كما كان متوقعا بعد رفض لجنة الثقافة والإعلام بمجلس نواب العسكر بيان الوزير ومطالبة حكومة الانقلاب بإقالته، أعلن مجلس وزراء الانقلاب أن "أسامة هيكل" وزير الدولة للإعلام تقدم باستقالته من منصبه، بدعوى "ظروف خاصة". هذه الظروف ليست خاصة ولكنها معلومة في ظل صراع الأجهزة الأمنية والاستخبارية علي الاستحواذ علي وسائل إعلام السلطة، وتمثيلية التخلص من أسامة هيكل هي نهاية لأحد فصول صراعات الأجهزة حول من يدير الصحف والتلفزيونات التي اشترتها المخابرات وحولتها لملكية خاصة تمجد دكتاتور ترامب المفضل عبدالفتاح السيسي ونظامه. ملخص المعركة وهزيمة هيكل تعني فوز معسكر "إعلان البغال والحمير" الذي تحدث عن أستاذ كلية الإعلام أيمن ندا فتم وقفه عن العمل ومحاكمته. تعني فوز جناح العقيد أحمد شعبان الذي يهمين علي الإعلام برسائل "واتس اب" عبر موبيل سامسونج، والمقرب من عباس كامل ونجل السيسي (محمود). هي معركة لا ناقة للشعب فيها ولا جمل بين مغتصبين للإعلام المصري والساعين لتكميم الأفواه بغرض تحصيل مكاسب مالية وشخصية كبيرة. يكفي أن طرفي الأجهزة (هيكل وشعبان) فضحوا بعضهم البعض وكشفوا للشعب حقيقة المسروق. جناح إعلام البغال والحمير كشف أن هيكل سرق أموالا ضخمة بجمعه بين منصبي الوزير ورئيس مدينة الإنتاج الإعلامي، وأن وزير الدولة للإعلام اشترى سيارات له ومرافقيه ب5 ملايين جنيه واشتري لنفسه شقة في العجوزة. ودان تقرير لجنة الإعلام بمجلس النواب ضآلة أرباح الشركة المصرية لمدينة الإنتاج الإعلامي مقارنة برأسمالها البالغ 2 مليار جنيه، وهبوط أسهمها الدفترية، مع قيام وزير الدولة للإعلام برفع بدل حضور اجتماعات أعضاء مجلس إدارة الشركة إلى 6000 جنيه، ورفع مكافأة رئيس مجلس الإدارة إلى 20000 جنيه وراتبه إلى 100000 جنيه. كان تقرير لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب، برئاسة الدكتورة درية شرف الدين، رفض بيان وزير الإعلام حول تنفيذ برنامج الحكومة، والذي استعرضه خلال الجلسة العامة للمجلس، وأن الوزير وجهازه المعاون لم يحققا الأهداف المرجوة، وأن هناك أخطاء مالية وإدارية قد ارتكبت، ومن بينها الجمع بين منصبى وزير الدولة للإعلام ورئيس مجلس إدارة الشركة المصرية لمدينة الإنتاج الإعلامي والعضو المنتدب. وجناح هيكل كشف أنهم سرقوا المليارات وأن مديونية الهيئة الوطنية للإعلان وحدها 25 مليار جنية. في خطاب هيكل السابق لمجلس النواب قبل استقالته قال إن الهيئة الوطنية للإعلام (إتحاد الإذاعة والتليفزيون سابقا) أصبحت تعاني من ديونٍ مُتراكمةٍ تتزايدُ فوائدها عامًا بعد الآخر حتى بلغت 40 مليار جنيه مصري أو يزيد، وكذلك الهيئة الوطنية للصحافة التي تُمثل الدولة في الصحافة المَملوكة للدولة، وتُصدِر نحو 55 إصدارا صحفيا وتبلغ ديونها 22 مليار جنيه أو يزيد. انتصار إعلام البغال والحمير لا شك أن أسامة هيكل ليس له وزن وهو فاسد مثلهم، ولكن ما جري كشف حجم الصراع بين أذرع السيسي الإعلامية وانتصار "إعلام البغال والحمير" كما أسماه الدكتور أيمن منصور ندا، الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة، الذي أحيل للتحقيق والمحاكمة بدعوي أنه "خرج عن حدود المباح"!. فسبب الحملة علي الدكتور أيمن ندا ومحاكمته هو انتقاده إعلام البغال والحمير الذي يقوده ضابط المخابرات "أحمد شعبان" المسئول عن توجيه الإعلام المصري، ووصفه له بأنه "رئيس تحرير مصر". وقوله إنه سيتوجه بحديثه إلي محرك "العرائس" الإعلامية بدل هذه "الدمي"، حسبما ذكر في مقاله السادس ضمن تسعة مقالات كتبها علي صفحته علي فيس بوك خلال فبراير ومارس2021 ينتقد فيها إعلام السلطة. مع أن الدكتور "ندا" حذف مقاله "رسالة مفتوحة إلى رئيس تحرير مصر"، واعتذر عنه بعد جدل واسع أثاره، وأكد أن ما طرحه "رؤية شخصية وموقف ذاتي" لا يعبر عن جهة بعينها، فقد تم وقفه وتقليص راتبه ومنعه من العمل؛ لأنه انتقد إعلاميي البغال والحمير التابعين لأحمد شعبان أمثال أحمد موسي والديهي وغيرهم. "في المجال الإعلامي.. أحمد شعبان لا شريك له.. أحد أحد .. يعز من يشاء، ويذل من يشاء.. يهب الملك والنفوذ لمن يشاء، وينزعه ممن يشاء.. وهو على كل شيء قدير!.. بأوامره تدار المنظومة الإعلامية". هكذا وصفه د. أيمن ندا في مقاله المحذوف 17 مارس 2021: " رسالة مفتوحة إلى رئيس تحرير مصر "، وتحدث عن سطوته علي الإعلام وكيف أن "كل العاملين في المجال ينفذون حرفياً تعليماته.. لا أحد يخرج عن سلطانه ونفوذه". قال: "رسائل كثيرة وردت لي تحذرني من الكتابة عن المقدم أحمد شعبان .. قرصته والقبر"، لكنه لم يخف، بل وزج باسم نجل السيسي (محمود) مع شعبان وعباس كامل، في مقاله. وصفه بأنه "يمسك بكل الخيوط ويحرك كل العرائس"، وكرر قول المعارضين في الخارج بأنه "الرئيس التنفيذي لمصر" في المجال الإعلامي، و"أقوي رجل في المنظومة الإعلامية والسياسية في مصر". ولكن أضطر لحذف ما كتبه، والاعتذار لشعبان والجيش في مقاله السابع، ليعود مجددا ليهاجم بضراوة أكبر في مقاله الثامن ويصف إعلام السلطة بأنه "إعلام البغال" فماذا جري؟. صراع الأجهزة يقول تقرير لموقع الاستقلال الذي يصدر من تركيا أن مقالات الدكتور "ندا" التسعة التي نشرها عبر حسابه على فيسبوك، وهاجم فيها رئيس المجلس الأعلى للإعلام، وإعلاميي السلطة ألقت الضوء علي صراع الأجهزة للسيطرة علي الإعلام. فمعارك إعلام "أحمد شعبان" لم تكن مع أستاذ الإعلام فقط، بل ومع وزير الدولة للإعلام نفسه أسامة هيكل، الذي خاض معركة مع نفس إعلام المخابرات، عكست صراع الأجهزة للسيطرة علي الإعلام. ظهر هذا في وقوف شخصيات عامة ومجلس الوزراء مع "هيكل"، وتضامن شخصيات سياسية مع د. ندا منهم الرئيس السابق للمحاكم العسكرية، ثروت بدوي، والسفير السابق، فوزي العشماوي، وعدد من الإعلاميين وأساتذة الإعلام. كما ظهر صراع الأجهزة في المعركة التي دارت بين إعلاميي سامسونج وأسامة هيكل، في أكتوبر2020، واستعملت فيها ألفاظ خادشة علي الفضائيات. تحدث حينها وزير الإعلام عن فشل إعلام المخابرات، مقابل إعلام الخارج وعدم قراءة 65% من المصريين لصحفهم، وقال لهم: "أرقام توزيعكم عندي". https://twitter.com/SMoInfoEg/status/1317378565030162432 تحول الصراع لمعركة كلامية وإهانات وشتائم متبادلة على مواقع التواصل الاجتماعي، واتهم صحفيو المخابرات الوزير بأنه فاشل وطالبوا باستقالته، واتهمهم هيكل بالفشل في إدارة الإعلام بدليل تدهور وانهيار توزيع صحف النظام. من يتولي الوزارة بعد هيكل؟ يبقي السؤال بعد إبعاد هيكل: من يتولي الوزارة بعد هيكل؟ هل هي مفصلة علي ياسر رزق هيكل السيسي الجديد أم أنه فعلا مغضوبا عليه لسبب غير معروف رغم أنه من دعا لبقاء السيسي في الحكم مدي الحياة؟! لو تمت تولية ياسر رزق سيكون هذا مؤشرا لأن استبعاده من رئاسة تحرير "أخبار اليوم" كان مقدمة لتولي الوزارة، ولكن المنصب تأخر بعض الوقت، ولو خرج من يده سيكون هذا مؤشرا علي غضب السيسي من ياسر رزق لسبب غير معلوم، رغم أنهم قاموا بتلميعه ومحاولة إظهاره "هيكل السيسي" بعد "هيكل عبد الناصر".