إن النجاح فى غرس حب القرآن فى نفس الطفل من العلامات الفارقة التى تدل على مدى نجاح الوالدين فى ربط أبنائهم بالله عز وجل، ويبدأ ذلك الربط مع الطفل وهو جنين فى بطن أمه، فقد أثبتت دراسات حديثة أن الجنين يتأثر بالجو المحيط بأمه، فيما يعرف علميًّا ب(ذكاء الجنين). فقد أثبتوا علميًّا أن الجنين الذى يستمع إلى الأصوات الهادئة يجعله ذلك أكثر استرخاءً وهدوءًا ممن لم يستمع إليها، فما بالنا بزاد المؤمن "القرآن الكريم"، أفضل ما سمعه البشر بلسان عربى مبين، فسنجد الطفل أكثر هدوءا واسترخاء. ولعلنا نلاحظ وجود رابط روحى بينه وبين سماع القرآن والإنصات إليه بعد ما يولد، ويؤكد هذا الدكتور "محمد راتب النابلسى" فى كتاب "تربية الأولاد فى الإسلام" فى قوله: "إن الأم الحامل التى تقرأ القرآن أو تستمع إليه تلد طفلًا متعلقًا بالقرآن". وكذلك الحال مع الطفل منذ الصغر، حتى وإن لم يعِ أو يتعلم القراءة؛ فالطفل كالإسفنج يتشرب من والديه تصرفاتهم وسلوكهم، فإذا شب ووجد أن والديه مداومان على قراءة كتاب الله أمامه سيشب هو الآخر على حب هذا الكتاب العظيم والارتباط به. وكذلك الحال لو وجد الطفل أن تعامل والديه مع القرآن الكريم يتسم بالتعظيم والتوقير، وكذلك فرح الأم أو الأب برؤية شيخ يقرأ القرآن أو أثناء مرورهم على إحدى قنوات القرآن الكريم أو وضعه فى أرفع مقام وأعلى مكانة، كل ذلك يجعل الطفل رغم أنه ما زال صغيرا لا يعى كثيرًا مما حوله بعقلية الكبار يمسك بكتاب الله ويتمتم بكلمات حتى وإن كانت غير مفهومة مقلدًا أمه وأباه. وهنا تكون الفرصة سانحة للوالدين لتعريف الطفل بآداب التعامل مع كتاب الله بشكل بسيط وسلس دون الدخول فى التعقيدات التى قد لا تناسب طبيعة المرحلة العقلية التى يمر بها الطفل، فمثلا يعرفاه على أنه "لا يمسه إلا المطهرون"؛ لذا إذا أراد الطفل أن يلمسه أن يتوضأ، وبشكل بسيط ومتتابع ومتدرج يعلمان الطفل كيفية الوضوء. ومن الأشياء المهمة التى تجعل الطفل يرتبط بالقرآن أن يهدى له والداه مصحفا صغيرا خاصا به مع تعويده على الوضوء قبل لمسه بطريقة بسيطة كما قلنا من قبل، وهنا يشبع الوالدان رغبة التملك لدى الطفل وفى الوقت نفسه يربطونه بالمصحف. ويجىء سن الابتدائى وما قبله ليعلن لنا نحن الوالدين عن بدء استعدادات الطفل العقلية لحفظ القرآن بسلاسة وسهولة، وفى هذا يقول الدكتور النابلسى: "إن الطفل يستطيع أن يحفظ القرآن فى سِنِى حياته الأولى، فإذا كبر فهم معانيه، ولكن بعد أن يصبح لسانه مستقيما بالقرآن، فيشب وقد تعلم الكثير من الآداب". كذلك من العوامل المهمة لربط الطفل بالقرآن عقد دورات ومسابقات لحفظه، وكلما اتسعت دائرة تلك المسابقات لتشمل أطفال العائلة أو أطفال الجيران كان عامل المنافسة مساعدا لتشجيع الطفل أكثر على الحفظ والارتباط بالقرآن. ولكن يبقى العامل الأهم الذى أشرت إليه من قبل وهو اتجاه الوالدين نحو القرآن ومدى ارتباطهما به يبقى هو العامل الأهم والمحفز الأخطر فى تكوين رابطة روحية بين الطفل وكتاب الله الكريم.