوط على القطاع الخاص الاقتصادي فيما يسعى جاهداً للتنافس مع العملاق العسكري". واشار إلى أنه سوف تكون لهذا الأمر تأثيرات بنيوية طويلة الأمد على الاقتصاد والمنظومة السياسية، وهي تأثيرات يصعب العودة عن مفاعيلها وسوف تستمر على الأرجح إلى ما بعد السيسي ونظامه. الدين الخارجي وكان الدين الخارجي قد بلغ 43.233 مليار دولار بنهاية يونيو 2013، ليرتفع خلال سبع سنوات بنحو 80.257 مليار دولار بنسبة نمو 186%، والغريب أن الصحف الصادرة صباح الأحد عرضت تقريرا للمركز الإعلامي لمجلس الوزراء، يشيد خلاله بنجاح مصر في خفض الدين الخارجي خلال مارس الماضي بنسبة 1.2 % عن شهر ديسمبر الماضي! وأشار الصحفي والمحلل الاقتصادي ممدوح الولي إلى أن "تقرير المركز الإعلامي" نشر توقع مجلة "الأيكونومست" الاقتصادية الدولية، بأن أداء الدين الخارجي لمصر سيكون من أفضل المعدلات مقارنة بالأسواق الناشئة على مستوى العالم، والأفضل بالمنطقة خلال عام 2020، متعجبا من ذلك رغم إعلان وزارة التخطيط أرقام الدين الخارجي في يونيو الماضي يوم الخميس الماضي، أى قبل صدور تقرير المركز الإعلامي لمجلس الوزراء بأربعة أيام، وهو ما يعنى عدم إطلاع المركز الإعلامي على بيانات وزارة التخطيط المستمدة من البنك المركزي أو محاولة التشويش عليها! ولفت إلى أن صندوق النقد الدولي أعلن في تقريره عن مصر الصادر في العاشر من أغسطس الماضي، عن بلوغ الدين الخارجي لمصر في يونيو 2020 نحو 119.6 مليار دولار، ثم عاد ليخفض الرقم في تقريره عن مصر الصادر في أول سبتمبر الماضي إلى 114.6 مليار دولار، متغربا من أن ذلك رغم وجود مكتب لصندوق النقد الدولي داخل مبنى البنك المركزي المصري، يتلقى بيانات المركزي أولا بأول، وهو ما يثير التساؤلات حول مصداقية بيانات الصندوق، رغم وجود فاصل زمنى شهرين كاملين بين شهر يونيو وشهر النشر للبيانات. نتائج كارثية وفي مساندة من معهد كارنيجي للأبحاث" لهذا الرأي رأى أن السياسات المالية والاقتصادية التي يتبعها نظام السيسي “تؤدي إلى التسريع في نقل الثروات من الطبقتَين الدنيا والوسطى إلى الحكومة ونخب الأعمال، مع ما يترتب عن ذلك من نتائج كارثية على الأرجح”. ومما تضمنه تقريره "الاعتماد الشديد على الاستدانة" مشيرا إلى أن "النظام المصري يعوّل بشدّة على الاقتراض الخارجي والمحلي على السواء، لتمويل العمليات الحكومية ومشاريع البنى التحتية". وأضاف "والاقتراض لا يحمي الحكومة من الضغوط العامة فحسب، ما يتيح لها التصرف بنزعة سلطوية أكبر، بل يؤدّي أيضاً إلى نقل الثروات من الطبقتَين الدنيا والوسطى إلى أيدي الجهات الدائنة للحكومة". وأكد أن الاعتماد الشديد على الاستدانة مقروناً بالضريبة التنازلية، يُفرَض على المكلّف (المستدين) تسديد هذه القروض زائد الفوائد عليها. المكلّف العادي هو في الواقع بمثابة الوسيلة التي تُستخدَم لنقل الثروات إلى الطبقات العليا التي تملك المال لإقراض الحكومة، وإلى الجهات الدائنة الدولية التي تشمل المنظمات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، والحلفاء الإقليميين، فضلاً عن الأسواق الدولية. معدلات غير مسبوقة وبحلول أواخر عام 2019، بلغ معدّل الدين إلى إجمالي الناتج المحلي 90 %، وهو مستوى مرتفع بحسب المعايير الإقليمية، مع أنه يبقى دون نسبة ال108 % التي سُجِّلت في عام 2017. فعلى سبيل المقارنة، بلغ هذا المعدّل 66 % في المغرب، و76 % في تونس في عام 2019. وتهافُت الحكومة على الاقتراض جعل مصر الدولة الأولى بين الدول الأفريقية على صعيد حجم السندات بالعملات الأجنبية. وأشار إلى أن مصر اقترضت 22 مليار دولار من خلال سندات "اليوروبوندز" في الأسواق الدولية بين عامَي 2017 و2019. وألقى الاعتماد الكبير على الاقتراض بضغوط شديدة على موازنة الدولة. وأضاف تقرير كارنيجي أنه "خصّصت موازنة 2020-2021 مبلغ 555 مليار جنيه لتسديد الفوائد والقروض. وفيما يبلغ مجموع الموازنة الكاملة التي جرى إقرارها 1.7 تريليون جنيه، يشكّل الإنفاق على الدين نسبة 32 % من مجموع النفقات. وفي هذا السياق، يُشار إلى أن الموازنة نفسها تخصص 335 مليار جنيه فقط لتغطية رواتب القطاع العام". وأعتبر تقرير "كارنيجي" أنه من نتائج سياسة الاعتماد على الاستدانة أن الجهات التي تملك أموالاً كافية لإقراض الحكومة، أي مالكي الدين الداخلي، تُحقّق منافع مباشرة من هذه العملية. وتتيح هذه السياسة أيضاً للنظام إعفاء الأعمال والشركات، لا سيما تلك الخاضعة لسيطرة الجيش، من الضريبة أو الاكتفاء بفرض ضرائب منخفضة على تلك الشركات، فضلاً عن إفادة الأثرياء من ضرائب منخفضة على مداخيلهم الشخصية. وهكذا فإن الاعتماد على المديونية يُمكّن النظام من حرمان المواطنين من إحدى الإيجابيات الأساسية للضرائب، وهي إعادة توزيع الثروات المملوكة من الأكثر ثراء. خفض دعم الفقراء وتوقع المعهد تراجعاً شديداً في الإنفاق الاجتماعي والدعم الحكومي كما حدث في 2020 بشأن الخبز المدعوم وتقليله 20 غراماً في 17 أغسطس الماضي، علماً بأن الخبز هو الغذاء الأساسي لنحو 60 مليون مصري. وفي 16 أغسطس، أعلنت الحكومة عن زيادة سعر تذكرة المترو في القاهرة للسنة الثانية على التوالي. وفي 15 أغسطس، أصدر السيسي القانون 170 الذي ينص على حسم نسبة واحد في المئة من رواتب جميع الموظفين، و0.5 % من الرواتب التقاعدية الشهرية لمدة عام كامل. وكانت الحكومة قد قررت، في 10 يونيو 2020، رفع سعر التغذية بالتيار الكهربائي بنسبة 19 %، وهي الزيادة السابعة منذ تسلّم السيسي سدّة الرئاسة في عام 2014. وأسفر ذلك عن ارتفاع مستوى التضخم، مع تداعيات شديدة على الفقراء، فقد بلغ معدل التضخم في مؤشر الأسعار الاستهلاكية 14.1 % في المدن في مايو 2019، فيما وصل التضخم في أسعار المواد الغذائية الأساسية إلى 15.1 %. ضريبة الأثرياء وأشار تقرير كارنيجي إلى أن نظام الضريبة التنازلية يعود بالفائدة على الأثرياء في مصر، ففي عام 2017، كانت نسبة 44% من الإيرادات الضريبية تُستمَد من الضريبة على القيمة المضافة والضريبة على السلع والخدمات، وكلتا الضريبتَين تُفرَضان على الاستهلاك، ما يعني أنهما تنازليتان. وأشار إلى قانون جديد لضريبة الدخل وافق عليه برلمان العسكر في 22أبريل 2020، يفرض هذ القانون ضريبة بنسبة 25 % على المصريين الأكثر ثراء الذين يكسبون 400000 جنيه مصري، أي ما يوازي 25000 دولار أمريكي. هذا المعدّل الضريبي المفروض على مستويات الدخل الأعلى متواضعٌ نسبياً وفقاً للمعايير الإقليمية والدولية. إمبراطورية الجيش وفي الوقت الذي رفع فيه السيسي الدعم عن الفقراء ودلل الأثرياء، تستفيد الإمبراطورية العسكرية المتوسِّعة في عالم الأعمال من مجموعة كبيرة من الإعفاءات الضريبية، وهي أيضاً مستثناة من الموجبات والتنظيمات الخاصة بالمشتريات التي تُفرَض على الشركات المدنية. ومن الأمثلة البارزة في هذا الإطار إعفاء الشركات المملوكة من الجيش من الضريبة على القيمة المضافة في عام 2016. ويحصل الجيش على إعفاءات ضريبية على الأرباح التي يجنيها من الفنادق المملوكة منه، ومن مبيعات المواد الغذائية الأساسية، ومن الرسوم الجمركية. ويعطي الإنفاق الحكومي الأولوية لمشاريع البنى التحتية الضخمة التي يقودها الجيش ويسيطر عليها، ما يشكّل فعلياً أداة للاستحواذ على الأموال العامة. وقد أتاحت هذه السياسة، مقرونةً بالإعفاءات الضريبية، للشركات المملوكة من الجيش الازدهار على حساب الطبقتَين الدنيا والوسطى، وكذلك على حساب القطاع الخاص المدني الذي يجد صعوبة كبيرة في المنافسة. وصرّح السيسي، في نوفمبر 2019، أنه أُنجِزت على امتداد الأعوام الخمسة الماضية مشاريع وطنية بقيادة الجيش تبلغ قيمتها 200 مليار دولار. ومن أجل وضع هذا الرقم في سياقه، نشير إلى أن حجم إجمالي الناتج المحلي المصري بلغ 303 مليارات دولار في عام 2019. ومن الأمثلة على هذه المشاريع الضخمة العاصمة الإدارية الجديدة. 92 مليار دولار وقدر معهد كارنيجي جملة ما حصل عليه السيسي من "حلفائها الإقليميين" من دعمٍ مالي قدره 92 مليار دولار بين عامَي 2011 و2019، وتستمر في اقتراض مبالغ طائلة من المؤسسات الدولية. تتيح هذه الأموال للحكومة تنفيذ مشاريع ضخمة والإبقاء على منظومة الضريبة التنازلية. ويسمح هذا بدوره للأعمال والشركات المملوكة من الجيش بأن تزدهر، ما يساهم في تعزيز نفوذ المؤسسة العسكرية وشبكة المحسوبيات التابعة لها. وهذا الدعم الخارجي يحمي الجيش أيضاً من التدقيق العام، ويقترن مع الاعتماد المتزايد على الضرائب باعتبارها مصدراً للإيرادات الحكومية.