وصل صراع الأجهزة الأمنية في مصر للسيطرة على الإعلام مرحلة التراشق حيث اشتعل صراع بين وزير إعلام الانقلاب أسامة هيكل وإعلاميين محسوبين على نفس النظام وينتمون إلى شركة "إعلام المصريين" وآخرين يعملون في قنوات يمتلكها رجال أعمال مقربون من السلطة. ويرى مراقبون أن الصراع بين وزير الإعلام وشركة "إعلام المصريين" في الواقع صراع مؤسسات وأجهزة أمنية حيث يعرف هيكل برجل المؤسسة العسكرية فيما تعد شركة إعلام المصريين يد جهاز المخابرات العامة للسيطرة على الإعلام. والطرف الأول وهو أسامة هيكل صحفي يشغل منصب وزير الإعلام منذ ديسمبر 2019 وهي المرة الثانية التي يشغل فيها هذا المنصب حيث سبق وتولى الحقيبة في الفترة بين يوليو وديسمبر 2011 خلال المرحلة الانتقالية التي أعقبت ثورة 25 يناير. والطرف الثاني هو المقدم أحمد شعبان، نادر الظهور في الإعلام، ضابط بالجيش خدم بجهاز المخابرات الحربية في السابق قبل أن ينتقل إلى مؤسسة الرئاسة مع استيلاء عبدالفتاح السيسي على السلطة. شغل "شعبان" وهو ليس وجها مألوفا في الدوائر الإعلامية إلا لمن تعامل معه بشكل مباشر موقع مدير مكتب اللواء عباس كامل رئيس جهاز الاستخبارات العامة الحالي، وارتبط شعبان برئيسه المباشر عباس كامل بدءا من العمل بجهاز المخابرات الحربية ثم مكتب وزير الدفاع حين كان السيسي في هذا المنصب في عهد الرئيس الشهيد محمد مرسي مرورا بالعمل في مؤسسة الرئاسة وأخيرا انتقل معه إلى جهاز المخابرات العامة لتأدية مهمة جديدة، ولم يعد يتحرك عباس ولا يشاهد من دون أحمد شعبان حتى بات الضابط الشاب كظله. وقال الكاتب الصحفي جمال سلطان إن السيسي الذي كان يتحدث عن حظ جمال عبدالناصر بإعلامه لم ينل هذا الحظ وفشل في السيطرة على كل الإعلام بشكل نهائي، مضيفا أنه رغم أن عبدالناصر كان ديكتاتورا عسكريا إلا أنه كان ابن الحركة الوطنية والأحزاب والتنظيمات وكان عضوا في جماعة الإخوان المسلمين قبل ذلك وشكل خلايا وكان له نشاط سياسي من خلال نادي الضباط وكان له منشورات ومذكرات كما أنه كان يمتلك قدرة جيدة على إعطاء مساحة معقولة للكفاءات المدنية لإدارة المشهد الإعلامي فاختار محمد حسنين هيكل وسبقه مصطفى أمين وإحسان عبدالقدوس وفتحي غانم. وأضاف سلطان، في حواره مع برنامج "المسائية" على فضائية "الجزيرة مباشر"، أن المجموعة المحيطة بالسيسي ليست لديها قدرة على الانتقاء وتمخضت بعد سنوات من إعداد الأذرع الإعلامية عن أحمد موسى ومحمد الباز ونشأت الديهي، بالإضافة إلى عدم الثقة في المدنيين وتضييق المجموعة المحيطة بالسيسي وسيطرة الهواجس والشك على هذه الدائرة الضيقة جعلها تخرج عن إطار المؤسسات وبات هناك ما يسمى صراع المؤسسات. من جانبه قال الدكتور سليمان صالح، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، إن وزير الإعلام لم يذكر الحقيقة كاملة، والحقيقة أن مصر فقدت قوتها الإعلامية ولم يعد هناك إعلام في مصر يعبر عن شعبها ولا يقدم له المعرفة. وأضاف صالح، في حواره مع برنامج "المسائية" على فضائية "الجزيرة مباشر"، أن الشعب المصري محروم من المعرفة ومناقشة أهم قضاياه حتى تلك القضية التي تشكل خطرا يهدد وجود مصر كلها وهي قضية سد النهضة لم تقم وسائل الإعلام بإتاحة الفرصة لمناقشة هذه القضية، مضيفا أن الإعلام للأسف الشديد تحت سيطرة هذه السلطة لم يعد إعلاما بل تحول إلى وسائل دعاية متخلفة قديمة جدا وهناك خصومة بينهم وبين العلم. وأوضح أن العلم يقول أن الدولة لكي تكون قوية في كل المجالات السياسية والاقتصادية وغيرها لابد أن تكون لها قوة إعلامية، مضيفا أن السيسي يحسد عبدالناصر على تجربته الإعلامية ولم ينظر إلى نتيجة هذه التجربة والتي تسببت في نكسة 1967م. وأشار إلى أن حرمان الشعب من المناقشة الحرة والديمقراطية يقود إلى كارثة، وأن مصر الآن تواجه هذه الكارثة، والإعلام غائب تماما ولا يفتح المجال لكل الاتجاهات الفكرية والسياسية لمناقشة كيف يمكن ان نواجه هذه الكارثة؟ وكيف يمكن أن نعبأ الشعب لهذه المواجهة. بدوره قال الإعلامي أسامة جاويش إنه لا توجد مبالغة في تقدير دور المقدم أحمد شعبان الذي يتولى إدارة ملف بالمخابرات العامة المصرية، مضيفا أن عنوان لمرحلة منذ 2014 حتى الآن لخصها عباس كامل في مقولته الشهيرة "انت بتكتب يا أحمد"، في إشارة إلى المقدم أحمد شعبان مدير مكتب عباس كامل وذراعه الأيمن. وأضاف جاويش أن هذه هي السياسة الإعلامية الحاكمة للإعلام المصري الآن وطالما كتب أحمد شعبان خلف عباس كامل ستنفذ الأجهزة الإعلامية، مضيفا أن جروب واتس آب الشهير حقيقة لا يمكن لأحد إنكارها في مدينة الإنتاج الإعلامي حيث يرسل أحمد شعبان خلاله الرسائل التي تعمم على الإعداد والمذيعين في المدينة. وأوضح من يتجرأ على الكتابة عن أحمد شعبان أو حتى الحديث عنه في تسريب أو الاقتراب منه يتم التنكيل به فورا، كما حدث مع الدكتور أيمن ندا، وحتى لو كان خارج مصر يتم اقتحام منزله وحرق محتوياته أو تكسيره أو إسقاط الجنسية كما حدث مع الناشطة غادة نجيب. وأشار إلى أن من بين ضحاياه من داخل النظام ياسر سليم ضابط المخابرات العامة السابق وياسر رزق والعميد محمد سمير المتحدث العسكري السابق، مختتما بأن أحمد شعبان هو زير إعلام مصر. https://www.youtube.com/watch?v=18SVH9R6QBU