كما كان متوقعا وفي ظل تقارير دولية وإقليمية كانت تنكرها حكومة الانقلاب، عن نقص الودائع والاحتياطي الأجنبي المملوك للدولة المصرية، لدرجة أن النقد الأجنبي بالبنك المركزي المصري سجل بالسالب "سالب 7.1 مليار دولار" ومع استمرار القمع العسكري للاقتصاد، كما السياسة ، ومع تفاقم أزمة السيولة المالية بالبنوك، بدأت الضغوط من المستوردين على الدولار، لإنجاز معاملاتهم قبل عملية تعويم مرتقبة ومؤكدة تلوح بالأفق ، فوجد البنك المركزي نفسه أمام أزمة فقدان 20 مليار دولار يسددها للمستوردين الذين يبرمون عمليات تجارية من الخارج ، فعلى طريقة العسكر وبلا مقدمات ، استحدث نظاما جديدا بلا أية مقدمات يلغي دوره في توفير الدولار للمستوردين والعودة إلى نظام الاعتمادات البنكية. وأصدر البنك المركزي الاثنين الماضي قرارا بوقف التعامل مع مستندات التحصيل في تنفيذ كافة العمليات الاستيرادية ، وقصر العمل على الاعتمادات المستندية فقط، اعتبارا من بداية مارس المقبل، بهدف السيطرة على سعر الدولار في مقابل الجنيه من خلال تحجيم عمليات الاستيراد من الخارج. واستثنى قرار البنك المركزي فروع الشركات الأجنبية في مصر والشركات التابعة لها، مع السماح للبنوك بقبول مستندات التحصيل الواردة عن بضائع تم شحنها بالفعل قبل صدور القرار. وقد أثار قرار وقف التعامل مع مستندات التحصيل في تنفيذ كافة العمليات الاستيرادية، انتقادات واسعة في الأوساط الاقتصادية والمنظمات الممثلة للصناع والتجار والمستثمرين. وأرسل العديد من منظمات الأعمال في مصر، ومنها اتحاد الصناعات وجمعية رجال الأعمال، خطابا إلى رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، انتقدت فيه القرار وطالبت بإلغائه فورا نظرا لتداعياته السلبية على إمداد الصناعة باحتياجاتها من مستلزمات الإنتاج للصناعة ، وكذلك على الصادرات بزيادة تكاليف الإنتاج، وتأثيرها السلبي على ثقة المستثمر الأجنبي في الاقتصاد المصري.
زيادات سعرية ووفق خبراء، فإن نظام الاعتمادات المستندية سيؤدي إلى رفع أسعار السلع المستوردة، نتيجة الأعباء المالية التي سيتحملها المستورد جراء فتح الحساب المستندي، في وقت تعاني فيه الأسواق من حالة ركود. كما أن النظام سيؤدي إلى تأخير وصول بعض السلع، بالإضافة إلى أنه يشترط دفع المستورد قيمة البضاعة بالكامل عبر اعتماد مستندي، وهو حتما سيؤثر على دورة رأس المال للمستورد، ووفق الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب ، فنظام الاعتمادات المستندية يعني أن التعامل سيكون بين البنك المستورد والبنك المصدر، فالبنك مُصدِرُ خطاب الاعتماد أو مصرف المستورد يتولى دفع ثمن البضائع، ويقدم الخطاب أيضا ضمانات للمستورد بأن البضائع سوف يتم تسليمها وفقا للمستندات المستوفية. وهذا النظام ليس جديدا، بل تم العمل به خلال الفترة من عام 2015، وحتى ما قبل تعويم الجنيه المصري في عام 2016، إذ اشترطت قواعد الإفراج عن السلع المستوردة أن تكون من مصانع مسجلة، وأن يتم سداد قيمتها بالكامل طبقا لخطابات من البنك المصدر، ومن خلال تغطية البنك المستورد. وكان الهدف من هذه الإجراءات ، هو ضبط الواردات التي ارتفعت بشكل كبير لتصل إلى نحو 87 مليار دولار عام 2015، وبالفعل نجحت هذه الإجراءات في تخفيض الواردات إلى نحو 60 مليار دولار عام 2017. ويشير عبد المطلب إلى أن من إيجابيات هذا النظام أنه سيمنع التلاعب من قبل المستوردين، وسيجبرهم على دفع القيم العادلة للجمارك طبقا للأسعار الحقيقية، وليس طبقا لأسعار الفاتورة التي قد لا تكون دقيقة، بالإضافة لتقليل عمليات استنزاف العملات الصعبة في أشياء لا تفيد.
رفع تكاليف الاستيراد يتابع "أما السلبيات فتتمثل في رفع تكاليف الاستيراد، إذ إن فتح الاعتماد يكون بمصاريف، ناهيك عن كون تغطية الاعتماد بالكامل تؤدي إلى ضياع فرص بديلة، إذ أنه كان يمكن للمستورد دفع جزء من ثمن بضاعته المستوردة، مع استثمار الجزء الباقي، أو الدفع على أقساط أو غيرها من وسائل الدفع الأخرى". ومع التطبيق العملي للقرار مطلع مارس المقبل، فإن الكثير من المصانع المحلية ستتعرض للخراب، ولخسائر فادحة بسبب عدم توفر مستلزمات الإنتاج، فضلا عن زيادة الأسعار نتيجة نقص المعروض من السلع، وهو ما يمثل ضربا وحربا جديدة للاقتصاد المصري. وعلى الرغم من أن هدف القرارات هو تقليص استخدام الدولار وتوفيره، إلا أن الأوضاع المصرفية تشير إلى أن تعويما قادما لا محالة، إذ أن السوق المصري يواجه أزمة دولارية شبيهة بالتي حدثت قبل تعويم الجنيه أواخر عام 2016. وكان البنك المركزي، قرر في 10 يناير الماضي، منح البنوك العاملة في السوق المحلية "سيولة طارئة" بسعر فائدة لا يقل عن 5%، حال عدم قدرتها على توفير السيولة من سوق الإنتربنك (شبكة داخلية تربط بين الأنظمة البنكية). ويوما تلو الآخر، تتكشف جوانب الأزمة الاقتصادية التي تسبب بها السيسي في مصر، بإنفاق المليارات على مشاريع فنكوشية غير ذات جدوى اقتصادية، واعتماده التوسع في التأميم الاقتصادي ومصادرة الأموال وزيادة القروض ، ما أفقد الجنيه المصري قيمته، وأدى لهروب الاستثمارات من مصر.