«نستعد للتعامل مع صدمة مائية منذ خمس سنوات، بعد توقيعنا لاتفاق" المبادئ" مع إثيوبيا والسودان»، تلك التصريحات الكارثية أدلى بها الدكتور محمد عبد العاطي، وزير الموارد المائية والري فى دولة الانقلاب. وهو ما يكشف عما يحدث فى مصر، إذ إن نصيب الفرد انخفض من المياه إلى 600 متر مكعب، وهو ما يعني أننا وصلنا إلى منطقة الفقر المائي، وسينخفض إلى أقل من 400 متر مكعب من المياه بحلول 2050. المستقبل غير مطمئن وزير الري الأسبق عز الدين أبو ستيت، قال فى تصريحات سابقة، إن المستقبل غير مطمئن والأوضاع تتطلب البحث عن بدائل، مرجحًا أن تكون التحلية هي الحل الأفضل في الوقت الراهن، داعيًا إلى تعزيز الفرص الاستثمارية في مشروعات التحلية خلال المرحلة المقبلة. وقال الدكتور محمود أبوزيد وزير الموارد المائية والري الأسبق ورئيس المجلس العربي للمياه، إن التحدي الذي تواجهه مصر والدول العربية في نقص المياه جعل من موضوع التحلية أهمية قصوى وأيضًا البحث عن مصادر أخرى للمياه مثل الاستفادة من مياه الأمطار والسيول والصرف الصحي والزراعي. تصريحات ليست الأولى من نوعها لكن تزامنها مع ما أثير بشأن تجميد الحراك فى أزمة ملء سد النهضة والملء الثانى، والرضوخ لأوامر قد تكون شبه اتفاق، ما أثار الكثير من التساؤلات خاصة أن السد هو مصدر التهديد الأكبر للأمن القومي المائي المصري.. فما تداعيات مثل تلك التصريحات على مستقبل الملايين من الشعب المصري؟
انخفاض نصيب الفرد أوضح أبو زيد أن حصة الفرد من المياه تتناقص مع الزيادة السكانية، داعيًا إلى تصنيع أجهزة ومحطات تحلية مياه البحار داخل مصر بدلاً من استيرادها، فيما أشار المهندس ممدوح رسلان رئيس الشركة القومية لمياه الشرب والصرف الصحي، أن الدولة تنتج يوميًا 25 مليون متر مكب من مياه الشرب، 85% منها من مياه النيل والباقي من المياه الجوفية والبحر. وكان برلمان الانقلاب سبق وأصدر قانونًا يحجم فيه زراعة محاصيل تستهلك كثيرًا من المياه مثل الأرز لترشيد استهلاك المياه، استعدادًا للآثار السلبية الناتجة عن سد النهضة، ما أدى إلى بدء استيراد مصر للأرز بعد أن كانت مصدرة له، ما انعكس سلبًا على الدخول الاقتصادية لملايين المزارعين. في ضوء استعراض الاتفاقيات التي أُبرمت بين مصر ودول حوض النيل خلال النصف قرن الأخير يتضح أن هناك حالة من التراجع المستمر في حصة المواطن المصري من المياه، لا سيما في ظل تخاذل الأنظمة والحكومات عن القيام بدورها في الدفاع عن حقوق الشعب في المياه، فضلًا عما يمكن أن يترتب عليه من زيادة في الأعباء الأخرى من تراجع في موارده الزراعية، والآثار الصحية المدمرة كما سيتم ذكره لاحقًا.
انخفاض نصيب الفرد وفي دراسة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تحت عنوان "الموارد المائية وترشيد استخدامها في مصر"، أشار فيها إلى ارتفاع الاستخدامات من الموارد المائية المتاحة من 66.6 مليار متر مكعب إلى 74.5 مليار متر مكعب بنسبة زيادة 23.7% خلال الفترة 2002/ 2003 2011، وذلك في ظل ثبات حصة مصر من مياه النيل عند 55.5 مليار متر مكعب طبقًا للاتفاقيات الدولية الموقعة في هذا الشأن. وأوضحت الدراسة انخفاض متوسط نصيب الفرد من الموارد المائية من 2526 مترًا مكعبًا عام 1947 (وفرة مائية) إلى 1672 مترًا مكعبًا عام 1970 (كفاية مائية) بنسبة انخفاض 33.8% وإلى 643 مترًا مكعبًا عام 2013 (فقر مائي) بنسبة 60.3% ومن المتوقع بلوغه 475 مترًا مكعبًا عام 2025. وفي تقرير سابق كشف مسؤولية تراخي الأنظمة الحاكمة في مصر في الدفاع عن حقوقها وثرواتها؛ مما أدى إلى فقدان الموارد الطبيعية، وهو ما تجسد بصورة حية في سيناء، حيث فقدت مصر خلال العقود الثلاث الأخيرة ما يقرب من 20 مليار متر مكعب تمكنت "إسرائيل" من سرقتها عبر السحب الجائر من خزان المياه الجوفية بسيناء، منهم ما يقرب من 30 مليون متر مكعب من مياه السيول على مدار ال5 سنوات الماضية، بسبب عدم وجود خزانات معدة لتخزين مياه السيول، وأن "إسرائيل" حفرت 80 بئرًا بعمق 800 متر بصحراء النقب لاستغلال المياه الجوفية المصرية، وفقًا لتقرير صادر عن معهد بحوث الصحراء.
الفقر المائى وفي سبتمبر من العام ذاته، أكد وزير الري بحكومة الانقلاب محمد عبد العاطي أن مصر دخلت مرحلة الفقر المائي وذلك خلال مشاركته في المؤتمر الدولي للتغيرات المناخية بالعاصمة اللبنانية بيروت، مشيرًا أن التحديات التي تواجه إدارة الموارد المائية بمصر من ازدياد الطلب على المياه وثبات حصة مصر من مياه النيل يدخلها في هذه المنطقة الخطرة، بجانب ازدياد حدة وتيرة العواصف المطيرة التي تسبب سيولًا ودمارًا كبيرين في بعض مناطق الجمهورية. وفي ديسمبر من العام الماضي أكد رئيس مجلس النواب السابق علي عبد العال قائلاً: "مصر دخلت في الفقر المائي وكل ما نقوم به حاليًّا هو تعظيم الموارد المائية، وحتى المياه الجوفية لو استخدمت كلها لن تكفي، حتى مع التحول إلى نظام الرى بالتنقيط".
ملايين مهددون بجانب الآثار المترتبة على الشح المائي من تقليص لبعض الزراعات الحيوية التي تعد مصدرًا رئيسيًا لدخول الملايين من الفلاحين، فإن هناك ضحايا جدد لتلك المرحلة وما يليها، وهو ما حذر منه وزير الري عبد العاطي بأن 4 ملايين مصري قد يفقدون وظائفهم بسبب فقد وتدهور الأراضي بالدلتا تأثرًا بالتغيرات المناخية. عبد العاطي في تصريحات له قال إن ارتفاع منسوب سطح البحر سيؤدي إلى تداخل مياه البحر مع المياه الجوفية في الدلتا، بخلاف تأثيرات أخرى للتغيرات المناخية والمتمثلة في حدوث حالات الجفاف وزيادة معدلات السيول، مشيرًا إلى أن أكثر من 95% من مساحة مصر صحراء وهي من أكثر بلاد العالم جفافًا. كما أن 97% من موارد مصر المائية تأتي من خارج حدودها، وهو ما يضاعف تأثير التغيرات المناخية، كاشفًا أن العجز المائي لمصر وصل نحو 90%، ويتم تعويضه بالمياه معادة التدوير (25% من الاستخدام الحاليّ)، وكذلك المياه المستوردة في صورة سلع غذائية.
ملامح الجمهورية الجديدة (التحلية ومياه الصرف البديل) وزير رى الانقلاب برر الكارثة بأخرى ذكرها خلال لقائه على شاشة "القاهرة والناس"، مساء أمس الأحد، منها أن مشروع تبطين الترع على مستوى الجمهورية يمثل المستوى الأول في التعامل، فيما يمثّل المستوى الثاني تبطين المساقي داخل الأراضي الزراعية، ما يحل إعاقة حركة المياه نتيجة قوة الأرض، وأيضًا حركة المياه في الترع وهو ما يساهم في تقليل فواقد المياه. وأشار أن المستوى الثالث يتمثل في الري بالتنقيط بدلًا من الري بالغمر أو استخدام طرق مكلفة مثل التسوية بالليزر، مشيرًا إلى أن المستوى الرابع هو الري الذكي الذي سيتم تطبيقه في أبسط صوره داخل المساحات الصغيرة. وأوضح أن هذه التقنية تعتمد على قياس نسبة الرطوبة في الأرض، وتُظهِر للفلاح حاجة الأرض للري إذا كانت جافة أو عدم الحاجة للري إذا كانت بها مياه زائدة، لافتًا إلى منح كل فلاح مجسًا لاستخدامه في هذه التقنية. وأفاد بأن هناك مليوني فدان في شمال الدلتا لا يمكن استخدام لها الري الحديث، لكن سيتم إجراء تبطين للمساقي، معتبرًا كل هذه الجهود بأنها ثورة في إدارة المياه في مصر. وأوضح أن المياه التي يستخدمها الفلاح في الري تنزل في المصارف، وتتم إعادتها مرة أخرى بشبكة الري، ويتم خلطها ويعاد استخدامها لتكون دائرة مغلقة حتى تصل نسبة الملوحة إلى مستويات مرتفعة فلا يمكن استخدامها.