من رحم المعاناة التي يرزح المصريون تحت وطئتها منذ انقلاب 30 يونيو 2013، لا يمر شهر أو أسبوع إلا ويخرج من رحم عصابة الانقلاب حدث يدخل على قلوبهم شيئا من الفرح، وجاء الفرح بنشوب معركة في دهاليز عصابة شركة سينرجي المعنية بصناعة الأعمال الفنية التي تطبل للعسكر وتغسل عقول المشاهدين، تلك الشركة التي تديرها مخابرات عباس كامل ونجل السفاح السيسي. الأنباء المتواترة، رغم نفيها غير المقنع لأحد، تشير إلى إقالة صبي المخابرات تامر مرسي، الذراع البارز في إدارة "الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية"، التي تضع يدها على الإنتاج الدرامي المصري في السنوات الأخيرة. بتهم قيل أنها تدور في فلك الهدر والفساد، وتمّ تشكيل لجنة للإطلاع على ملفات المجموعة التي يديرها مرسي، تحديداً شركة "سينرجي" التي انتجت مسلسل "الاختيار 2".. جالب النحس! تسريب ويعتقد مراقبون أنه قد تم تسريب شيء عن تامر مرسى بخصوص الاختيار، وتم القبض عليه سريعا من قِبَل المخابرات للتغطية على شئ ما، لأن ما فعله تامر مرسى للعصابة لا يمكن التخلي عنه بهذه السرعة، تماما مثلما جرى مع الذراع المبتور المخرج الهارب لفرنسا خالد يوسف، والذي خدم العصابة حينما زور مشاهد 30 يونيو بالتضخيم السينمائي، وجعل مظاهرات حركة تمرد المخابراتية تبدو وكأن الكرة الأرضية خرجت عن بكرة أبيها لدعم الانقلاب الأسود. وقامت المخابرات التي يديرها اللواء عباس كامل مناصفة مع نجل السفاح " محمود السيسي"، بتوزيع خبر عبر جهازها المفضل السامسونج مفاده أنه قد تمت اقالة "مرسي" بسبب فساد متعلق بمسلسلات رمضان، وتم وضعه في ذمة المخابرات قيد الإقامة الجبرية، وتعيين "كامل أبو علي" الذي خرج نجله مؤخرا من حادث دهس مهندسة شابة مثل الشعرة من العجين، رئيسا للشركة المتحدة للإعلام، كما تم القبض على حسام شوقي المدير المالي للشركة المتحدة. وأتت هذه الخطوة بعد الإشتباه بالهدر من أموال المصريين التي سرقتها عصابة الانقلاب في الأعمال الدرامية التي تم إنتاجها في شهر رمضان 2021، ومسلسلات أخرى توقّف إنتاجها، وقررت اللجنة فتح ملف مسلسل "خالد بن الوليد" الذي تجمّد تصويره بسبب خلافات قوية بين المخرج رؤوف عبدالعزيز والمنتج تامر مرسي. أما الضربة الكبيرة فقد كانت بإيقاف مسلسل "الملك أحمس"، الذي كان من المتوقع عرضه في شهر رمضان 2021، لكن مع نشر بوستر العمل، تعرض الأخير الذي يلعب بطولته عمرو يوسف، لانتقادات فادحة وسخرية من المتخصصين في التاريخ أدت الى تجميده، بعدما تم هدر مبالغ مالية ضخمة على العمل الدرامي الذي يدور في فلك حياة الفراعنة، قبل توقيفه، ووضع "مرسي" يده على الانتاج المصري بشكل كامل، ونفذ أجندة العسكر في تلميع مجازر الشرطة والمخابرات والجيش بحق المصريين. السيطرة ورغم مسارعة الشركة إلى إصدار بيان ينفي فيه ما تم تداوله على نطاق واسع أمس، إلا أن كافة التحليلات تشير إلى أنه "لا دخان بلا نار" وأن النفي قد يعني أن وقت الإعلان عما حدث كان مفاجئا أو سابقا لأوانه قبل انتهاء التحقيقات مثلا، إلا أن السعادة التي سادت الوسط الفني بسبب أنباء استبعاد تامر مرسي كانت لافتة، خاصة من هؤلاء الذين قطع احتكار "مرسي" أرزاقهم وأبعدهم عن المجال الإعلامي تماما. ويعتبر تامر مرسي أحد أبرز أدوات المخابرات للسيطرة على المحتوى الدرامي، ظهر اسمه بقوة على ساحة الإنتاج في فبراير 2018، عندما أعلنت داليا خورشيد، رئيس مجلس إدارة شركة "إيجل كابيتال"، المالكة لمجموعة "إعلام المصريين"، قبول استقالة المهندس أسامة الشيخ من رئاسة مجلس إدارة المجموعة، وتعيين مرسي مكانه. مرسي هو صاحب شركة "سينرجي للإنتاج الفني" التي هيمنت على سوق الدراما بشكل كامل، واستطاع من خلالها أن يقدم العديد من المسلسلات منذ 2007، كما أنتج عدة أعمال للفنان عادل إمام منها مسلسل "فرقة ناجي عطا الله"، كما أنتج برنامج "YES, I'M FAMOUS" الذي ظهر به العديد من النجوم العالميين على رأسهم لاعب كرة القدم العالمي ليونيل ميسي. وفي 8 إبريل 2019 أعلن تامر مرسي أنه بدأ العمل على إعادة هيكلة القنوات الفضائية في مجموعة "إعلام المصريين" من أجل ما أسماه النهوض بالرسالة الإعلامية ورسم مستقبل أفضل للإعلام، وبدء الخطوات التنفيذية لهيكلة القنوات الفضائية التابعة لشركات "إعلام المصريين" و"دي ميديا"، وكان ذلك جزءا أساسيا من سيطرة جهاز المخابرات على المحتوى المرئي بشكل عام، وصناعة الدراما بشكل خاص. ومنذ انقلاب السفاح السيسي واستيلائه على سدة الحكم في مصر قبل 8 سنوات، وعصابة الحكم العسكرية، تسيطر على الفضائيات، عن طريق ذراعها الإعلامية "إعلام المصريين" الشركة التابعة لجهاز المخابرات، وإخراج معظم المنافسين من السوق. ما حدث مع الفضائيات حدث أيضا مع سوق الدراما المصرية عن طريق شركة "سينرجي" التابعة لإعلام المصريين، ورئيسها المغضوب عليه تامر مرسي، الذي استحوذ على خارطة الدراما الرمضانية للعام 2021، على غرار الأعوام السابقة. عملت "منظومة الدراما العسكرية" على التوسع في إنتاج محتوى سياسي، بتوجهات محددة، مثل مسلسل "الاختيار" و "الاختيار2" الذي ينمق من صورة ضابط الجيش والشرطة بملابسهم المموهة وذات اللون "الكاكي". في يونيو 2017، تحدث السفاح السيسي عن أهمية السيطرة على صناعة الدراما، وعن عدم الرضاء عن محتوى المسلسلات، وحجم الإنفاق عليها، وسائل إعلام عالمية رصدت سيطرة عصابة السيسي على صناعة الدراما، وفي 3 أبريل 2019، نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية مقالة لمدير مكتبها السابق في القاهرة والشرق الأوسط، الكاتب الصحفي الأمريكي ديكلان والش. من أبرز ما رصده والش، ما قاله في تصريحه: من أن "الفنانين ذكروا أنه تم إجبارهم على اتباع الموضوعات التي حازت على موافقة الرقابة العسكرية، مثل تعظيم دور الجيش والشرطة، وذم جماعة الإخوان المسلمين، ومن لا يلتزم منهم بهذه القواعد، فإن أعمالهم لن يتم عرضها على شاشات التلفزيون".