يستعد النظام المصري لاستقبال الشريحة الخامسة من قرض صندوق النقد الدولي، بقيمة ملياري دولار، قبل نهاية الأسبوع الجاري. وبذلك تكون مصر قد تسلمت 10 مليارات دولار من إجمالي قيمة قرض الصندوق البالغ 12 مليار دولار على 3 سنوات. ومنذ انقلاب 3012، باتت القروض الخارجية عرفا في سياسة نظام السيسي، وهو ما جعل البلاد غارقة في الديون الخارجية، بشكل يكذر بسياسات الخديوي إسماعيل الاقتصادية التي أدت في النهاية إلى الاحتلال الانجليزي لمصر وضياع قناة السويس من مصر. ديون خارجية مرعبة ديون مصر الخارجية تسجل ارتفاعا مستمرا، في ظل إصرار النظام على إتباع سياسة الاقتراض، وانعدام الإنتاج المحلي. وأعلن البنك المركزي المصري عن ارتفاع حجم ديون مصر الخارجية لتصل إلى نحو 93.1 مليار دولار في نهاية سبتمبر الماضي بزيادة بنحو 0.5 مليار دولار بمعدل 0.5% مقارنة بشهر يونيو 2018. وكشف أحدث تقرير للبنك المركزي أن هناك ارتفاعا في صافي المستخدم من القروض والتسهيلات بنحو 0.7 مليار دولار وانخفاض أسعار صرف معظم العملات المقترض بها أمام الدولار بنحو 0.2 مليار دولار، وفقا لوكالة أ ش أ. وبالنسبة لأعباء خدمة الدين الخارجي فقد بلغت نحو 2.2 مليار دولار خلال الفترة يوليو/ سبتمبر 2018/2019 (الأقساط المسدد نحو 1.4 مليار دولار والفوائد المدفوعة نحو 0.8 مليار دولار، موضحا أن نسبة رصيد الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي بلغت 35.4%. وديون داخلية أيضا كما أعلن البنك المركزي المصري، ارتفاع الدين العام المحلي بنحو 191.4 مليار جنيه، خلال الربع الأول من العام المالي الجاري. وأشار في تقرير حديث إلى تسجيل إجمالي الدين العام المحلي 3.887 تريليون جنيه بنهاية سبتمبر مقابل 3.696 تريليون جنيه بنهاية ديسمبر. ووفقًا للمركزي فقد سجلت الأرصدة من أذون وسندات الخزانة نحو 3.511 تريليون جنيه بنهاية سبتمبر مقابل 3.405 تريليون بنهاية يونيو. وسجلت صافي مديونية الهيئات الاقتصادية 330.323 مليار جنيه مقابل 317.6 مليار جنيه، وارتفعت صافي مديونية بنك الاستثمار القومي لتسجل 517.34 مليار جنيه، مقابل 473.02 مليار جنيه، وبلغت المديونية البينية نحو 258.335 مليار جنيه، مقابل 216.03 مليار جنيه. ترقبوا مزيدا من التقشف كعادة نظام السيسي، كلما تزايدات أعباء الدين على الحكومة، لا يجد أمامه إلا سياسات التقشف دون أي اهتمام بما تلحقه من أضرار بالمواطن وما لها من تأثيرات قاسية على المعيشة في مصر. ففي نوفمبر الماضي مثلا، ورداً على تضخم الدين العام، أعلن السيسي عن رزمة جديدة من الإجراءات التقشفية، بما في ذلك تحرير سعر الدقيق المستخدَم في صناعة الخبز اعتباراً من الأول من يناير 2019، وزيادة ثمن تذاكر مترو القاهرة اعتباراً من ديسمبر 2019، بعد زيادة مماثلة في التعرفة في مايو الماضي. يندرج ذلك في إطار سلسلة من الإجراءات غير الفعالة الهادفة إلى معالجة أزمة الديون المتضخّمة، فيما تواصل الحكومة تجنُّب الإصلاح البنيوي الضروري من أجل إيجاد حلول لأزمة الديون المتنامية. ويُشكّل ارتفاع مستوى الدين العام فضلاً عن الأداء السيئ للاقتصاد المصري على صعيد الصادرات، مؤشّرَين عن عدم استعداد النظام للاستثمار في قطاعات من شأنها أن تقود إلى تحقيق عائدات أفضل بما يؤدّي فعلياً إلى خفض مستوى الديون وبناء قطاع صادرات تنافسي. الإنفاق العسكري والديون غير أن جذور أزمة الديون تكمن في إدارة الجيش للاقتصاد السياسي بشكل أشبه ب"الوسية" . فقد حصلت المؤسسات العسكرية على المساعدات من دول الخليج، واستدانت مبالغ طائلة من المؤسسات الخارجية لتوسيع بصمتها التجارية. واشتمل ذلك على استثمارات واسعة في مشاريع ضخمة غير منتِجة، أبرزها قناة السويس الجديدة التي بلغت كلفة بنائها 8 مليارات دولار، والعاصمة الإدارية التي يُتوقَّع أن تصل كلفتها إلى 300 مليار دولار. كذلك أنفق الجيش مبالغ كبيرة على واردات الأسلحة التي ازدادت بنسبة 215 % في 2013-2017 بالمقارنة مع 2008-2012، ما يجعل مصر ثالث أكبر دولة مستورِدة للأسلحة في العالم بعد الهند والسعودية. وبدلاً من الاستثمار في تطوير قطاع خاص ديناميكي – لا سيما من أجل تعزيز السياحة وتطوير قاعدة تصنيعية راسخة لجعل الصادرات أكثر تنافسية – اختار النظام الاستثمار في زيادة ثروات النخب العسكرية. وقد ضرب، في شكل أساسي، عرض الحائط بمتطلبات الضرورة الاقتصادية لمصلحة ترسيخ الدعم للسيسي في أوساط كبار الضباط العسكريين. كذلك ألقى التوسع العسكري العدواني نحو القطاع الخاص، بضغوط شديدة على مجموعة من الصناعات، بدءاً من التعدين وصولاً إلى الغذاء، فالدعم الناشط الذي تقدّمه الدولة للشركات المملوكة من الجيش من خلال الإعفاءات الضريبية والإعانات الحكومية شكّل عائقاً شديداً أمام قدرة الشركات الأصغر حجماً على خوض المنافسة على قدم من المساواة. حتى فيما كان الإنفاق العسكري يتسبب باستفحال أزمة الديون المتصاعدة، ركّز النظام على تأمين الأموال لهذا الإنفاق من خلال إطلاق حملة تقشّفية واسعة النطاق. وقد نقلت هذه السياسة العبء إلى كاهل الطبقتَين الوسطى والدنيا، من دون إيلاء الاعتبار الكافي للاضطرابات الاجتماعية التي قد تنجم عن ذلك. وخلال الأعوام القليلة الماضية، اشتملت هذه الإجراءات التقشفية على خفوضات في دعم الطاقة والكهرباء، وفرض ضريبة على القيمة المضافة، وزيادة أسعار تذاكر مترو القاهرة. تستمر هذه النزعة في الموازنة الراهنة، حيث 41.5 في المئة من العائدات الضريبية مصدرها الضرائب على القيمة المضافة، التي هي شكل رجعي من أشكال الضريبة يُلقي بعبء أكبر على كاهل الطبقتَين الدنيا والوسطى، وذلك بعدما كانت هذه الضريبة تؤمّن 34.5 في المئة من العائدات الضريبية في 2014-2015. على النقيض، تراجعت حصة العائدات الضريبية المستمدة من إيرادات الشركات، من 30.0 في المئة في 2014-2015 إلى 21.8 في المئة في الموازنة الراهنة.