في تحول تشريعي غير مسبوق، أقر مجلس النواب، القانون الجديد المُنظم لعلاقات الإيجارات القديمة، في خطوة مُثيرة للجدل تُعيد صياغة العلاقة بين المالك والمُستأجر بعد عقود من الجمود. القانون الجديد، الذي طال انتظاره، يهدف إلى مُعالجة تشوهات مُزمنة في السوق العقاري المصري، وتحقيق توازن بين حق المالك في استعادة السيطرة على أملاكه، وحق المُستأجر في الأمان السكني، لكن رغم الوعود الرسمية بعدم طرد أي مواطن من مسكنه دون توفير البديل المُناسب. ولا تزال المخاوف قائمة، والأسئلة مشروعة: «كيف سيتم تنفيذ القانون؟ ما آليات الدولة لتوفير مساكن بديلة؟ وهل بالفعل يمكن طمأنة المواطنين بأنهم لن يُلقَوا إلى الشارع؟» في السطور التالية نبحث عن الإجابات. ? المؤيدون: عودة لعدالة مفقودة ? المعارضون: توقيته غير ملائم ? الحكومة: وسيلة لإعادة التوازن ? قانونيون: اختبار للقدرة على تحرير السوق والحفاظ على «السكن الآمن» ? خبراء: تمديد الفترة الانتقالية إلى 10 سنوات مجلس النواب أقر البرلمان القانون، بعد مُناقشات استمرت لشهور داخل لجنتى «الإسكان» و«التشريعية»، وبموجبه، سيتم إنهاء العلاقة الإيجارية بين المالك والمُستأجر خلال فترة انتقالية مدتها 7 سنوات للوحدات السكنية، و5 سنوات للوحدات غير السكنية كالمحلات والمكاتب، وخلال هذه الفترة، تُحدد القيمة الإيجارية الجديدة بُناءً على تقسيم المناطق إلى ثلاث فئات «متميزة، متوسطة، واقتصادية». وتبلغ الزيادة المُقترحة بالمناطق المتميزة 20 ضعف القيمة الحالية، بحد أدنى 1000 جنيه، وبالمناطق المتوسطة 10 أضعاف، بحد أدنى 400 جنيه، وبالمناطق الاقتصادية 10 أضعاف، بحد أدنى 250 جنيها، وتُفرض زيادة سنوية على القيمة الجديدة 15%، كما يُجيز القانون إخلاء الوحدة فى حالات مُحددة، مثل غلقها لمدة عام دون استخدام، أو امتلاك المُستأجر وحدة أخرى صالحة للسكن. رسميًا، لم يصدر القانون حتى الآن، إذ يتطلب الأمر تصديق رئيس الجمهورية، ونشره فى الجريدة الرسمية، ليصبح القانون نافذًا من اليوم التالى. ويُؤكد أستاذ القانون الدستورى، صلاح فوزى، أن الرئيس وفق المادة 123 من الدستور يملك أن يُصدر القانون، أو أن يعترض على القانون كله، أو بعض مواده خلال 30 يومًا، ويُعيده إلى مجلس النواب، وفى هذه الحالة إما أن يتبنى المجلس وجهة نظر رئيس الجمهورية ويُقر التعديلات التى اقترحها، أو يتمسك بالنصوص التى رفضها الرئيس، ويحق له إصداره بعد موافقة ثُلثى الأعضاء، مُشيرًا إلى إشكالية أخرى تواجه القانون تتمثل فى اقتراب انتهاء دور الانعقاد الخامس والأخير لمجلس النواب. وقد بين أنه إذا تأخر المجلس فى إرسال المشروع، وقرر الرئيس عدم التصديق عليه بعد انتهاء دور انعقاد المجلس، فسنكون أمام واقع نفاذ حكم المحكمة الدستورية السابق، ومن ثم سيرفع المُلاك القضايا على المُستأجرين، مُناشدًا المجلس الإسراع بإرسال القانون إلى رئيس الجمهورية، والتريث قبل إنهاء دور الانعقاد. ? المُستأجرون والمُلاك حالة من الغضب انتابت المُستأجرين، فتقول الحاجة أمينة، مُستأجرة فى بولاق: «أنا عندي 68 سنة، أعيش هنا من خمسين سنة، هل معقول يرمونا فى الشارع؟. أنا مش هسيب بيتى غير على قبري!»، بينما يقول أشرف عبد الموجود، موظف على المعاش، مُستأجر من المعادي: «مع القانون آه، لكن بشرط الدولة تديّنا شقة تانية قبل ما تطلب منا الإخلاء». وتُطالب فاطمة عبدالغفار، مُستأجرة منذ 1971، بضرورة توسيع دائرة الفئات المُستثناة من الإخلاء، مُشيرة إلى أن كثيرًا من المُستأجرين يعيشون فى وحدات قديمة لا تصلح للبيع، ولا تتحمل الزيادات الكبيرة فى الإيجار. وفي الجهة الأخرى، عبر المُلاك عن سعادتهم البالغة بإقرار القانون، فيقول المهندس حمدي جبر، صاحب عقار بمنطقة مصر الجديدة: "القانون أنصفنا بعد سنوات طويلة، لكن التنفيذ يجب أن يكون حاسمًا، لا تأجيل فيه، لأن كل تأخير يُزيد من مُعاناة المالك، ويفقد القانون قيمته»، بينما قالت أحلام خليفة، إن القانون تحرير من ظلم سنوات، موضحة أنها ورثت وشقيقتها عقارًا بمحرم بك بالإسكندرية عن والدها، ولا تتحصل منه سوى على 35 جنيهًا كل شهر، إذ كانت قيمة الإيجار 5 جنيهات، بينما وصل سعر السوق بالمنطقة ل2500 جنيه للوحدة. وأضافت أن دخلها كاملًا 1800 جنيه هى قيمة معاش والدها الراحل، واضطرت للعمل ببيع الملابس عبر الإنترنت للإنفاق على أمها، قبل وفاتها أيضًا، رغم أنها بالاسم «صاحبة أملاك»، ورغم ذلك كل المستأجرين بعمارتها أيسر حالًا منها، ويملكون شققا وفيلات بمناطق أخرى، أو هاجروا وأغلقوا شققهم. ? سكن بديل المُهندس شريف الشربينى، وزير الإسكان والمرافق والمُجتمعات العمرانية، أكد أن الدولة لن تترك مواطنًا دون سكن، موضحًا أن هناك خطة تنفيذية لتأمين سكن بديل للمُستأجرين غير القادرين، تتضمن تخصيص أكثر من 238 ألف وحدة جاهزة بالمُجتمعات العمرانية الجديدة، وإنشاء وحدات إضافية على أراضٍ بمساحة 200 ألف فدان بالمُحافظات، وطرح خيارات مُتعددة للمُستأجرين من بينها الإيجار المدعوم، والإيجار التمليكى، والتمويل العقارى بفوائد مُخفضة. ونوه الوزير لإجراء تسجيل إلكترونى للمُستأجرين المُستحقين، وإنشاء صندوق لدعم الفئات الأكثر احتياجًا فى دفع فرق الإيجار، وتعهد الشربينى بأن تكون الأولوية للمُستأجرين الأصليين، على أن تبدأ الإجراءات خلال 30 يومًا من صدور اللائحة التنفيذية للقانون. ويرى المؤيدون للقانون، أنه يُمثل عودة ل«عدالة مفقودة»، حيث يستعيد المالك حقه الطبيعى فى ملكيته، وبحسب المُستشار محمود فوزي، وزير الشئون النيابية والقانونية والتواصل السياسى، فإن نحو 3 ملايين وحدة سكنية مؤجرة بنظام قديم تُدر دخلًا لا يتجاوز 50 جنيهًا شهريًا، بينما تصل قيمتها السوقية إلى ملايين الجنيهات. «القانون ليس أداة طرد، بل وسيلة لإعادة التوازن»، كما تؤكد وزيرة التنمية المحلية، منال عوض، التى تقول: "لن يُطرد مواطن من شقته إلا بعد تسليمه وحدة بديلة لائقة، وستكون هناك لجان فى كل محافظة لتقييم الحالات وتحديد الأولويات، وهو ما يؤكده الدكتور محمد فؤاد، عضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، مُشددًا على أن الدولة ستُخصص ميزانية استثنائية لدعم برنامج الإسكان البديل، تتجاوز ال20 مليار جنيه فى مرحلته الأولى. ? حصر وتصنيف على الأرض، بدأت بالفعل عمليات حصر وتصنيف المناطق وفقًا للقانون الجديد، مع انطلاق اللجان المحلية فى عدد من المحافظات، وتعمل وزارة الإسكان على تطوير بوابة إلكترونية لاستقبال طلبات المُستأجرين الراغبين فى التقديم على وحدات بديلة، ورغم التأكيدات الحكومية، فإن حالة من الترقب تُسيطر على الشارع، خصوصًا فى الأحياء القديمة والمناطق الشعبية التى تضم النسبة الأكبر من وحدات الإيجار القديم. ? ملف شائك النائب طارق حسانين، يؤكد أن القانون يتعامل مع ملف «شائك» بسبب تراكمات استمرت لعقود، مُشيرًا إلى أن الملاك تعرضوا للظلم منذ تدخل الدولة فى الستينيات لخفض القيمة الإيجارية بشكل جبرى، مُضيفًا أن عدد الوحدات السكنية أصبح كافيًا الآن، ما يُتيح تطبيق القانون مع ضمان العدالة. كما اقترح النائب أن يتضمن القانون خيارًا يُتيح للمُستأجر شراء الوحدة السكنية بعد مرور 7 سنوات بسعر عادل، وفى حال عدم القدرة على الشراء، يتولى صندوق دعم خاص توفير سكن بديل مُناسب له، مُثمنًا خطوة الحكومة بالتصدى لهذا الملف، ومُعربًا عن أمله فى توفير حلول سكنية عملية وواقعية للأسر المُستحقة، بما يحفظ السلم المُجتمعى أثناء تطبيق القانون. وأشار إلى أن الدستور ينص صراحة على حق كل مواطن فى سكن مُلائم، وأن تقارير دولية عديدة أظهرت أن مصر من أكثر الدول التزامًا بتوفير السكن للمواطنين. ? تحذير في المُقابل، يُحذر الخبير الاقتصادي، الدكتور رشاد عبده، من تداعيات اجتماعية واقتصادية للقانون، مؤكدًا أن توقيت صدور وتنفيذ القانون غير ملائم، ويُحمل الدولة أعباء مالية ضخمة لتوفير سكن بديل، مع عدم وجود قاعدة بيانات دقيقة للمُستأجرين المحتاجين فعلًا للدعم. ولفت الخبير الاقتصادي إلى أنه فى ضوء الجدل القائم، طرح العديد من الخبراء مُقترحات لتعديل بعض بنود القانون، أو تأجيل التطبيق لحين تهيئة الأرضية الاجتماعية اللازمة، مُشيرًا إلى أنه من الأفضل تمديد الفترة الانتقالية للوحدات السكنية إلى 10 سنوات بدلًا من 7، خصوصًا مع الوضع الاقتصادى الحالى، حتى لا يحدث ارتباك مُجتمعى. واقترح د.عبده، إعادة النظر فى بعض مواد الإخلاء، قائلًا: "الربط بين امتلاك وحدة سكنية أخرى، وبين الإخلاء فيه قدر من التعسف، فربما تكون الوحدة البديلة غير صالحة أو لا تصلح لسكن المُسنين". ? تطبيق تدريجي الخبير العقاري، علاء نجيب، يرى أن الحل يكمن فى تطبيق تدريجى ومرن، مع وجود لجنة استئناف مُستقلة للنظر في التظلمات من الإخلاء أو الزيادات، حتى يشعر الطرفان بالعدالة. كما أضاف أنه في حال إقرار هذا القانون فإنه سيكون له تأثير إيجابى كبير فى تحريك سوق العقارات في مصر، وصيانة تلك العقارات المُتهالكة، وفتح الوحدات المُغلقة مما سيدفع السوق ليزيد المعروض فينخفض متوسط الإيجارات، وسيعود «حق الله» المُتمثل في إيرادات الأوقاف المُهدرة التى ستتحول تلقائيًا لأكبر صندوق استثمارات بمصر. كما ستعود إيرادات الدولة من العقارات التى تؤجرها للغير فى الكثير من الأماكن المُتميزة، وسترتفع حصيلة الضرائب العقارية مما يُعزز من توازن الموازنة العامة، ويجعلها أكبر قدرة على زيادة مُخصصات الحماية الاجتماعية. ? قانون الإيجارات القديمة خطوة إصلاحية جريئة ويرى الخبير القانوني، حسن إبراهيم، أن قانون الإيجارات القديمة الجديد هو خطوة إصلاحية جريئة، تستهدف تصحيح مسار مشوّه استمر لعقود، لكنه فى الوقت ذاته اختبار حقيقى لقدرة الدولة على تحقيق المعادلة الصعبة وهى تحرير السوق العقاري من قيوده، مع الحفاظ على الحق الدستوري فى السكن الآمن، فإذا نجحت الحكومة فى تنفيذ القانون بعدالة وشفافية، ووفرت البدائل الموعودة، فقد تكون هذه هى بداية نهاية أزمة الإيجارات القديمة، لكن إن غابت العدالة أو تقاعست الحكومة فى توفير البدائل، فإن ما يُوصف اليوم بقانون إصلاحي، قد يتحول إلى أزمة اجتماعية تهدد الاستقرار، ويرى حسن أن الرهان الآن على التنفيذ، والعدالة، والشفافية.